معنى آية فاليوم ننجيك ببدنك، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فاليوم ننجيك ببدنك، بالشرح التفصيلي

سورة يونس

سورة يونس هي من السور المكيّة على أصحّ الأقوال، وقد نقل الإمام القرطبي عن ابن عبّاس أنّها مكيّة ما خلا ثلاث آيات هي مدنيّة، والقول بأنّها مكيّة هو أصحّ الأقوال عن ابن عبّاس فيما يروى عنه، ووجه تسميتها بسورة يونس هو ذكر خاصيّة لقوم يونس لم تُذكر في سورة أخرى وهي إيمانهم بعدما توعّدهم نبيّهم بالعذاب وغفران الله -تعالى- لهم جميعًا، ويرجّح الإمام ابن عاشور أنّها سُمّيت باسم يونس النبي لابتدائها بالحروف المٌقطّعة "الر"، ولذلك فقد سُمّيت هي وأخواتها اللواتي يبدأن بتلك الحروف المقطّعة بأسماء تميّزها؛ إذ لولا ذاك لقيل الر الأولى والثانية والثالثة وهلم جرًّا، ترتيبها من حيث النزول 51 نزلت بعد سورة الإسراء وقبل سورة هود،[١] وترتيبها في المصحف العاشرة بين سورة التوبة وسورة هود، وفي هذه السورة آية يقول فيها تعالى واصفًا فرعون: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}[٢] سيتوقّف المقال معها بالشرح والتفصيل.[٣]

معنى آية: فاليوم ننجيك ببدنك، بالشرح التفصيلي

إنّ قوله تعالى عن الفرعون المعروف في زمان موسى -عليه السلام- ذاك الذي تجبّر وادّعى الألوهية: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}[٤] يأتي استكمالًا لآيات سبقت هذه الآية ابتدأت بقوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ* آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ* فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}،[٥]ففرعون قد لحق بموسى -عليه السلام- وبني إسرائيل لمّا أتاهم الأمر الإلهي بالخروج من مصر بصحبة موسى وهارون -عليهما السلام- بغية قتلهم وردّهم إلى تحت عبادته، فعندها ضرب موسى البحر وفُتح لبني إسرائيل طريقًا في البحر فسار فرعون وراءهم فأطبق عليه وعلى جنوده البحر فأُغرقوا جميعًا، فعندما رأى فرعون نفسه غارقًا لا محالة وأدرك حقيقة ضعفه وأنّ ربوبيّته المزعومة وطغيانه وجبروته وجنده وعزّه الذي ابتغاه ظلمًا وعلوًّا وكلّ ما كان يعلو به فوق الناس عندما أدرك أنّ كلّ ذلك لا يُنجيه من الغرق أدرك حقيقة وجود إله هو القاهر فوق عباده وهو الذي أنجى موسى -عليه السلام- وقومه، فعندها قد أيقن فرعون أنّه هالك، وحينئذٍ لا تُقبل التوبة، فأمسك جبريل -عليه السلام- من حمأ البحر ودسّه في فمه لئلّا تدركه رحمة الله تعالى، فقد روى الإمام الترمذي في سننه أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "لَمَّا أَغْرَقَ اللهُ فرعونَ قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ. فقال جَبْرَئِيلُ: يا مُحَمَّدُ لو رَأَيْتَنِي وأنا آخُذُ من حالِ البحرِ وأَدُسُّه في فِيهِ مَخَافةَ أن تُدْرِكَه الرحمةُ"،[٦] وقد كان ذلك في يوم عاشوراء كما قال أهل التفسير.[٧]


