معنى آية قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، بالشرح التفصيلي

سورة الأنبياء

هي واحدةٌ من السُّور المكيَّة وعدد الآيات التي تبلغها السُّورة هي 112 آية، وأمَّا رقمها بين سور القرآن الكريم فهو 21 وقد نزلت بعد سورة إبراهيم وأمَّا سبب تسميتها بسورة الأنبياء؛ فبسبب ذكر معظم الأنبياء والمُرسَلين فيها، وقد ورد من آياياتها قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}،[١] فشقَّت على قريش كثيرًا أنَّه يشتم آلهتهم، فسأل الزبعري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل اختصَّت تلك الآية بآلهتهم أم جميع ما يُعبد من دون الله، فأجاب النبي بأنَّها لكلِّ ما عُبد من دون الله، فقالوا: وهؤلاء بنو مليح يعبدون الملائكة والنَّصارى يعبدون عيسى بن مريم واليهود يعبدون عزيرًا، فأنزل سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}،[٢] ومن بين آيات تلك السور العظيمة قوله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ}،[٣]وسيقف هذا المقال للتفصيل في شرح الآية وتفسيرها وإعرابها وبيان معانيها.[٤]

معنى آية: قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، بالشرح التفصيلي

إنَّ دأب الكافرين المتجبِّرين هو تكذيب الأنبياء حتى إذا أُقيمت عليهم الحجة غضبوا وعزموا على إيذاء أنبيائهم بالقول أو الفعل، وهو ما حدَث مع نبيِّ الله إبراهيم -عليه السلام- عندما أقام الحجة على الكافرين بتحطيم أصنامهم وإسناد الفعل إلى كبيرهم، وهم يعلمون حقًّا في نفوسهم أنَّ الأصنام لا تتحرك ولا تستطيع حتى إيذاء نفسها فضلًا عن غيرها، فعزموا على حرقه بنارٍ عظيمة ولكنَّ المؤمن الذي يعرف الله حقَّ المعرفة سيكون واثقًا أنه لا بدَّ لله أن يُنجيه من مكائد أهل الأرض وذلك ما حدَث مع إبراهيم إذ قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ}،[٥] وقد ورد في ذلك أنَّهم لما أرادوا إحراقه بنوا له بنيانًا عظيمًا وصرحًا كبيرًا فأوقدوا فيه النَّار وقد روي في ذلك عن السَّعدي أنَّهم حبسوا إبراهيم -عليه السلام- في بيتٍ من البيوت فكانوا يجمعون الحطب لإحراقه؛ تقربًا من آلهلتهم، حتى أنَّ المرأة إذا اعتراها مرضٌ تقول لئن عافاني ربي لأجمعنَّ الحطب لإبراهيم.[٦]

وعظَّم القوم النَّار لإبراهيم وأكثروا من جمع الحطب لإحراقه حتَّى أنَّ الطير إذا مرَّ من فوقها ليحترق من شدَّة وهجها، حتَّى أنَّ الأرض والسماء والجبال والملائكة استغاثت بالله فقالوا: يارب إنَّ إبراهيم يُحرق فيك، فقال -تبارك في علاه- أنا أعلم فيه، ولئن استغاث بكم فأغيثوه، فما كان دُعاء إبراهيم إلا لربِّه ولم يَستغث إلا به فقال: "اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل،" ولما رموه في النَّار نادى جبريل -عليه السلام- يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم.[٦]

وقد ورد في الخبر عن ابن عبَّاس -رضي الله عنه- أنَّه لما أُتبعت كلمة سلامًا بكلمة بردًا كانت النَّار غير مؤذية لإبراهيم ولولا ذاك لمات من شدَّة من بردها ولو لم يقل على إبراهيم لبقيت النَّار باردة كذلك أبدًا، وورد في الأثر أنه في ذلك اليوم أُطفئت كلُّ نارٍ على وجه الأرض فلم ينتفع بها أيُّ أحد من النَّاس، وقد ورد أنَّه إبراهيم بقي في موضع النَّار سبعة أيَّام فيقول في ذلك الخليل -عليه السلام- لقد كانت أيَّامي في النَّار هي أنعم الأيام التي قضيتها في حياتي، وروي في ذلك أنَّ الله -سبحانه- أرسل إلى إبراهيم الظِّل وقد جعله بصورته فإذا هو معه يُؤنسه من وحشته وبعث -سبحانه- مع جبريل قميصًا من الجنَّة وطنفسة، فلبس إبراهيم القميص وجلس على الجنَّة فرآه النمرود فتعجَّب من قدرة رب إبراهيم فقال له: أتستطيع أن تخرج منها قال: نعم، فلمَّا خرج إبراهيم قال النمرود: لأذبحنَّ أربعة آلاف بقرة قربانًا إلى ربِّك، فقال له إبراهيم: إذًا لا يُقبل منك إلا أن تُؤمن به، وذبح النّمرود البقرات وكفَّ عن أذية إبراهيم.[٧]

وقد روي أنَّ إراهيم لمَّا أُلقي في النَّار كان يبلغ من عمره ستة عشر سنة، ولما رآه أبوه سليمًا غير متضررٍ من النَّار تعجب قائلًا: نعم الرَّب ربك يا إبراهيم، وروي عن أهل السَّلف أنَّ النَّار لم تحرق من إبراهيم إلا وثاقه الذي أوثقوه به، ومن تسليم إبراهيم لربِّه أنَّهم لمَّا أرادوا إحراقه جاءه جبريل فقال له: ألك من حاجة فقال له الخليل: أمَّا منك فلا، فكانت النَّار بردًا وسلامًا عليه، وسلامها ألَّا يُؤذيه بردها، ولو أذاه لكان أشدَّ عليه من الحر، وقد ورد أنَّه في ذلك اليوم لم تأت دابة إلا أطفأت النار إلا الوزغ، وقد أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- بقتله.[٦]

