معنى آية فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس، بالشرح التفصيلي

سورة طه

إنّ سورة طه من السور المكيّة على رأي الجمهور، وقد كانت سببًا في إسلام عمر بن الخطّاب عند قراءتها، وقد ورد عن بعض علماء التفسير أنّها تُسمّى سورة الكليم وورد عن بعضهم كذلك أنّها تُسمّى سورة موسى نظرًا لورود قصة نبي الله موسى -عليه السلام- فيها، وكانت من أوائل السور المُنزلة في مكّة، ويُرجّح لأنّها نزلت ما بين نهاية السنة الرابعة وبدايات السنة الخامسة للبعثة النبويّة، أما عدد آياتها ففيه خلاف بين الأمصار؛ ولكن الذي عليه أهل الكوفة أنّها 135 آية،[١] وترتيبها في المصحف هو 20 بعد سورة مريم، وقد ورد في هذه السورة آية تحكي ما حدث بين نبي الله موسى -عليه السلام- والسامري، والآية تقول: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}،[٢] وهذا المقال سيقف بشيء من الشرح والتفصيل مع هذه الآية.[٣]


معنى آية: فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس، بالشرح التفصيلي

إنّ قوله تعالى في سورة طه على لسان موسى عليه السلام: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}[٤] هو خطاب للسامري كما يظهر من تسلسل الأحداث في السورة، وقد كان السامري هو سبب فتنة بني إسرائيل بعد أن تركهم موسى -عليه السلام- وذهب للقاء ربه تعالى، فكان أن صنع السامري لبني إسرائيل عجلًا من ذهب وألقى عليه شيئًا من التراب الذي داسته فرس جبريل عليه السلام، فرماه على العجل فصار يصدر صوتًا كالخوار، فقال لبني إسرائيل إنّ هذا إلهكم وإله موسى، فصاروا يعبدونه حتى جاءهم موسى -عليه السلام- من عند ربه سبحانه، فهنا في هذه الآية يخاطب موسى -عليه السلام- السامري ويقول له إنّ عقوبتك ما دُمتَ حيًّا ألّا تمسّ أحدًا ولا أحد يمسّك، فكان الذي يمسّه يُصاب بالحُمّى هو والسامريّ معًا، فصار السامري يهيم في الأرض لا يجد من يخالطه من البشر؛ فكان كمن يقول للآخرين لا تمسّوني ولا أمسّكم، وهو نوع من العقاب الذي يعتمد على جعل المُذنب منبوذًا من المجتمع، فيكون عقابه أن يعاني الوحدة، وهو قريب من عقوبة التغريب في الزنا في الإسلام.[٥]

ثمّ يقول له موسى عليه السلام: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ}؛ أي إنّ السامريّ بعد الممات سيكون له يومٌ يُحاسب فيه على ما فعله وفتنته بني إسرائيل، والموعد هو يوم القيامة حين تُحاسب الخلائق على ما كسبت في الحياة الدنيا، ويتابع موسى -عليه السلام- خطابه فيقول: {وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}، ويعني أنّ هذا العجل الذي عبدته انظر وشاهد كيف سيُحرق ثُمّ يُرمى في البحر، وقد اختلف المفسّرون في كيفيّة تدمير موسى -عليه السلام- للعجل، فقال بعضهم إنّه سحله بالمبارد ثمّ رماه في النار إلى أن صار رمادًا ثمّ رماه في البحر، وقال بعضهم إنّ العجل قد صار من لحم ودمّ فذبحه موسى -عليه السلام- ثمّ رماه في النار ليصير رمادًا ثمّ رماه في البحر أو النهر على خلاف التفاسير، وسبب الإحراق وتحويله لرماد هو أنّ بني إسرائيل قد أُشربوا في قلوبهم العجل، وظنّ بعضهم أنّه فعلًا الإله، فأراد نبي الله موسى -عليه السلام- أن يعلموا يقينًا أنّه ليس بإله؛ إذ لو كان كذلك لكان دفع عن نفسه القتل والدمار، ثمّ جعله رمادًا وذرّاه في الماء؛ ليكونوا على يقين أنّه ليس إلههم، وإنّما إلههم {اللهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}،[٦] كما يقول في الآية التي تليها، والله أعلم.[٥]


معاني المفردات في آية: فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس

بعد الوقوف بشيء من التفصيل والاستفاضة مع تفسير قوله تعالى في سورة طه: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} فإنّ هذه الفقرة تقف مع شرح ما يحتاج إلى شرح في هذه الآية، وذلك فيما يأتي:

  • الحياة: وهي كلّ ما كان نقيض الموت ويدلّ على النمو والبقاء.[٧]
  • مِساس: المِساس اللمس، يقولون: لا مِساس بهذا أي لا يجب أن يُمسّ هذا أو يُلمس.[٨]
  • موعدًا: الموعد مصدر ميميّ من الوعد، وهو مكان الوعد.[٩]
  • تخلفه: ومعنى الإخلاف هنا عدم الوفاء بالوعد.[١٠]
  • إلهك: كلمة إله تُطلق على ما يُعبد بحقّ -وهو الله تعالى- أو بغير حقّ كالأصنام التي يعبدها الوثنيون وغيرهم من الأقوام القديمة والحديثة، وجمعه آلهة.[١١]
  • ظَلت: أصلها ظَلِلْتَ، والعرب تقول عن الذي يعمل أمرًا بالنهار: ظلّ يفعله طول النهار، وأمّا في المساء فيقولون بات.[١٢]
  • عاكفًا: العكوف على الشيء يعني المواظبة عليه من دون صرف النظر أو الوجه عنه، ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف: {فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ}؛[١٣] أي: يقيمون.[١٤]
  • نحرّقنّه: التحريق هو حرق الشيء بالنار والمبالغة فيه.[١٥]
  • ننسفنّه: نسف الشيء اقتلاعه من أصله وهدمه وتفتيته.[١٦]
  • اليم: ويُطلق على البحر وعلى النهر الكبير الواسع ذي الماء العذب، واليم الذي وضعت أمّ موسى -عليه السلام- ابنها فيه هو نهر النيل.[١٧]


