محتويات
سورة المؤمنون
سورة المؤمنون إحدى سور القرآن الكريم المكية التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة قبل الهجرة المباركة إلى المدينة المنورة، وسبب تسمية السورة بهذا الاسم لمطلعها الذي تناول الحديث عن أحوال المؤمنين وصفاتهم، وهم الذين يستحقون الفلاح والنجاة في دنياهم وأخراهم، حيث قال تعالى في بداية السورة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}،[١] نزلت بعد سورة الحج وقبل سورة النور، تقع السورة في الجزء الثامن عشر، ورقمها من حيثُ الترتيب في المصحف 23 وعدد آياتها 118 آية كريمة، وتتناول السورة بوجه عام الحديث عن أصول الدين فيما يتعلق بالرسالة والبعث والتوحيد وغير ذلك من المواضيع، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا، بالشرح التفصيلي.[٢]
معنى آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا، بالشرح التفصيلي
قبل الحديث عن معنى آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا، لا بدَّ من الإشارة إلى بعض التفاصيل والمعلومات التي تتعلق بالآية، فقد وردت هذه الآية في سورة المؤمنون، وهي الآية رقم 106 من السورة، حيث قال تعالى في السورة الكريمة: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ* رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ* قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}،[٣] وقد اختلف القراء في قراءة هذه الآية على أكثر من وجه، حيثُ قرأها معظم أهل الكوفة: شَقاوتنا، بفتح حرف الشين وبالألف، وقرأها معظم أهل البصرة والمدينة والبعض من أهل الكوفة: شِقوتنا، بكسر الشين ومن دون ألف، والصحيح أنَّ القراءتين صحيحتان وقد قرأ مشاهير القراء بالقراءتين، وللقراءتين نفس المعنى، لذلك لا حرجَ على المسلم في أن يقرأ بأي منهما، وبأي آيةٍ قرأ فهو مُصيب، وفي الإشارة إلى تأويل معنى الآية يجدر بالذكر أنَّها تدلُّ على اعتراف الأشقياء من أهل النار بأنَّ ما وقعوا فيه من شقاء قد غلبَ عليهم بما سبقَ من علم الله وبما خطَّه تعالى في أمِّ الكتاب لهم وكتبه عليهم، وورد عن مجاهد -رحمه الله- قوله في هذا الآية: {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا}،[٤] أي التي كُتِبَت علينا، ووردَ عن ابن جريج في ذلك قوله: "بلغَنا أنَّ أهل النار نادوا خَزَنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ}،[٥] فلم يجيبوهم ما شاء الله، فلما أجابوهم بعد حين قالوا: {فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ}،[٦] قال: ثم نادوا مالكًا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}،[٧] فسكت عنهم مالك خازن جهنم أربعين سنة ثمَّ أجابهم، فقال: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}،[٨] ثمَّ نادى الأشقياءُ ربَّهم، فقالوا: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ* رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}،[٩] فسكت عنهم مثل مقدار الدنيا، ثمَّ أجابهم بعد ذلك تبارك وتعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}،[١٠] ونحو ذلك وردَ عن أبي بكر بن عبد الله ومحمد بن كعب وغيرهم.[١١]
وقد فسر بعضُ المفسرين الآية بأنَّها عاقبة السوء التي علمَ الله تعالى أنَّها ستكون من نصيب أولئك الأشقياء وأنَّهم يستحقونها بسبب أعمالهم السيئة، ونُسب هذا القول للجمهور من المعتزلة، وأمَّا الأشاعرة فقد وردَ عنهم قولهم: أنَّ المراد بذلك ما كتبه تعالى عليهم منذ الأزل بسبب كفرهم ومعاصيهم، والآية اعتراف صريح من أشقياء أهل النار -والعياذ بالله- بالحجة التي أقامها الله تعالى عليهم، وكأنهم أرداوا قول: ربَّنا غلبَ علينا أمر مصدره ذواتنا وكنَّا نحن لهذا السبب قومًا ضالين عن سبيل الحقَّ ومكذبين بآيات الله تعالى، وبمعنى آخر: غلبَ علينا ما كتبتُه علينا من الشقاء لأننا كنَّا في علمكَ قومًا ضالين، فقد غلبَ ما علمته وكتبته -سبحانك- علينا وكان سببًا في ضلالِنا وهلاكنا، فما صدرَ عنهم من تكذيب غلبَ عليهم فكتبهُ الله لعلمه به وقد علم تعالى ما في أنفسهم من سوءِ استعدادٍ سيؤدي بالضرورة إلى سوء الاختيار، وعلْمُ الله تعالى بما تحقق في وقته كان تابعًا للشيء المعلوم، وهذا ما أكده اعترافهم في قوله تعالى نيابةً عنهم.[١٢]
معاني المفردات في آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا
بعد شرح معنى آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا، بشكل تفصيلي سيُشار إلى معاني كلمات الآية الكريمة لغةً، حيثُ تحملُ كل كلمة من كلمات الآية معنى يميٍّزها عن غيرها من الكلمات وقد يكون مختلفًا عن المعنى الذي تشكله الكلمة مع غيرها من الكلمات مجتمعة، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج معاني كلمات الآية لغةً مع شرح كلٍّ منها على حدة:
- قالوا: من قال ويقول وقُل، قولًا وقيلًا وقالًا وقالةً، واسم الفاعل قائل، والمفعول مقول، وتشير الكلمة إلى التَّلفُّظ والتكلم، وقالوا تحمل معنى تلكموا وتلفظوا وخاطبوا.[١٣]
- ربنا: الربُّ هو الله تعالى وحده، فهو ربُّ كل شيء على الإطلاق أي مالكه، ولله الربوبيَّة الكاملة على الخلائق جميعها، وهو ربُّ جميع الأرباب دون منازع، ليس له شريك، مالك الأملاك والملوك كلِّهم، ولا تقال كلمة الربِّ إلا في حقِّ الله تعالى، ويجوز أن تأتي مضافةً لكلمة أخرى في غير الله مثل: ربُّ البيت أو ربُّ العمل، وربنا أي مالكنا وسيِّدنا وإلهنا.[١٤]
- غلبت: من غلبَ يغلبُ غلْبًا وغلبةً، والفاعل غالب والمفعول مغلوب، وغلبت بمعنى قهرت وهزمت وتمكَّنت من، أي تمكنت منَّا وقهرتنا شقوتنا.[١٥]
- شقوتنا: من الشقاء والشقاوة ومعناها لغةً ضدَّ كلمة السعادة، ومنها شقيٌّ يشقى شقاءً وشَقوة وشِقوة، وهي بمعنى البؤس والتعاسة والعسر.[١٦]
إعراب آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا
يعدُّ القرآن الكريم منطلقَ القواعد النحوية وأساسًا قامت عليه اللغة العربية، فالقواعد هي التي استندت إلى كتاب الله وليس العكس، فقد كان كتاب الله وما يزال معجزةَ اللغة العربية الباقية إلى قيام الساعة، وسيمُّ إعراب آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا، مفردات وجملٍ فيما يأتي:[١٧]
- قالوا: فعل ماضٍ مبني على الضمِّ، والواو ضمير متَّصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، وجملة "قالوا" استئنافية لا محلَّ لها من الإعراب.
