محتويات
سورة طه
تعدُّ سورة طه من السور المكية التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي قبل الهجرة إلى المدينة المنورة، عدا الآيتين 130 و131 فهما مدنيتان، نزلت بعد سورة مريم وقبل سورة الأنبياء، عدد آيات السورة 135 آية، ورقم ترتيبها في المصحف الشريف 20، تقع سورة طه في الجزء السادس عشر، وسمِّيت بسورة طه نسبةً إلى بدايتها، حيثُ ابتدأها الله تعالى بحروف مقطعة في قوله: {طه* مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ* إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ}،[١] وقد نزلت السورة مواساةً للرسول صلى الله عليه وسلم، ويرى البعض أنَّ طه هو أحد أسماء رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: فيسحتكم بعذاب، بالشرح التفصيلي، كما وسيتم بيان معاني المفردات الواردة في الآية الكريمة وإعرابها.[٢]
معنى آية: فيسحتكم بعذاب، بالشرح التفصيلي
قبل الحديث عن معنى آية: فيسحتكم بعذاب، بالشرح التفصيلي لا بدَّ من ذكر بعض المعلومات التي تتعلق بهذه الآية الكريمة، إذ تعدُّ هذه الآية إحدى آيات سورة طه، ورقمها في السورة 61، وقد وردت في قصة موسى وفرعون عندما دعا فرعون السحرة ليقوموا بالتغلب على موسى عليه السلام، حيث قال تعالى في محكم التنزيل مشيرًا إلى تلك القصة: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ* فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى* قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى* فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ* قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ* فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ* قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ* فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ}،[٣] حيث تشير الآية إلى أنَّ نبيَّ الله موسى -عليه السلام- قال للسحرة الذين أتى بهم فرعون: لا تختلقوا الكذب على الله تعالى، ولا تتقوَّلوا الكذب عليه فيصيبكم هلاكٌ بذلك، ويبيدكم ويستأصلكم بهلاكٍ وعذاب شديد، وقد وردَ عن عن ابن عبَّاس -رضي الله عنه- قوله في هذه الآية: أي يهلككم، وأمَّا قتادة فقال فيها: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ}،[٤] أي يستأصلكم بعذاب، وكذلك قال قتادة بما يشبه ذلك الكلام: فيستأصلكم بعذاب فيهلككم.[٥]
وأشار السعدي في تفسير هذه الآية الكريمة إلى أنَّه عندما اجتمع موسى -عليه السلام- مع السحرة الذين توافدوا من جميع البلدان بدعوة من فرعون عدو الله، وعظهم موسى وتوجَّه إليهم بدعوة صادقة إلى الإيمان بالله والتصديق بالحق الذي جاء من عنده، مقيمًا عليهم الحجة البالغة، وفي النهاية حذَّرهم من عاقبة تكذيب رسل الله تعالى والافتراء على الله وتكذيب معجزاته، فقال لهم: {وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}،[٦] ومعنى الآية أيّ لا تكونوا إلى جانب الباطل وتنصروا فرعون بما أعطاكم الله من براعة في السحر، وإياكم أن تفتروا على الله كذبًا وإلا سوف يستأصلكم بعذابٍ من لدنه وسوف يخيب افتراؤكم وسعيكم، وفي تلك اللحظة لن ينفعكم شيء لا الجاه ولا النصر عند فرعون ولن تسلموا من عذاب الله تعالى بعد افترائكم وتكذيبكم، ويقال أنَّ عدد السحرة كان بنحو 72 ساحرًا وكل واحدٍ منهم يحمل حبلًا وعصا وقيل كانوا أربعمئة ساحرًا، وقد انتهت تلك المحاورة والموعظة بإيمان السحرة واعترافهم بالله وبالحق الذي جاء به موسى عليه السلام، وكذلك وردَ في تفسير ابن كثير أنَّ تلك الآية تشير إلى السحرة في خطاب موسى لهم ومعناها: لا توهموا الناس بسحركم حتى يروا أشياء لا حقيقة لوجودها، وتوهموا الناس أنَّها أشياء مخلوقة، فتكونوا قد كذبتم على الله تعالى وعند ذلك سوف يهلككم بعذاب وعقوبة هلاكًا لا بقيَّة لكم من بعده، والله تعالى أعلم.[٧]
معاني المفردات في آية: فيسحتكم بعذاب
بعد أن المرور على شرح الآية الكريمة بالتفصيل والغوص في معانيها وتناول أقوال العلماء في تفسيرها، لا بدَّ من المرور على معاني مفردات الآية وكلماتها، فكل كلمة تحمل معانٍ كثيرة يجدر بالذكر العروج عليها، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج معاني المفردات في آية: فيسحتكم بعذاب:
- فيسحتكم: اختلف العلماء في أصل كلمة يسحتكم لأنَّ العرب لهم فيها لغتان، فبعضهم أرجعها إلى كلمة سحتَ وبعضهم أرجعها إلى كلمة أسحت، وسحت أكثر استخدامًا من أسحت، وكلاهما بنفس المعنى،[٨] فإما أن تكون الكلمة من سحتَ يسحَت سَحتًا، والفاعل منه ساحت، والمفعول مسحوت، فمعنى سحتَ الشيء: أهلكه واستأصله، وسحتَ رأسه: استأصله حلقًا، ومعنى سحَت البركة: أذهبها، وأمَّا إذا كانت أصلها من كلمة أسحت يسحت إسحاتًا، يكون الفاعل مسحِت والمفعول مسحَت، ويكون معنى الكلمة قريبًا من المعنى السابق، فأسحتَ الشيءَ: استأصله وأهلكه، وعام أسحتٌ ليس فيه مرعى، وعلى ذلك يكون معنى فيسحتكم: يهلككم ويستأصلكم.[٩]