إعراب آية: فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس

فيما يأتي من هذه الفقرة ما قبل الأخيرة في هذا المقال وقفة مع إعراب قوله تعالى في الآية الكريمة: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} من حيث المفردات وبعض الجمل:

  • قالَ: فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.[١٨]
  • فاذهب: الفاء هي الفاء الفصيحة، واذهب فعل أمر مبني على السكون الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.
  • فإنّ: الفاء حرف تعليل، وإنّ حرف مشبّه بالفعل.
  • لك: جار ومجرور متعلّقان بخبر إنّ المحذوف.[١٨]
  • في الحياة: جار ومجرور متعلّقان بحال من الخبر المحذوف.[١٨]
  • أن تقولَ: أن حرف ناصب، وتقولَ فعل مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والمصدر المؤوّل من أن وما بعدها في محل نصب اسم إنّ.[١٨]
  • لا مِساسَ: لا نافية، ومساس اسم مبني على الفتح في محل نصب اسم لا، والخبر محذوف.[١٨]
  • وإنّ: الواو عاطفة، وإنّ حرف مشبّه بالفعل.[١٨]
  • لكَ: جار ومجرور متعلّقان بخبر إنّ المقدّم المحذوف.[١٨]
  • موعدًا: اسم إنّ مؤخّر منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٨]
  • لن تُخلَفَه: لن حرف ناصب، تُخلَفَه فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بلن، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به ثانٍ.[١٨]
  • وانظر: الواو عاطفة، وانظر فعل أمر مبني على السكون الظاهر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.[١٨]
  • إلى إلهك: جار ومجرور متعلّقان بالفعل انظر.[١٨]
  • الذي: اسم موصول مبني في محل جر صفة للاسم المجرور إلهك.[١٨]
  • ظَلتَ: أصله ظللتَ، وهو فعل ماضٍ ناقص والتاء ضمير متصل في محل رفع اسمها.[١٨]
  • عليه: جار ومجرور متعلّقان بخبر ظلّ "عاكفًا" الذي يأتي بعدهما.[١٨]
  • عاكفًا: خبر ظلّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٨]
  • لنُحرّقَنّه: اللام موطئة للقسم، ونحرّقنّه فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محلّ له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن، والهاء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.[١٨]
  • ثمّ لننسفَنّه: ثم حرف عطف، ولننسفَنّه فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محلّ له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن، والهاء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.[١٨]
  • في اليم: جار ومجرور متعلّقان بالفعل ننسفنّ.[١٨]
  • نسفًا: مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٨]
  • جملة {قَالَ}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[١٩]
  • جملة {تَقُولَ}: صلة الموصول الحرفي لا محلّ لها من الإعراب.[١٩]
  • جملة {لَا مِسَاسَ}: مقول القول في محل نصب مفعول به.[١٩]
  • جملة {لَّن تُخْلَفَهُ}: في محل نصب صفة لـ "موعدًا".[١٩]
  • جملة {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا}: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.[١٩]
  • جملة {نُحَرِّقَنَّهُ}: جواب القسم المقدّر لا محل لها من الإعراب.[١٩]


الثمرات المستفادة من آية: فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس

ممّا يمكن الإفادة منه من ثمرات من قوله تعالى: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}[٢٠] هو أنّ الذي يحارب الله وأوامره ولا يجتنب مناهيه ويسعى ليفسد في الأرض ويُضلّ العباد سيكون له عقابٌ عظيم في الدنيا وآخر أعظم يوم القيامة؛ إذ إنّ الدين كلّه لله، والحكم كلّه لله، والذين يجحدون ذلك إنّما هم كالسّامريّ قد سوّلت لهم أنفسهم أن يُضلّوا العباد وهم يعلمون بحقيقة كذبهم، ولكن مع وجود عباد لله -مثل نبي الله موسى عليه السلام- يرسلهم ليبيّنوا للنّاس الضّلال ويُحاربوا المبتدعين فإنّ الله غالب على أمره، ولن تكون العزّة إلّا لمن ابتغاها تحت حكم الله -تعالى- وهو موقن بأنّه عبد وأنّ الإله هو الله -تعالى- وحده لا شريك له، والله أعلم.[٥]

المراجع

  1. "التحرير والتنوير - سورة طه"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  2. سورة طه، آية:97
  3. "سورة طه"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  4. سورة طه، آية:97
  5. ^ أ ب ت "تفاسير الآية 97 من سورة طه"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  6. سورة طه، آية:98
  7. "تعريف و معنى الحياة في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى مساس في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى الموعد في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى يخلف في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى إله في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى ظل في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  13. سورة الأعراف، آية:138
  14. "تعريف و معنى عكوف في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى التحريق في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  16. "تعريف و معنى النسف في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  17. "تعريف و معنى اليم في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  18. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ "قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلْحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُۥ ۖ وَٱنظُرْ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِى ٱلْيَمِّ نَسْفًا (طه - 97)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  19. ^ أ ب ت ث ج ح "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  20. سورة طه، آية:97
2932 مشاهدة
للأعلى للسفل
×