معاني المفرادات في آية: قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم

بعد أنَّ تمَّ الوقوف مع الآية الكريمة بما أفاده أهل التَّفسير والتأويل، لا بدَّ من أن يُؤتى عليها مع علماء أهل اللغة؛ للتفصيل في شرح مفرداتها، خاصَّةً أنَّ بعض الكلمات القرآنية لا بدَّ من معرفة أصلها في المعاجم العربيَّة؛ حتى تتبيَّن معانيها وتكون في الذهن أوضح:

  • نار: اسم والجمع منها نيران أو أَنوُر، وهي واحدةٌ من العناصر الطَّبيعيَّة فيُقال عن عن الحرارة العالية المحرقة نارًا، ويُقال عن اللهب المُحرق أيضًا نارًا.[٨]
  • بردًا: البرودة هي هبوط الحرارة و هي ضدُّها وعكسها، ويُقال أنف لبرد أي أوَّل البرد أو طرفه.[٩]
  • سلامًا: السَّلام هو الأمان والطَّمأنينة وهو واحدٌ من أسماء الله -تعالى- وأمَّا دار السَّلان فهي الجنة.[١٠]

إعراب آية: قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم

مما تمتاز به اللغة العربية ظاهرة الإعراب التي تجعل من الفهم أدق ومن المعنى أوضح وأبين، وبعد أن تمَّ الوقوف مع قوله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ}، من ناحية التَّفسير والتأويل واللغة، لا بدَّ من الوقوف معها من ناحية الإعراب، وفيما يأتي سيكون ذلك:[١١]

  • قلنا: فعل ماض مبني على السكون، والنا ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • جملة {قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}: استئنافية لا محل لها من الإعراب.
  • جملة {كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}: في محل نصب مقول القول.
  • يا: أداة نداء.
  • نار: منادى نكرة مقصود مبني على الضم في محل نصب.
  • كوني: فعل أمر مبني على حذف النون، والياء ضمير متصل مبني في محل رفع اسم "كن".
  • بردًا: خبر كوني منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • جملة {كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}: جواب النداء لا محلَّ لها من الإعراب.
  • و: حرف عطف.
  • سلامًا: اسم معطوف على بردًا منصوب مثله بالفتحة.
  • على: حرف جر.
  • إبراهيم: اسم مجرور وعلامة جره الفتحة نياية عن الكسرة؛ لأنَّه ممنوعٌ من الصرف، والجار والمجرور متعلقان بـ سلامًا.

الثمرات المستفادة من آية: قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم

لا بدَّ لكلِّ متبصِّرٍ متفكرٍ في آيات الله ومعانيها وآلاء الله وملكوته أن يكون على قدرةٍ عاليةٍ في استنباط ثمرات من كلامه سبحانه، خاصَّةً وأنَّ قصص الأنبياء وما جرى معهم هي عبرٌ وعظات وتربيةٌ أخلاقية للمؤمن؛ حتى يكون على ثقةٍ بما يدبره الله له في ملكوته، ولا بدَّ أنَّ الله متكفلٌ بعباده الصَّالحين يُنجيهم من المهالك كما هو ينجي أنبياءه من القوم الكافرين، ومن بين الآيات التي تحمل ثمرات عديدة وتسلية عظيمة للمؤمن قوله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ}، وسيتمُّ التَّفصيل في ذلك فيما يأتي:[٧]

  • إنَّ المؤمن الحق هو من يعلم تمام العلم أنَّ هذا الكون قد خلقه الله وسخَّره لخدمته، فهو المُستفيد الأوَّل منه من الناحية المادية والجماليَّة وعلاقته معه هي علاقة انسجام وتناغم لا علاقة عداء أو تنافر، وكما سُخِّرت الريح لسليمان تأتمر بأمره وسُخِّرت الجبال لداود سخَّر الله النَّار لإبراهيم فلم تُؤذه ولم تحرقه بل كانت بردًا وسلامًا عليه بأمرٍ من العزيز الحكيم.
  • إنَّ دأب الجبابرة أن يُعرضوا عن كلام الله حتى إذا أُقيمت الحجة عليهم وبُهتوا أخذتهم العزة بالإثم وبدؤوا بالتَّهديد والوعيد ومحاولتهم إيذاء الرُّسل والأنبياء، لكنَّ المُؤمن الحقَّ يعلم أنَّ الله لا بدَّ أن ينصره ولا بدَّ أنَّه مظهر لدينه ولو كره الكافرون، فالنَّار حارقة وذلك بالقوانين الدنيويَّة إلا أنَّها الآن لن تحرق بأمرٍ منه سبحانه، فلو كان العبد متصلًا بربِّه متوكلًا عليه حقَّ التَّوكل لنجَّاه ولو كان في عمق الجحيم، وفي ذلك بيانٌ لأهم الثمرات في قوله تعالى يا نار كوني بردًا وبردًا وسلامًا على إبراهيم.

المراجع

  1. سورة الأنبياء، آية:98
  2. سورة الأنبياء، آية:101
  3. سورة الأنبياء، آية:69
  4. "سورة الأنبياء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-05. بتصرّف.
  5. سورة الأنبياء، آية:69
  6. ^ أ ب ت "القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأنبياء - الآية 69"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  7. ^ أ ب "تفسير: (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى نار في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى برد في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى السلام في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  11. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، 2020-06-05. بتصرّف.
2934 مشاهدة
للأعلى للسفل
×