فعند غرقِ فرعون وهلاكه شكّ بعض بني إسرائيل أنّ فرعون لم يمُت، فأمر الله -تعالى- البحرَ أن يلفظ جثّة فرعون ليراها الناس وهو جثّة هامدة لا روح فيها، ولو كان إلهًا كما يدّعى لنجّى نفسه من الغرق ولأمر البحر أن يكفّ عن ذلك، ولكنّه إنسانٌ فانٍ كباقي البشر الذين خلقهم الله -تعالى- وكتب يوم موتهم قبل ولادتهم وقبل نفخ الروح فيهم، بل وقبل خلق الأكوان، فأُلقي فرعون على نجوة من الأرض؛ وهو المكان المرتفع، وقيل بل رُمي على ساحل البحر فور خروج بنو إسرائيل؛ ذلك أنّه عندما دخل فرعون وجنوده البحر خلف بني إسرائيل اقتضت حكمة الله أن يدخلوا جميعًا، فوافق خروج آخر فرد من بني إسرائيل دخول آخر جنديّ من جنود فرعون، وهنا أمر الله البحر فأطبق عليهم، فعندها ظنّ بعض بني إسرائيل أنّ فرعون لم يمت، فرماه البحر على الساحل بهيئته التي يعرفون وقد كان فرعون قصيرًا أحمر كأنّه الثور الأحمر كما حكى بعض المفسّرين، وكذلك كانت عليه درعه التي يعرفون، وهذا معنى قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}؛ أي: آية لنبي إسرائيل ولمن سمع بقصّته إلى يوم القيامة،[٨] وأمّا من يقول إنّ معناه أنّ جثّة فرعون ستبقى آية للنّاس إلى يوم القيامة من حيث بقاؤها ورؤية الناس لها فكلامه غير دقيق لأنّ الجُثّة المعروضة اليوم في بعض المتاحف لا يلزم أن تكون جثة فرعون على وجه الدقة، وحتّى إن كانت جثّته فالكلام في الآية موجّه لبني إسرائيل الذي بقوا أحياء بعد هلاك فرعون وعاينوا جثّته بأعينهم.[٩]


وأخيرًا يختم -تعالى- الآية بقوله: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}، يعني أنّ كثيرًا من الناس مهما رأوا من الآيات التي تدلّ على عظمة الله -تعالى- وأنّ الألوهيّة لا تنبغي إلّا له جلّ وعلا، وأنّه هو المدبّر لأمر هذا الكون وغيره من خلق الله -تعالى- يبقون معرضين ساهين غافلين عن تدبّر آيات الله والنظر لها بعين القلب والعقل، فيمرّون عليها كأنّهم لم تكن، وأولئك هم الذين عميت أبصارهم وبصائرهم عن الحق فكانوا كالفرعون، وأمّا من كان له عقل وقلب وكان يتفكّر في آيات الله -تعالى- فإنّه يدرك من الدلائل على عظمة الخالق ما لا يحصى، ولسان حاله يقول تبارك الله أحسن الخالقين، والله أعلم.[٨]


معاني المفرادات في آية: فاليوم ننجيك ببدنك

بعد الوقوف مع تفسير قوله تعالى في سورة يونس: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}،[١٠] فإنّ هذه الفقرة تقف مع شرح المفردات التي تحتاج إلى شرح لكي يزيد وضوحها عند القارئ لهذه الآية، وشرح المفردات هو:

  • ننجيك: معنى الكلمة يختلف باختلاف سياق الكلام، فالكلمة هنا قد تكون مشتقّة من النجوة والنجاة وهي المكان المرتفع من الأرض، وعلى هذا المعنى حمل معظم المفسّرين تأويل الآية الكريمة، وقيل هو من النجاء وهو الخلاص، ولكن هنا كان خلاص البدن دون الروح، فكان الموت من جهة والنجاة من جهة، والله أعلم.[١١]
  • آية: الآية بمعنى العلامة أو الأمارة أو العبرة أو غير ذلك، وهنا بمعنى العبرة.[١٢]
  • لغافلون: الغافل مشتق من الغفلة وهو ترك الأمر سهوًا.[١٣]


