معنى آية فليمدد بسبب إلى السماء، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فليمدد بسبب إلى السماء، بالشرح التفصيلي

سورة الحج

سورة الحج هي سورةٌ بدأت بأسلوب نداءِِ مخيف للنّاس كافة، رجفت عنده قلوب العباد حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}،[١] فكان لمطلع آياتها وقعٌ عظيم في النفوس، وتُعدُّ هذه السّورة من السّور المدنية باستثناء الآيات من 52-55 فقد نزلت على رسول الله بين مكة والمدينة، وتقع سورة الحج في الجزء السابع عشر من أجزاء القرآن الكريم، وهي السّورة الثانية والعشرين من حيث ترتيب نزولها، حيث نزلت بعد سورة النّور بآيات عددها 78 آية، اشتملت على سجدتين في الآيتين 77،18، وقد سُميت باسم الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام؛ و الذي نادى به إبراهيم -عليه السّلام- بعد انتهاءه من بناء البيت العتيق؛ فكانت تخليدًا لدعوته آنذاك، هذا وقد تعددت مواضيع السورة بين ذكرها لأهواليوم القيامة وبعضًا من مشاهدها، إلى الحديث عن الحكمة من الإذن لقتال الكفار والمشركين، ثُمَّ انتهت بالدّعوة إلى إتباع ملة إبراهيم في آخر آياتها الكريمة.[٢]

معنى آية: فليمدد بسبب إلى السماء، بالشرح التفصيلي

إنَّ سورة الحج سورة مليئة بالكثير من الدروس والعبر العظيمة التي تجعل العبد المسلم يقف عندها و يأخذ من معانيها الكثير، ومنها ما جاء في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}،[٣] حيث جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أقوال متعددة وسيتم ذكر بعضها بشيءِِ من التفصيل: فذكر الواحدي في كتابه الوجيز: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} أي أنّه من ظنَّ أنَّ الله لنْ ينصر النّبيّ محمد حتى يُظهره على الدّين كله فما عليه إلا أنْ يموت غيظًا باعتقاده، ومما جاء في تفسير قوله: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} أي أنْ يشدَّ حبلًا في السماء {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}؛ أي ثُمَّ يقطعه فيموت خنقًا بغيظه، و جاء في تفسير البغوي أنّه قال: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} أي: بحبلِِ {إِلَى السَّمَاءِ} أي سقف البيت على قول أكثر المفسرين، والمعنى أنّه يشدد هذا الحبل في سقف البيت و يختنق به حتى الموت، ثُمَّ فليقطع هذا الحبل بعد اختناقه، وقيل فليمدَّ الحبل حتى يُقطَع فيموت به خنقًا.[٤]


ورغم ذلك إلا أنَّ هذا الفعل ليس على سبيل الحتم؛ لأنّه ليس من الممكن أنْ ينظر الكافر لحاله بعد أنْ يقطع الحبل ويموت بل جاء من باب التوبيخ له، وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أيضًا أنّه قد يُقصد بالنصر هنا: الرزق، حيث كانت تقول العرب: من ينصرني: أي يعطيني، فجاء المقصود هنا: أنّه من كان يظنُّ أنَّ الله لن يرزقه {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ}؛ أيّ فليمدَّ الحبلَ في سماء البيت وليختنق به؛ ليرى هل يذهب بذلك الغيظ عنده، فقيل أنّها نزلت فيمن أساء الظنَّ بالله وخاف أنْ لن يكرمه بالرزق في الدنيا والآخرة، وقد ورد لنزول الآية سبب آخر: فقد روي أنَّ النّبيّ دعا كلًّ من قوم أسد وقوم غطفان إلى الإسلام وكان بينهم وبين اليهود وعد بالحلف، فخافوا أنْ ينقطع حلفهم إنْ أسلموا ولم يتم نصر محمد؛ فتراجعوا عن ذلك الأمر ونزلت الآية الكريمة.[٤]


ولقد ذكر الأمين الشنقيطي: أنَّ هذه الآية {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} قد تشتمل على وجهين وهما كالآتي:[٥]

  • الوجه الأول: أنّه من ظنَّ من الكفار الحاسدين أنَّ الله لن ينصر نبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- فليمدد بسبب: أي بحبلِِ في سقف بيته؛ ثُمَّ ليشد ذلك الحبل حول عنقه ليختنق ويتدلى به حتى الموت، وقد ذُكرَ القطع مع الإختناق؛ لأنّ الإختناق يَقطع النفس بحبس مجاريه، فإن اختنق الكافر فلينظر هل يذهب الكيد والغيظ عنده أم لا، وقد جاء لفظ الكيد هنا على سبيل الإستهزاء بهم.
  • الوجه الثاني: أنّه إنْ ظنَّ الكافر أنَّ الله لن ينصر النّبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- في الدّنيا والآخرة، وأنَّ هذا النصر لا يأتي إلّا من السماء فليمدد بسبب ويصعد به إلى السماء، ثمَّ ليوقف نزول الوحي ويمنع نصر الله إنْ استطاع ذلك، فالمقصود هنا: أنّ هذا الكافر مهما بلغ بكيده وغيظه إلا أنّه لن يستطيع أنْ يرتقي إلى السماء ليقطع نصر الله لرسوله؛ فليس هنالك ما يذهب غيظه وكيده بدليل قوله تعالى في سورة ص: {أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَاب}،[٦] ومن الجدير بالذكر أنّه جاءت مفردة "فليمدد" و"ليقطع" بصيغة الأمر؛ لتعجيز الكفار الحاسدين بأنّه ليس هنالك أيُّ قدرة قد تمنع نصر الله -عزّ وجلّ- لدينه ونبيّه، فكانت هذه الآيات تذكر حال الكفار و المترددين في قبول الإسلام كيف أنّهم يريدون أنْ يفعلوا أي شيءِِ ليمنعوا نصر الله لنبيّه الكريم وهذا لنْ يحصل على الإطلاق.