- بعذاب: العذاب في اللغة النكال والعقاب، وهو الألم الشديد أو كلُّ ما يشقُّ على النفوس ويؤلمها ويتعبُها تعبًا شديدًا، والعذابان عذاب حهنَّم وعذاب القبر، وجاء في قوله تعالى: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}،[١٠] وهو المشقة الشديدة والألم المُضني، ويأتي أيضًا بمعنى الهلاك، ومن هنا جاءت في قوله تعالى: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}،[١١] أي بهلاك.[١٢]
إعراب آية: فيسحتكم بعذاب
يجب أن يكونَ المسلم حذرًا عند دراسة القرآن الكريم وآياته، فتفسير الآيات وإعرابها من العلوم التي تحتاج إلى باحثين وعلماء متخصصين حتى لا يقع خلطٌ أو خطأٌ في تفسير وإعراب كلام الله تعالى، وفيما يأتي إعراب آية: فيسحتكم بعذاب، إعرابَ مفرداتٍ وجُمَل:[١٣]
- فيسحتكم: الفاء: فاء السببية، يسحتَكم: فعل مضارع منصوب بأنَّ المضمرة بعد فاء السببية وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والكاف: ضمير متصل في محلِّ نصب مفعول به، والميم للدلالة على الجمع، وجملة "يسحتكم" جملة صلة الموصول الحرفي إنْ لا محال لها من الإعراب.
- بعذابٍ: الباء: حرف جر، عذابٍ: اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلِّقان بالفعل يسحتكم.
الثمرات المستفادة من آية: فيسحتكم بعذاب
إنَّ قصَّة موسى -عليه السلام- مع فرعون من القصص التي تنطوي على عبَرٍ وعِظات عظيمة، ولذلك وردَ ذكرها كثيرًا في كتاب الله تعالى، وكانت القصة تمثِّل صراعًا أزليًّا بين الحقِّ الذي يجسِّده موسى -عليه السلام- والباطل الذي يجسده فرعون عدوُّ الله، وأيَّده الله تعالى بالمعجزات العظيمة التي أذهلت فرعون وقومه عندما ألقى عصاه فتحولت إلى ثعبان عظيم، وعندما أدخل يده في جيبه وأخرجها وقد صار لونها أبيض بعد أن كانت سمراء، عند ذلك جمع فرعون السحرة من كلِّ الأمصار ليتغلبوا على موسى -عليه السلام- وقد ظنُّوا أنَّه أتى بسحرٍ عظيم، وعندما اجتمع السحرةُ وألقوا حبالهم حتى يخدعوا الناس توجَّه إليهم موسى بالآية السابقة قائلًا: {قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ}،[١٤] وكان قد حذَّرهم موسى بأنَّه قد جاءهم بالحقِّ من عند الله، معلنًا عن ربوبية الله ووحدانيته، وفي ذلك هدمٌ لملك فرعون، ولهذا كذَّب واستكبر وأعرض عن الحق، ودعا السحرة ليتحدَّى الحق بطغيانه وكفره،[١٥] وفيما يأتي سيتمُّ إدراج الثمرات المستفادة من آية: فيسحتكم بعذاب:[١٦]
- إنَّ أفضل طريق يسلكه الداعية في الدعوة إلى الله تعالى هو الجدال والحوار والموعظة الحسنة، وفي قصة موسى -عليه السلام- دليل على ذلك، فحواره مع السحرة أدَّى في النهاية إلى إيمانهم وتصديقهم بما جاءهم به من الحق، ويقول تعالى في كتابه العزيز: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.[١٧]
- من الثمرات المستفادة من قصة موسى مع سحرة فرعون أيضًا أنَّ على الداعية إلى الله أن يصبر في طريق الدعوة الذي تحيطُ به صعوبات ومشقات كثيرة، ويجب أن لا تضعف عزيمته معتمدًا على الله لأنَّ الله سينصره لا محالة.
- الثقة المطلقة بالله تعالى، فقد كانت ثقةُ موسى بالله أنَّه أخبرهم عمَّا سيحلُّ بهم إن كذبوا، وكأنَّ ذلك واقعٌ لا محالة.
- إنَّ الكذب على الله تعالى والافتراء عليه من الذنوب العظيمة التي تؤدي إلى هلاك صاحبها، وقد توعد الله صاحبها بهلاك مبينٍ يستأصله وكأنَّه لم يكن له وجود.
- الحقُّ دائمًا هو الطرف المنتصر في النهاية والباطل هو الطرف الخاسر، حتَّى وإن ظهر أحيانًا أنَّ الباطل انتصرَ مرةً أو مرتين، فإنَّ الحقَّ يعلو ولا يُعلى عليه.
المراجع
- ↑ سورة طه، آية:1-3
- ↑ "سورة طه"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:57-64
- ↑ سورة طه، آية:61
- ↑ "تفسير القرطبي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03.
- ↑ سورة طه، آية:61
- ↑ "قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍۢ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى فيسحتكم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ سورة الجن، آية:17
- ↑ سورة طه، آية:61
- ↑ "تعريف و معنى عذاب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "الموسوعة الشاملة"، islamport.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:61
- ↑ "قصة موسى وفرعون والسحرة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍۢ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية:125