- ربَّنا: منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة، و"نا" ضمير متصل في محل جرٍّ بالإضافة، وجملة "ربَّنا" اعتراضية للاسترحام لا محل لها من الإعراب.
- غلبت: فعل ماض مبني على الفتحة لاتصاله بالتاء، والتاء في محل رفع فاعل، وجملة "غلبت علينا شقوتنا" جملة مقول القول في محل نصب.
- علينا: جار ومجرور متعلقان بالفعل غلبت.
- شقوتنا: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، و"نا" ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
الثمرات المستفادة من آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا
في نهاية مقال حول معنى آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا، وبعد المرور على شرح الآية ومعاني كلماتها لغةً وإعراب مفرداتها، يجدر بالذكر إدراج الثمرات المستفادة من الآية، فكل آية في كتاب الله تعالى تحملُ كنوزًا عظيمةً وجليلة، فإنَّ تدبُّر آيات كتاب الله يضاعف ثمرةَ قراءة القرآن، حيثُ يتعمَّق إيمان المسلم ويزداد رسوخُ جذور الإيمان في قلبه، وفيها رسائل من الله تعالى لعباده المسلمين وتوجيهات حتى يكونوا من السعداء الدنيا والآخرة، فعندما يتوعد الله تعالى الكافرين بالعذاب والهلاك يكون ذلك تحذيرًا منه لعباده على خطورة الطريق التي يسلكونها، والمؤمن الكيِّسُ الفطن من يدينُ نفسه ويلومها ويجتهد في عمله وعبادته لما بعد الموت، وأمّا الإنسان العاجز فهو الذي يتَّبعُ أهواءه ولا يلقي بالًا لطاعة الله ويتمنَّى الأماني على الله تعالى، وفيما يأتي أهم الثمرات المستفادة من آية: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا:[١٨]
- في الآية الكريمة السابقة إشارة إلى أنَّ الاعتراف هو أقوى الأدلة وأكثرها وضوحًا وحجةً على المذنب، وخصوصًا في ساعات الندم والخسارة أمام الله تعالى يوم لا ينفع الندم ولا الاعتذار.
- ذمُّ الشهوات والملذات من قبل الله تعالى إذ أطلق عليها اسم شقوة، لأنَّ الشهوات هي التي ستؤدي إلى الشقاء والهلاك في النهاية.
- وفي الآية توجيهٌ من الله تعالى إلى عدم إيثار وتقديم الشهوات على طاعته تعالى، فإنَّ من آثرَ الشهوة والمعصية على طاعة الله سيكون مصيره كأولئك الأشقياء في نار جهنم.
- الإنسان مخيَّر في حياته الدنيا، ويجب عليه أن لا يختار طريق الشهوات والملذَّات، ولذلك عبَّر الأشقياء عن ذلك بقولهم: غلبت علينا شقوتنا، لأنَّهم كانوا مخيرين واختاروا الضلال والعصيان على الهدى والطاعة.
- إنَّ الشهوة والضلال تغلبُ على كلِّ من لم يتحرَّى في حياته البحث عن الحق، حتى وإن كان الحقُّ ظاهرًا جليًّا، إلا أنَّ أولئك يتغاضون عن الحق ولا يعبأون به.
- إنَّ علم الله تعالى يسبق فعل المجرمين الأشقياء، فقد علمَ تعالى أنّهم سيقعون في الضلال قبل أن يقعوا فيه بسابق علمه.
المراجع
- ↑ سورة المؤمنون، آية:1
- ↑ "سورة المؤمنون"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية:106-108
- ↑ سورة المؤمنون، آية:106
- ↑ سورة غافر، آية:49
- ↑ سورة غافر، آية:50
- ↑ سورة الزخرف، آية:77
- ↑ سورة الزخرف، آية:77
- ↑ سورة المؤمنون، آية:106-107
- ↑ سورة المؤمنون، آية:108
- ↑ "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "تفسير قوله تعالى قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى قال في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى ربنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى غلبت في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى شقوتنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ "قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.