محتويات
سورة الأنبياء
واحدةٌ من السُّور التي نزلت في مكة المُكرمة؛ لذلك فهي سورةٌ مكيَّة، ترتيبها بين سور القرآن الكريم هو الـ21 وتقع في الجزء السَّابع عشر، وسُمِّيت بسورة الأنبياء؛ بسبب ذكر معظم الأنبياء والمُرسلين -عليهم السلام- فيها، وقد ورد في فضلها أنَّ رجلًا من الأعراب نزل عند عامر فأكرمه عامر وأحسن إليه، فقال له: إنِّي سأقتطع لك واديًا حسنًا من عندي، فقال له عامر: لا حاجة لي بواديك فقد نزلت علينا اليوم سورةٌ أذهلتنا عن الحياة الدُّنيا بما فيها، وقد ابتدأت السُّور بفعل ماض قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ}،[١] ومن بين آياتها التي لا بدَّ من الوقوف معها وقفةً تفصيليَّةً قوله تعالى: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ}،[٢] وهي واحدةٌ من الآيات الجليلة التي لا بدَّ من تفسيرها وشرحها شرحًا تفصيليًّا يستعين به المُسلم على فهمها واستقاء الثمرات منها، وفيما يأتي سيتم الحديث عن جميع ذلك بالتفصيل.[٣]
معنى آية: قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن، بالشرح التفصيلي
إنَّ دأب الكافرين والمُشركين هو تكذيب أنبيائهم والإعراض عنهم والإعراض عن كلِّ أمرٍ من أوامر الله، فهم قد غاصوا في الضلالة وعموا بها حتى تشرَّبتها قلوبهم ونفوسهم وأصبحوا كالأنعام بل هم أضل سبيلًا، ودائمًا ما تكون رحمة الله هي أسبق من عذابه وكرمه وعفوه أسبق من عقابه، ومن بين الآيات التي اختصَّت بالحديث عن موضعٍ من مواضع رحمة الله بالكافرين قوله تعالى في سورة الأنبياء: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ}،[٤] والخطاب الإلهي هنا لرسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول له الله -تعالى- يا محمد أخبر قومك متعجلي العذاب الأليم والعقاب الوخيم من الذي يحرسكم في الليل إذا آويتم إلى فرشكم، ومن الذي يعصمكم من عذابه إذا تصرَّفتم في أموركم في النهار، أي من هو الذي يستطيع أن يعصمكم من أمر الرحمن إن هو أراد أخذكم، وفي الآية لم تُذكر كلمة أمر قبل كلمة الرحمن وإنما اقتُصر على كلمة الرحمن؛ لأنَّ السَّامع يُدرك كلمة أمر حتى لو أنَّها لم تُذكر.[٥]
وقد روي في ذلك الخبر عن الصَّحابيِّ الجليل عبد الله بن عباس أنَّ معنى يكلؤكم في قوله تعالى: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ}، أي من يحرسكم ويحميكم، وأمَّا ما روي عن قتادة في ذلك أنَّ معنى الآية من هو الذي يحفظكم من أمر الرحمن، والكلأ هنا بمعنى الحفظ والحراسة والحماية، وقد وردت كلمة يكلأ في شعر القدماء عندما قال ابن هرمة في شعرٍ له:[٥]
إنَّ سُـــلَيْمَى واللــهُ يَكْلَؤُهــا
ضَنَّـتْ بِشَـيْءٍ مـا كـانَ يَرْزَؤُهـا
ومنها ما قد يدعو الرَّجل لأخيه فيقول له: امض في كلاءة الله أي في حفظه ورعايته وحراسته، وقد ذهب بعض علماء أهل اللغة إلى تخفيف الهمزة من قراءة كلمة يكلؤكم فتُصبح بذلك يكلاكم، وذلك مما أُنكر عليهم -حسب ما ذهب إليه النَّحاس- فالأصل فيها ما كان على ألسنة العامة أي يكلؤكم بهمزتها إذ إنَّ تخفيفها لا يكون إلا في الشعر، والماضي من يكلاكم كليته أي أوجعه وآلمه في كليته، وأمَّا الأصل في الاستفهام في الآية الكريمة {من يكلؤكم}، فهو ليس استفهامًا يُراد به الإجابة عن سؤال بل هو استفهام خرج إلى النفي أي لا عاصم لكم من أمر الله في ليلكم أو نهاركم إن هو أراد بكم سوءًا أو عذابًا.[٦]
وأمَّا في تأويل كلمة {مِنَ}، حسب اجتهاد العلماء والمفسرين فقد ذهبوا إلى قولين، أمَّا القول الأوَّل وهو الذي اختصَّ فيه ابن كثير أن من هنا بمعنى بدل أي من الذي يكلؤكم بالليل والنهار بدل الرحمن، واستدلَّ على ذلك بآيةٍ أخرى من آيات سورة التوبة: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ}،[٧] أي بدل الآخرة، وأمَّا القول الآخر فإنَّ {مِنَ}، هنا جاءت بمعناها الحقيقي أي من هو الذي يحرسكم أو يقوم بحفظكم من عذابه وعقابه، وقد زعم أبو حيَّان أنَّ الاستفهام في هذه الآية قد خرج من معناه الحقيقي إلى التأنيب والتقريع والتعنيف، وأمَّا آخرون من السَّلف فقد حملوا ذلك الاستفهام على وجه الإنكار وكأنَّ الله -سبحانه- يقول لهم لا حافظ لكم ولا كالئ ولا حارس يحميكم من عقاب الله العظيم، وبذلك فإنَّه لا مانع من أمر الله ولا حافظ من عذابه إلَّاه سبحانه، وبذلك يكون قد تبيَّن معنى قوله تعالى قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بشكلٍ تفصيليٍّ حسب ما ذهب إليه أهل العلم والتفسير، والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[٨]
معاني المفردات في آية: قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن
هل لمفردات هذه الآية معاني؟ إنَّ الباحث في معاني القرآن وتفسير آياته لا بدَّ له من وقفةٍ مع تفسير الكلمات وشرح معانيها بحسب معاجم اللغة العربية، إذ إنَّ القرآن قد نزل باللغة العربية فالأولى معرفة وبيان وإيضاح كلماته بالاستناد إلى هذه اللغة، وستقف هذه الفقرة للتفصيل في تلك المعاني وبيان شرح مفرداتها حسب معجم المعاني في اللغة العربية:
