معنى آية فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، بالشرح التفصيلي

معنى آية: "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"

المقصود بالرفث

ورد في سورة البقرة في معرض حديث الآيات عن الحج والعمرة، قول الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)،^[١] ففي هذه الآية دلالة واضحة على أنّ من أحرم بالحج وجب عليه التنزّه؛ عن كل ما يفسده، أو ينقصه من قول أو فعل؛ فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال.^[٢]

والرّفث هو أعظم محظورات الإحرام؛ وهو الجماع، أو ما قد يُفضي إليه من المغازلة، أو بالكلام عن الجماع، أو المداعبة، أو التقبيل ونحوه، والمحرم إذا أتى النساء؛ فقد يقع في أحد هاتين الحالتين:^[٢]

• الأولى: أن يكون الجماع قبل التحلل الأول يوم النحر

ففي هذه الحالة يكون حجه فاسداً، ووجب على الحاجّ إتمامه بقضائه في العام القادم دون تأخير، كما يجب عليه الفدية ببقرة أو بدنة، ولا يأكل منها شيئًا.

• الثانية: أن يكون الجماع بعد التحلل الأول يوم النحر

وهنا حجه صحيح، ولكن على الحاجّ أن يذهب إلى خارج حدود الحرم، لتجدّيد إحرامه، ومن ثمّ يطوف طواف الإفاضة.

المقصود بالفسوق

وأما قوله -تعالى-: (ولا فسوق)، فقد تعددت آراء المفسرين بالمراد به في هذا الموضع:^[٣]

• منهم من فسرّها بأنه اقتراف ما نُهي عنه في الإحرام؛ من حلق الشعر، وتقليم الأظفار، وقتل الصيد، ونحوه.
• منهم من قال هو سباب المسلم

مستدلّين بما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سُباب المسلم فسوق، وقتاله كفر).^[٤]

• قال آخرون أنّ الفسوق هو جميع المعاصي

التي أمر الله باجتنابها في سائر الأحوال؛ كالكذب، والغش، والسرقة، والظلم، وعقوق الوالدين، وغيرها من الذنوب، وهذه المعاصي وإن كان منهيّ عن ارتكابها دائمًا، إلّا أنّ إتيانها في الحج أشدّ وأعظم ذنبًا، وهذا القول الذي اختاره ابن عمر، وهو الأقرب إلى الصواب، والله أعلم.

المقصود بالجدال

ومما جاء في تفسير قوله -تعالى-: (ولا جدال)، أن مقصود بالجدال صنفان:^[٥]

• الصنف الأول: الجدال الذي يتعلق بركن الحج ذاته

وذلك كالجدال في أشهر الحج ومواقيته، ومناسك الحج، والأماكن التي تقام بها الشعائر؛ فهذا مما لا يجوز الجدال فيه؛ لأن الله بيّن في كتابه وسنة نبيّه كل ما يتعلق بالحج من أقوال وأعمال، ولذلك يجب على المسلمين الاقتداء بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- دون مماراة أو جدال، وإذا أشكل على الحاجّ مسألة رجع إلى أهل العلم.

• الصنف الثاني: الخصام والنزاع بين المسلمين

مما قد يثير الشك والعداوة، ويولّد الأحقاد والضغائن؛ فهذا منهيّ عنه ووجب تركه؛ لأن فيه صرف الحجاج عن طاعة الله، وتعظيم شعائره.

معاني مفردات الآية الكريمة

بعد التطرّق لتفسير قول الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)،^[٦] سيتم في هذه الفقرة إيضاح مفردات الآية الكريمة وبيان معانيها، وذلك فيما يأتي:

• الحج

القصد، وهو التوجه إلى بيت الله الحرام في أشهر معلومات لأداء فريضة الحج، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام.^[٧]

• أشهر

مفردها شهر، تقدر السنة باثني عشر جزءًا والشهر جزء منها، وفي السنة القمرية هو دورة القمر حول الأرض، وفي السنة الشمسية يقدر كجزء من السنة، والأشهر الحرم هي التي حرم الله فيها القتال، وهي ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم وهي التي يكون فيها الحج، وأشهر الحل هي ما سوى الأشهر الحرم.^[٨]

• فرض

جمعها فروض وفِراض، وهو بمعنى الأمر والإلزام، وما ألزمه الله على عباده، وما ألزمه الإنسان على نفسه، وتأتي في الآية بمعنى إلزام الإنسان نفسه بالحج الذي ألزمه الله عباده.^[٩]

• رفث

جذرها رَفَثَ يرفث رفوثًا، وهي بمعنى الجماع وما يفضي إليه؛ لقوله -تعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ)،^[١٠] وتأتي بمعنى الكلام الفاحش.^[١١]

• فسوق

جذرها فَسَقَ بمعنى خرج، يفسُق ويفسِق، فاسقًا، والفسوق الخروج عن طاعة الله وعصيانه؛ بعدم فعل الطاعات واقتراف المحرمات.^[١٢]

• جِدال

مصدر جادل، والمجادلة في الأمر: مناقشته والخلاف فيه، وفن الجدال: نوع من السفسطة الذي يثير نقاش المسألة دون حسم الرأي فيها.^[١٣]