إعراب آية: فاليوم ننجيك ببدنك

قبل الختام تقف هذه الفقرة مع إعراب قوله تعالى في سورة يونس: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}،[١٤] ففي الإعراب زيادة في الإيضاح والتبيان، وإعراب الآية الكريمة يكون فيما يأتي:

  • فاليومَ: الفاء استئنافيّة، واليوم ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة متعلّق بالفعل ننجيك.[١٥]
  • ننجيك: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والكاف ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن، وجملة ننجيك استئنافيّة لا محل لها.[١٥]
  • ببدنك: الباء حرف جر، وبدنك اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والكاف ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلّقان بحال محذوفة من كاف الخطاب، والتقدير: اليوم ننجيك عاريًا عن الروح ببدنك فقط.[١٦]
  • لتكون: اللام لام التعليل، وتكون فعل مضارع ناقص منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل، واسمه ضمير مستتر تقديره أنت.[١٥]
  • لمن: اللام حرف جر، ومن اسم موصول مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلّقان بحال محذوفة من آية.[١٥]
  • خلفك: ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والكاف ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والظرف متعلّق بمحذوف الصلة.[١٥]
  • آية: خبر تكون منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٥]
  • وإنّ: الواو حاليّة، وإنّ حرف مشبّه بالفعل.[١٥]
  • كثيرًا: اسم إنّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٥]
  • من الناس: من حرف جر، والناس اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلقان باسم إنّ "كثيرًا".[١٥]
  • عن آياتنا: عن حرف جر، وآياتنا اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، ونا ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلّقان بغافلون.[١٥]
  • لغافلون: اللام مزحلقة، وغافلون خبر إنّ مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنّه جمع مذكّر سالم، والنون عوضًا عن التنوين في الاسم المفرد.[١٥]


الثمرات المستفادة من آية: فاليوم ننجيك ببدنك

ختامًا يقف المقال مع الثمرات التي يمكن إفادتها من قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}،[١٧] ولعلّ الثمرة الكبرى التي يمكن إفادتها من هذه الآية هي أنّ مصير الطّغاة إلى زوال، ومهما تمادى الطاغية وادّعى القوّة والجبروت فهو -لا بدّ- آيلٌ إلى السقوط، والفرعون هنا ليس فقط فرعون موسى عليه السلام، وإنّما هو كلّ من تفرعن وسوّلت له نفسه أن يظلم النّاس بسطوته وكثرة جنده، ففرعون اسم لجمعٍ كبيرٍ من الطّغاة على مرّ العصور، فالمصير واحد مهما تعدّدت الأسماء، ومن ظنّ أنّه قد نجا من ذلك المصير في الدنيا فهو لا شكّ ملاقيه في الآخرة، وكذلك تلفت هذه الآية النظر إلى مصير من يحارب الله ودينه، ولعلّهم يأخذون العبرة من فرعون ذي الأوتاد، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.[١٨]

المراجع

  1. "التحرير والتنوير - سورة يونس"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  2. سورة يونس، آية:92
  3. "سورة يونس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  4. سورة يونس، آية:92
  5. سورة يونس، آية:90-92
  6. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3107، حديث حسن.
  7. "تفاسير الآية 90 من سورة يونس"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  8. ^ أ ب "تفاسير الآية 92 من سورة يونس"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  9. "تفسير قوله تعالى ( فَاْليَوْمَ نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ )"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  10. سورة يونس، آية:92
  11. "تعريف و معنى أنجى في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى الآية في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى غافل في قاموس القاموس المحيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  14. سورة يونس، آية:92
  15. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز "فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ (يونس - 92)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  16. محمد علي طه الدرة (2009)، [http:// تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه] (الطبعة 1)، دمشق:دار ابن كثير، صفحة 368، جزء 4. بتصرّف.
  17. سورة يونس، آية:92
  18. "تفسير الشعراوي"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
2805 مشاهدة
للأعلى للسفل
×