معاني المفردات في آية: فليمدد بسبب إلى السماء

بعد معرفة أقوال العلماء في تفسير الآية الكريمة جُملةً وتفصيلًا لا بُد من معرفة معاني مفرداتها في اللغة العربية، ليصبح الإنسان عندها على دراية بمعنى المفردة وتفسيرها القرآني فتزيد بذلك رسوخًا في الذهن أكثر مما كانت عليه، فيجمع بذلك بين مفهوم النص القرآني والأدبي، لذلك سنذكر معاني مفردات قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} في اللغة كالآتي:

  • فليمدد: الفاء والام حروف لغة، ومفردة يَمدد: الأصل منها مدَّ فنقول: مدَّ يمدّه مدًّا، وهو بسط الشيء وتطويله.[٧]
  • بسبب: الجمع أسباب، والسبب هو كل ما يتوصل به إلى غيره، وقيل هو: الحبل والقرابة والطريق.[٨]
  • إلى: حرف جر يفيد انتهاء الغاية الزمانية أو المكانية، وقد يأتي بمعنى المصاحبة أو بصيغ مختلفة.[٩]
  • السماء: الجمع منها سموات وأَسمية، وهي ما يقابل الأرض، وقيل هي السحاب والمطر والفلك، وكل ما علاك فأظلك.[١٠]

إعراب آية: فليمدد بسبب إلى السماء

كانت جهود العلماء كبيرة في تفسير القرآن الكريم، حيث أُلفت العديد من كتب التفسير لكبار علماء التفسير، وشملت هذه الجهود على إعراب آيات القرآن الكريم وتأليف كتب في ذلك، فكانت هذه الجهود محط تعظيم لِما لها من فتح آفاق أمام قارئ ومتعلم القرآن الكريم؛ وذكر إعراب الآية فيما يأتي:[١١]

  • فليمدد: الفاء هنا: واقعة في جواب الشرط لـ من، واللام: لام الأمر لا محل لها من الإعراب، يمدد: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه السكون، والفاعل: ضمير مستتر تقديره هو يعود على اسم الشرط من في بداية الآية الكريمة.
  • بسبب: بـ: حرف جر زائد متعلق بـ يمدد والباء هنا للتعدّية، سبب: اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا.
  • إلى: حرف جر يفيد انتهاء الغاية المكانية.
  • السماء: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، والجملة {فليمدد بسبب إلى السماء} في محل جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.

الثمرات المستفادة من آية: فليمدد بسبب إلى السماء

إنَّ الإنسان بعد معرفته لمعاني آيات القرآن الكريم ومقاصد سوره؛ يشعر عندها بقدرته على استنتاج ثمرات ما يقرأ وما يفهم من آيات القرآن الكريم، فحينها يستطيع أنْ يأخذ هذه الثمرات ويطبقها على واقعه ونفسه، ليكون بذلك مثالًا للعبد المسلم حامل القرآن بفكره وعلمه، وقد أثنى الكثير من العلماء على سورة الحج وفضلها العظيم في القرآن الكريم، لما فيها من الدروس والعبر الكثيرة والتي تحدثت عن عظمة الله وقدرته وما إلى ذلك، فمن ثمرات الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} ما يأتي:

  • أنَّ الله -عزّ وجلّ- ناصرٌ لرسوله الكريم محمد -صلّى الله عليه وسلّم- ومتمُّ لنوره لا محالة؛ فلا تستطيع أيُّ قدرة أنْ توقف هذا النصر العظيم.
  • أنَّ هذه الآية الكريمة من الآيات التي تحمل البشارة والوعد بنصر الله -عزّ وجلّ- لدينه ولرسوله وكتابه وعباده المؤمنين، وفيها من التعجيز لكل كافر حاسد يُريد أنْ يطفئ نور الله -عزّ وجلّ- ونبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم.
  • أنَّ على العبد المسلم أنْ يظن بالله -عزّ وجلّ- الخير وينتظر النصر العظيم منه وحده، ولا يعلقه على أحد غيره؛ سواء أكان رزقًا ماديًا أم معنويًا.
  • أنَّ هذه الآية الكريمة ما جاءت إلّا ليعلم كلَّ كافرِِ أو متردد في إسلامه؛ أنّه مهما بلغ به الحال ليوقف نشر الإسلام والدعوة إليه فهو الخاسر الأول والأخير في الدنيا والآخرة، حتى لو وصل به الحال إلى الإختناق والموت غيظًا.
  • أنَّ نصر الله أتِِ لا محالة، حيث قال تعالى:{أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}،[١٢] فالعبد الذي يتوكل عليه حق توكل ويلتزم بشريعة الله وسنة نبيه الكريم؛ فالنصر مستمر باقِِ بحقه من زمن رسول الله إلى يوم الدين.

المراجع

  1. سورة الحج، آية:1
  2. "سورة الحج"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  3. سورة الحج، آية:15
  4. ^ أ ب "تفسير: (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  5. "تفسير: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ."، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  6. سورة ص، آية:10
  7. "معنى فليمدد"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  8. "معنى بسبب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  9. "معنى إلى السماء"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  10. . "تعريف و معنى السماء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com. بتصرّف.
  11. "إعراب الآية رقم 15"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  12. سورة البقرة، آية:214
4960 مشاهدة
للأعلى للسفل
×