- يكلؤكم: الكلأ بمعنى الحفظ، فيُقال من يكلؤكم أي من يحفظكم، وكلأ الله فلانًا أي حفظه ورعاه، وأمَّا إذا قيل كلأ المرء نظره في حاجة ما في أي رددَّ النظر في تلك الحاجة.[٩]
- الليل: هو الظلام الذي يأتي بعد النَّهار، ويكون من مغيب شمس اليوم حتَّى طلوعها، فيقال سهرت آناءً من الليل أي ساعات من الليل، والليل البهيم هو الليل شديد الظلام والسواد.[١٠]
- النهار: وهو ضدُّ الليل وعكسه، فيكون ما بين طلوع الشمس إلى مغيبها، ووجه النهار هو الصباح وأوَّل النَّهار، وأمَّا طرفا النهار فهما أول النهار وآخره.[١١]
- الرحمن: هو واحدٌ من أسماء الله -تعالى- الحسنى، وهو الذي يُشير إلى مطلق الرحمة فلا رحمة أوسع من رحمته، المُتفضِّل على عباده بألوان النعم ما ظهر منها وما بطن.[١٢]
إعراب آية: قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن
بعد أن تمَّ الوقوف على معنى آية قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن حسب اصطلاح أهل التأويل والتفسير، ومن ثم التطرُّق إلى معاني مفرداتها واحدة تلو الأخرى، لا بدَّ من النَّظر في إعرابها فهو الفيصل في الفهم وبه يستطيع المرء تمييز المعاني التي ترمي إليها الآيات بشكل واضحٍ وبيِّن، وفيما يأتي سيكون ذلك:[١٣]
- قل: فعل أمر مبني على السكون الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.
- جملة {قل}: استئنافيَّة لا محل لها من الإعراب.
- من: اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع مبتدأ.
- يكلؤكم: فعل مضارع مرفوع بالضمة، والكاف ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والميم للجماعة، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنتم.
- جملة {يكلؤكم}: في محل رفع خبر للمبتدأ مَن.
- جملة {من يكلؤكم}: جملة مقول القول في محل نصب مفعول به.
- بالليل: الباء حرف جر، الليل: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره متعلقان بالفعل يكلؤكم.
- و: حرف عطف.
- النهار: اسم معطوف على الليل مجرورة مثلها بالكسرة.
- من: حرف جر.
- الرحمن: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بالفعل يكلؤكم.
الثمرات المستفادة من آية: قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن
ماذا يُستفاد من هذه الآية؟ لقد أنزل الله -سبحانه- آياته حتى يتدبَّرها المؤمن فيكون على اطلاعٍ ببعضٍ من خفايا االكون وينير بصيرته في التفكر في آلاء الله ونعمه على عبيده، فالتَّفكر هو عبادة من أعظم العبادات التي تجعل القلب متعلقًا به سبحانه، لا يطمح إلا لرضاه؛ إذ إنَّه على وعدٍ منه سبحانه بجنة عرضها السماوات والأرض، وستتحدث هذه الفقرة عن الثمرات المستقاة من قوله تعالى قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن، وفيما يأتي سيكون ذلك:
- إنَّ بعض الأسئلة في الحياة لا تحتاج إلى إجابات؛ إذ إنَّ إجاباتها أوضح من الشمس في كبد السماء، فكلّ مخلوق على هذه الأرض يعلم ألَّا مانع من عذاب الله إن هو نزل على عبدٍ من عبيده، سواء اعترف بذلك أم منعه كبره وجحوده من الاعتراف بهذه الحقيقة.[١٤]
- لقد جُبلت النُّفوس على حب من يحسن لها وكره من يسيء إليها، والله هو المُحسن الأوَّل لعباده فهو حافظهم ورازقهم ومُدبِّر شؤونهم، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، والتفكير في نعمه يُعلِّق قلب المؤمن به ويزيد من محبته في النفوس.[١٥]
- لقد قدَّم الله ذكر الليل على النهار في قوله من يكلؤكم بالليل والنهار؛ لأنَّ الليل هو محل المصائب والمصاعب وغالبًا ما تنزل به الملمَّات، وفي ذلك يكون تمام الحديث عن معنى شرح الآية وتفصيلها بالاستناد إلى التفسير والماجم والإعراب، والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[١٦]
المراجع
- ↑ سورة الأنبياء، آية:1
- ↑ سورة الأنبياء، آية:42
- ↑ "سورة الأنبياء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:42
- ^ أ ب "القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأنبياء - الآية 42"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الأنبياء - الآية 42"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية:38
- ↑ " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن سورة الأنبياء قوله تعالى قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى يكلأ في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى بالليل في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى النهار في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الرحمن في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ (الأنبياء - 42)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ؟"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "من أجل بواعث محبة الله النظر في نعمه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "سورة الأنبياء - تفسير ابن عجيبة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.