معنى آية لا تتخذوا بطانة من دونكم، بالشرح التفصيلي

سورة آل عمران

واحدة من السور المدنية في القرآن الكريم، إذ نزلَ القسم الأول منها أي من الآية رقم 1 وحتى الآية 83 في وفد نصارى نجران الذين قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخاصمونه في عيسى بن مريم -عليه السلام- في السنة التاسعة للهجرة، وقد كانت بعد سورة الأنفال نزولًا، وهي ثالث سورة في المصحف الشريف بعد سورة الفاتحة وسورة البقرة، وهي من السبع الطوال في القرآن وعدد آياتها 200 آية كريمة، وقد تناولت السورة غزوة أحد والأحداث التي رافقتها، ومثل كثير من السور بدأت السورة بحروف مقطعة، حيث يقول تعالى في مطلعها: {الم* اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ* نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ}،^[١] وقد سُمِّيت سورة آل عمران بسبب ورود قصة عائلة عمران وهو والد مريم العذراء أم عيسى -عليهما السلام- وهي أسرة فاضلة، كما تجلت فيها قدرة الله تعالى بولادة مريم وابنها عيسى بمعجزة من الله تعالى.^[٢]

معنى آية: لا تتخذوا بطانة من دونكم، بالشرح التفصيلي

قبل البدء بالحديث عن معنى آية: لا تتخذوا بطانة من دونكم، بالشرح التفصيلي، سيُشار إلى بعض التفاصيل عن الآية الكريمة، حيثُ وردت الآية في سورة آل عمران، وهي الآية رقم 118 منها، وقد وردت في سياق الحديث عن المؤمنين وكيف يجب أن يتعاملوا مع المنافقين والكافرين، حيثُ يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ* هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}،^[٣] حيثُ يشيرُ معنى الآية إلى زجر المسلمين عن الركون والتودُّد إلى أعداء الله تعالى من المشركين والكفار، وهو كلام متَّصل بما سبق من آيات، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}،^[٤] حيثُ نهى الله تعالى في هذه الآية عن اتِّخاذ الكفَّار واليهود أصدقاء ودخلاء وخلَّان، ونهى أيضًا أن يفاوضوهم في آرائهم، وأن يرجعوا إليهم في شؤونهم،^[٥] وفي تفسير البغوي وردَ أنَّ ابن عباس قال: كان بعض المسلمين يتواصلون مع اليهود بسبب القرابة والحِلف والصداقات والرضاع والجوار وغير ذلك، فأنزلَ الله تلك الآية لينهاهم عن مباطنة أولئك الكفار خشية الفتنة عليهم، وعن مجاهد أنَّها نزلت في بعض المؤمنين الذين كانوا يُصافون المنافقين وغيرهم من أهل الكفر والشرك ويتوددون لهم فنهاهم الله عن ذلك، ومعنى الآية أي: لا تتخذوا يا أيها المسلمون أصفياء وأولياء لكم من غير إخوانكم في الدين من أهل ملتكم، وبطانة الرجل خاصته، وهو تشبيه بباطن الثوب، ثمَّ وضَّح الله سبب النهي عن ذلك، وهو أنَّهم لا يقصرون في إيذائكم وإلحاق الشر بكم، وهم يودون أن ينال الضر والهلاك منكم، وقد ظهرت البغضاء من أفواههم بالشتائم علامةً على العداوة التي يضمرونها.^[٦]

ونحو ذلك وردَ في مختلف التفاسير، وهو أنَّ الله ينهى المسلمين عن مصافاة الكفار والمشركين والمنافقين من اليهود وغيرهم، لأنَّهم يضمرون العداوة للمسلمين، ويتمنَّون أن يقعَ المسلمون تحت عبء الشر والهلاك والفساد، وقد فضحت أفواههم ما يخفون من حقدٍ وضغينة من خلال الشتائم ومن خلال الأسرار التي يفشونها عن المسلمين، لذلك لا يجوز للمسلم أن يتَّخذ منهم بطانة وخاصةً وخلان، وهؤلاء يعملون كلَّ جهدٍ من أجل إلحاق الفساد والشر بالمسلمين، ولكن الذي تخفيه صدورهم أكبر من الشر الذي يظهر عليهم، وقد بيَّن الله الآيات وفصَّلها لعباده المسلمين، حتَّى يأخذوا بما فيها من تعليمات وحِكَم، والله تعالى أعلم.^[٧]

معاني المفردات في آية: لا تتخذوا بطانة من دونكم

يساعدُ التعرُّف على معاني مفردات الآية في شرح وتفسير الآية من مختلف الجوانب، ولا بدَّ في تفسير آية من آيات كتاب الله من المرور على معاني المفردات، فمن خلال ذلك بالإضافة إلى معرفة أسباب النزول وإعراب الكلمات وأقوال الصحابة والتابعين فيها، يمكن الإحاطة بمعنى الآية بشكل عام، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر معاني المفردات في آية: لا تتخذوا بطانة من دونكم:

• تتخذوا: من الفعل اتَّخذ ويتَّخذُ اتِّخاذًا، الفاعل متَّخِذ والمفعول متَّخَذ، اتَّخذ الرجلُ فلانًا صديقًا له: صيَّره وجعله صديقًا له، وهذا الفعل ينصب مفعولين، اتَّخذ موقفًا آخرًا: اعتمده واعتنقه وأخذَ به، اتَّخذَ الإجراءات اللازمة: قام بها، اتَّخذ احتياطاته: أخذ حذره واحتاط وعمل ما يجب اقيام به.^[٨]
• بطانة: جمعها كلمة بطائن، والبطانة هي كلُّ ما يبطَّن به الثوب من الداخل وهي عكس الظهارة أو ظهارة الثوب، ومعنى البطانة السريرة، والبطانة: الصديق والخليل الصفي للرجل والذي يكشف له عن أسراره، وتستخدم في الطبِّ للإشارة إلى الطبقة التي تبطن الأوعية الدموية واللمفاوية، وبطانة الرجل: أقرباؤه وأهله.^[٩]
• دونكم: تأتي كلمة دون يمعنى الحقير والخسيس، وشخصٌ دونٌ أي دنيء وحقير، كما تأتي بمعنى ظرف مكان معرب، ومعنى ضربه دون سبب أي بلا سبب، ذهب دون سبب: ذهب من غير سبب، فلانٌ دون فلان: أدنى منه وأحطُّ منزلة، الأشعة دون الحمراء: الأشعة تحت الحمراء، وصلَ الرجل دون أهله: وصل الرجل من غير أهله، أي وصل وحيدًا، أتى دون صديقه: أتى وحده ولم يأتِ صديقه معه.^[١٠]

إعراب آية: لا تتخذوا بطانة من دونكم

بعد معرفة معاني المفردات يجب الوقوف على إعراب الآية بشكل مفصَّل، حيثُ يوضَِّح الإعراب مكان ووظيفة كل كلمة وبالتالي معرفة المعنى المحدَّد الذي تحمله، وقد أفرد العلماء المختَّصون في علوم القرآن لإعراب القرآن الكريم كتبًا مستقلةً، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج إعراب آية: لا تتخذوا بطانة من دونكم، إعراب مفرداتٍ وإعراب جُمَل:^[١١]

• لا: ناهية جازمة.
• تتخذوا: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون من آخره، والواو ضمير متَّصل في محل رفع فاعل، وجملة "لا تتخذوا" جملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب.
• بطانة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
• من: حرف جر.
• دونكم: دون: ظرف في محل جر بحرف الجر، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم للجمع، والجار والمجرور متعلقان بنعت محذوف لبطانة.

الثمرات المستفادة من آية: لا تتخذوا بطانة من دونكم

في نهاية المطاف أثناء الحديث عن معنى آية: لا تتخذوا بطانة من دونكم، بالشرح التفصيلي، من الضروري الإشارة إلى الثمرات المستفادة من الآية، ففي كلِّ آية من آيات القرآن الكريم حكمة بليغة وموعظة جليلة بالإضافة إلى تعاليم وأحكام أنزلها الله -تعالى- في آيات كتابه الكريم، فقد جعل الله كتابه منهجًا ودستورًا بالإضافة إلى كونه قرآنًا تعبديًّا، يكسبُ المسلم الأجر أثناء قراءته في الصلاة وفي غير الصلاة، ولا بدَّ من ذكر الثمرات المستفادة من آية: لا تتخذوا بطانة من دونكم، فيما يأتي:^[١٢]

• دائمًا يوجِّه تعالى الخطاب إلى المؤمنين عمومًا بقوله: يا أيُّها الذين آمنوا، وهو خطاب موجَّهٌ إلى جميع المسلمين والمسلمات.
• لا يجوز للمسلم أن يتَّخذَ أعداء الله تعالى وأعداء الإسلام وغيرهم من المنافقين والكفار والمشركين أصدقاءَ له وخلَّان وأحباب.
• أشار الله تعالى في غير موضع إلى أنَّه لا يجوز للمسلم أن يظهرَ الودَّ حتَّى لأقرب الناس إليه من الكفار والمشركين، حيث يقول تعالى في سورة المجادلة: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.^[١٣]
• دائمًا يضمرُ المنافقون والكفار والمشركون الحقد والبغض لأولياء الله من المسلمين.
• لا يتوانى الكفار وأعوانهم عن إلحاق الأذى والشر بالمسلمين.
• أقصى أماني أولئك المجرمين والمنافقين أن يُصاب المسلمون بالضيق والمشقة والهلاك، ومثل ذلك وصف الله تعالى المنافقين من الأعراب في سورة التوبة حيث قال: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.^[١٤]

المراجع

1. ↑ سورة آل عمران، آية:1-3
2. ↑ "سورة آل عمران"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-28. بتصرّف.
3. ↑ سورة آل عمران، آية:118-120
4. ↑ سورة آل عمران، آية:100
5. ↑ "تفسير القرطبي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
6. ↑ "تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ...)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
7. ↑ "تفسير قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
8. ↑ "تعريف و معنى تتخذ في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
9. ↑ "تعريف و معنى بطانة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
10. ↑ "تعريف و معنى دون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
11. ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
12. ↑ "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
13. ↑ سورة المجادلة، آية:22
14. ↑ سورة التوبة ، آية:98