إعراب مفردات الآية الكريمة

يعطي الإعراب صلة قوية بالمعاني ويجلّيها، واستكمالًا لتفسير قول الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)،^[١٤] سيتم في هذه الفقرة إعراب مفردات وجمل الآية، وذلك فيما يأتي:

• الحجُّ

مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره.^[١٥]

• أشهرٌ

خبر المبتدأ "الحَج"؛ مرفوع وعلامة رفعه تنوين الضم الظاهر على آخره.^[١٦]

• معلوماتٌ

نعت "أشهر" مرفوع، وعلامة رفعه تنوين الضم الظاهر على آخره.^[١٧]

• فَمَن

الفاء: فصيحة عاطفة، "من": اسم شرط جازم مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ.^[١٨]

• فرض

فعل ماضِ مبني على الفتح الظاهر على آخره، وهو فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، أي فرض على نفسه.^[١٩]

• فيهنّ

في: حرف جر، هنَّ: ضمير متصل مبني في محل جرّ اسم مجرور، والجملة الاسمية -الجار والمجرور- متعلقة بفرض.^[٢٠]

• الحجَّ

مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.^[٢١]

• جملة "الحَجّ أشهر"

جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.^[١٦]

• فلا

الفاء: فاء رابطة لجواب الشرط، لا: لا نافية للجنس حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، تعمل عمل إنّ.^[٢١]

• رفث

اسم لا منصوب بالفتحة.^[١٦]

• ولا فسوق

الواو: حرف عطف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، لا نافية للجنس، فسوق: اسم لا منصوب بالفتحة.^[١٦]

• ولا جِدال

الواو حرف عطف، لا نافية للجنس، جدال: اسم لا منصوب بالفتحة.

• في الحج

في: حرف جرّ، الحجّ: اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة على آخره، وجملة الجار والمجرور متعلقة بمحذوف خبر لا جدال، وخبر (لا) الأولى والثانية محذوف أي لا رفث في الحج ولا فسوق في الحج واستغني عن ذلك بخبر الأخيرة.^[٢٠]

الثمرات المستفادة من الآية الكريمة

مما قد يستفاد من قول الله -تعالى- في الآية السابقة يمكن تلخيصه بما يأتي:

• أنّ الحجّ ركن تتجلّى فيه عظمة الله وهيبته

فهو الركن الذي يأتي إليه عباد الله من كلّ فج عميق، فيجتمعون في مكة أطهر بقاع الأرض، يأتونه خاضعين منكسرين معترفين بذنوبهم، مقرّين له سبحانه بالعبوديّة، ويظهر اعترافهم جلياً في نزعهم عنهم ثيابهم، ساترين سَوْءاتهم بحلّة بيضاء، راجين من ربهم أن يعودوا إلى ديارهم وصحيفتهم مثل حلّتهم.

• يستشعر المسلم معاني العبودية بالابتعاد عن النواهي

وعليه الابتعاد عن كل ما يشغل قلبه عن تعظيم شعائر الله من متاع الدنيا؛ كالجماع وما قد يفضي إليه؛ فالذي يوصل إلى المحظور محظور، كما أنّ عليه تحرّي الابتعاد عن المعاصي كلّها دقّها وجلّها؛ فالإنسان بطبعه خطّاء.

• على المسلم أن يكثّف من رقابته لنفسه في الحج

فهو في البيت الحرام في الشهر الحرام، وخصّ الله الجدال والمماراة في النهي؛ وهو المبالغة في الكلام الذي قد يفضي إلى النزاع والخصومات بين المسلمين، وهو يورّث الضغائن كما أنه يناقض دماثة الأخلاق،.

• جزاء الحاج المتبع لأوامر الله تعالى

ولأن الله هو الغفور الرحيم، والجواد الكريم جعل جزاء الحاج الذي لم يرفث ولم يفسق، مغفرة ذنوبه فيعود كما ولدته أمه، ودليل ذلك ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أنه قال: (مَن أَتَى هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما وَلَدَتْهُ أُمُّهُ).^[٢٢] فهنيئًا لمن حج بيت الله، وعمل بمقتضى الآية السابقة؛ فيكن بذلك حجه إن شاء الله مبرورًا، وسعيه مشكورًا.

المراجع

1. ↑ سورة البقرة، آية:197
2. ^ ^{أ ب} "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
3. ↑ [ابن كثير]، تفسير ابن كثير، صفحة 404-406. بتصرّف.
4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:6044، صحيح.
5. ↑ "معنى قوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
6. ↑ سورة البقرة، آية:197
7. ↑ "تعريف و معنى الحج في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
8. ↑ "تعريف و معنى الشهر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
9. ↑ "تعريف و معنى فرض في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
10. ↑ سورة البقرة، آية:187
11. ↑ "تعريف و معنى رفث في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
12. ↑ "تعريف و معنى فسق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
13. ↑ "تعريف و معنى جدال في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
14. ↑ سورة البقرة، آية:197
15. ↑ "إعراب الآية (197):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
16. ^ ^{أ ب ت ث} ".إعراب الآية (197):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
17. ↑ "إعراب الآية (197):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
18. ↑ "إعراب الآية (197):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
19. ↑ ".إعراب الآية (197):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
20. ^ ^{أ ب} "إعراب الآية (197):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
21. ^ ^{أ ب} "إعراب الآية (197):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
22. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1350، صحيح.