معنى آية لن ينال الله لحومها ولا دماؤها، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية لن ينال الله لحومها ولا دماؤها، بالشرح التفصيلي

سورة الحج

واحدةٌ من السُّور المدنيَّة -التي نزلت في المدينة المنورة- إلا آيتين منها نزلت ما بين المكة والمدينة، بلغت عدد آياتها 78 آية وتقع في الجزء السَّابع عشر من أجزاء القرآن الكريم ورقمها 22 في ترتيب سور القرآن الكريم، ابتدأت السورة بخطاب مخيف، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}،[١] وسُميت بسورة الحج وهو أحد أركان الإسلام الخمسة؛ وذلك تخليدًأ لدعوة إبراهيم -عليه السلام- عند انتهائه من بناء الكعبة وندائه لحج بيت الله، اختصّت السورة بالحديث عن أهوال يوم القيامة والحكمة من إذنه -تعالى- للمسلمين بقتال الكافرين وصوَّرت بعض مشاهد اليوم الآخر ودعت إلى الالتزام بتوحيد الله -سبحانه- والإيمان به جلَّ في علاه، ومن بين الآيات التي ذُكرت في سورة الحج قوله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا}،[٢] وسيقف هذا المقال للحديث عن تلك الآية وشرحها وتفسيرها وإعرابها وبيان معاني مفرداتها بشكلٍ تفصيليٍّ، وفيما يأتي سيكون ذلك.[٣]

معنى آية: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها، بالشرح التفصيلي

إنَّ من الشَّعائر الإسلاميَّة التي يتقرَّب بها العبد إلى ربِّه هي ذبح الأضاحي، ولم يُشرِّعها العزيز -سبحانه- إلا ليذكروه عند ذبحها فيتَّخذونها قربةً إليه -سبحانه- ولا بدَّ لكلِّ عاقلٍ أن يُدرك أنَّ الله لن يصل إليه شيءٌ من لحومها أو دمائها إذ هو القادر على كلِّ شيءٍ والغنيُّ عن عباده أجمعين، ولكن كان من عادات الجاهليَّة أنهم إذا ذبحوا نضحوا دماء الإبل على البيت ولطَّخوه بلحومها، فقال المسلمون: لا بل نحن أولى بنضح الدِّماء على البيت منهم -خاصة أنَّ الأضاحي هي من تشريع الله للعبيد- فنزل قوله تعالى فيسورة الحج: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا}،[٤] وبذلك يتبيَّن أنَّ الجزاء على العمل يرتبط بالنِّيَّة إذ إنَّ نيَّة المُضحّي هي التقرب لله -سبحانه- فيُجازيه الله على ذلك ويتقبَّل منه، وقد روي في ذلك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ"،[٥] وبذلك يكون الإخلاص في العمل وصدق النِّية هما المعياران الحقيقيَّان في قبول العمل عند الله.[٦]

وقد ورد عن ابن عبَّاس -رضي الله عنه- معنى لن ينال أيّ لن يصعد أو يرتقي إليه، ومما ورد عن ابن عيسى أنَّ الدماء واللحوم ليست هي التي تُقبل وإنَّما التَّقوى هي التي يتقبلها الله من عباده وعليها يُثاب المؤمن، وبذلك فالنِّية هي التي يُنط بها عمل المُسلم فإمَّا أن يتقبَّله الله؛ لصدق وإخلاص المُضحّي أو غير ذلك مما يشاؤه سبحانه،[٧] وورد كذلك في تفسير البغوي أنَّ الله لا تُرفع إليه الدّماء ولا اللحوم، وإنَّما تُرفع له الطَّاعات التي يبتغي بها المُسلم وجهه -سبحانه- وهو صُلب ما يُريده الله من عبيده، وقد سخَّر الله -تعالى- البدن لعبيده فجعلها واحدة من مناسك الحج للمسلمين.[٨]

وقد ورد في ذلك أنَّ رجلًا سأل عامر الشعبي عن جلد الأضحية ما يُفعل بها فقال له: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا}، إن أردت أن تبيعها فبعها وإن شئت فأمسكها وإن شئت فتصدَّق بها فلك الخِيار في ذلك، فلأجل ذلك سخَّر الله -جلَّ في علاه- البدن لعباده المؤمنين؛ حتى يذبحوها تقربًا منه وتعظيمًا له، وحمدًا لجلاله على ما هداهم للإيمان بدينه القويم، وفي ذلك بيانٌ لشرح وتفسير قوله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا}، حسب ما اصطلح عليه علماء أهل الفسير والتأويل، والله هو أعلى وأعلم.[٩]

معاني المفردات في آية: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها

إنَّ الوقوف مع آيات الله يتطلَّب من الباحث أن يقف على شرح مفردات تلك الآيات بالاستناد إلى معاجم اللغة العربية، وذلك أنَّ القرآن نزل معجزًا في لغته فلم يستطع العرب منذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة أن يأتوا ولو بآيةٍ منه، عدا عن أنَّ الإعجاز يكمن في اختيار المفردة دونًا عن غيرها، وسيتم الحديث في هذه الفقرة عن شرح معاني قوله تعالى: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها بشكلٍ تفصيلي:

  • ينال: يدرك أو يحصل، فيُقال هذا الرَّجل نال من الشَّرف العظيم أي أدرك منه وحصل عليه وبلغه، وقد يُقال فلانٌ نال من عرض أخيه أي سبَّ وطعن وشتمَ أخاه، ولو قيل نال الولد رضا أمِّه لكانت بمعنى تمتَّع.[١٠]
  • لحومها: مفرد لحومها هو لحمها أي لحمٌ واحد، واللحم هو الجزء الموجود ما بين العظم والجلد وعادةً ما يكون رخوًا وطريًّا، ولحم أي شيءٍ هو لبُّه وداخله، وهذا الرَّجل أكل لحم أخيه أي اغتابه وذكره بسوء، ويُقال عن لحم الأبقار النيئ غير المطبوخ لحمٌ أحمر، ويُقال لحم الرَّجل أي عائلته وأقرباؤه.[١١]
  • دماؤها: والمفرد من الدماء دمٌ واحدٌ وهو السَّائل الذي يسيل في جهاز الإنسان أو الحيوان الدَّوري، ويُقال فلانٌ أُريق دمه أي سُفِك دمه أو قُتِل، وهذا الرَّجل مهدور الدَّم أي قتله مباح.[١٢]

إعراب آية: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها

إنَّ الإعراب هو لبُّ علوم اللغة العربيَّة بل يكاد أن يكون الفيصل الأوَّل في فهم اللغة وإتقانها والغوص في معانيها، فلا يُمكن للمرء فهم العبارة ما لم يكن محيطًا بجزءٍ كبيرٍ من إعراب مفرداتها، إذ لا بدَّ له من التَّفريق ما بين الفعل وفاعله والمبتدأ وخبره والمضاف من الاسم المجرور إلى غير ذلك مما لا يسع المرء جهله، وبعد أن تمَّ الوقوف مع قوله تعالى: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها من ناحية التفسير وشرح المفردات، لا بدَّ َمن النَّظر إليها من النَّاحية الإعرابية، وفيما يأتي سيكون ذلك:[١٣]

  • لن: حرف ناصب.
  • ينال: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • الله: لفظ الجلالة مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • لحومها: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة.
  • و: حرف عطف.
  • لا: حرف نفي.
  • دماؤها: اسم معطوف على لحومها مرفوع مثله بالضمة الظاهرة، والها ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة.

الثمرات المستفادة من آية: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها

إنَّ القرآن الكريم هو كلام الله -سبحانه- المُحكم في تنزيله العظيم في آياته، الذي لا بدَّ من كلِّ مؤمنٍ أن يتدبَّره، إذ لم يُنزل الله كتابه للقراءة فقط بل هو مدرسةٌ لا بدَّ من الالتزام بها؛ حتى يصلح المجتمع بأسره، حيث قال تعالى في سورة ص: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}،[١٤] والتَّدبر لا يكون إلا بامتلاك عقلٍ واعٍ يفهم معاني كتاب الله ويُحاول استقاء الثَّمرات منه، وهو بذلك يجدد من قلبه فيكون صافيًا عذبًا طاهرًا كما أراد له الله ورسوله،[١٥] وستقف هذه الفقرة للحديث عن ثمرات قوله تعالى لن ينال الله لحومها ولا دماؤها، وفيما يأتي سيكون ذلك:

  • إنَّ الأصل في الأعمال النَّوايا، فكم من عملٍ عظيمٍ هدمته النيَّة السَّيئة، وكم عمل قليل رفعه الله بالنِّيَّة الطَّيبة، فلا شيء يضاهي الإخلاص في عبادة الله سُبحانه، وقد تبيَّن ذلك في شرح الآية -في الفقرة الثانية- فكم من عبدٍ ثقلت موازينه بنية حسنةٍ تقبَّلها الله منه، فأسكنه بها جنة عرضها السموات والأرض أُعدَّت للمتقين.[١٦]
  • إنَّ الفكرة المُرادة من النَّحر هي التزام أوامر الله والابتعاد عن نواهيه وامتثال ما يأمر به عبيده سبحانه، والتَّأسيبإبراهيم -عليه السلام- الذي بادر إلى ذبح ابنه ولكنَّ الله فداه بكبشٍ عظيم، ومع ذلك فليس المُراد من الأضحية هو نحر البدن وكفى، بل لا بدَّ للمسلم من أن ينحر ذنوبه ومعاصيه والفتن التي تعترضه، فيكون بذلك العبد الصَّالح الذي يسمع أوامر الله فيقول سمعنا وأطعنا، فليست الأضاحي فقط بدن أُريقت دماؤها وكفى، بل في كلِّ يومٍ يستطيع المسلم أن يُضحى بكلِّ ما لا يُرضي الله.
  • إنَّ طاعة العبد لربِّه هي السبب الأوَّل في تيسير أمور المسلم في حياته وتوفيق الله له في الدَّار الدُّنيا، فلو تخلَّى الإنسان عن تقوى الله وتغللت الظلمات في قلبه حرمه الله من عطاياه وأوكله إلى نفسه، فإذا هو يتخبَّط في دار الدُّنيا لا قرار له ولا مغيث، فالله لا يرتفع له من العبد سوى تقواه وطاعته وحسناته التي يفعلها، والله غنيٌ عن العالمين ولكنَّ أكثر النَّاس لا يعلمون، وبذلك يكون قد تمَّ الحديث عن تفسير قوله تعالى لن ينال الله لحومها ولا دماؤها، وبيان معانيها وشرحا شرحًا تفصيليًّا، والله في ذلك جميعه هو أعلى وأعلم.

المراجع

  1. سورة الحج، آية:1
  2. سورة الحج، آية:37
  3. "سورة الحج"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  4. سورة الحج، آية:37
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2564، صحيح.
  6. "القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الحج - الآية 37"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  7. "القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الحج - الآية 37"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  8. "تفسير: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  9. " تفسير ابن كثير تفسير سورة الحج تفسير قوله تعالى " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى ينال في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى اللحم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى الدم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  13. "أرشيف منتدى الفصيح - 2"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  14. سورة ص، آية:29
  15. "كيف تتدبر القرآن (خطوات عملية)"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
  16. "باب الإخلاص وإحضار النية"، kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-07. بتصرّف.
4072 مشاهدة
للأعلى للسفل
×