معنى آية وأرسلنا الرياح لواقح، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وأرسلنا الرياح لواقح، بالشرح التفصيلي

سورة الحجر

سورة الحجر من السور المكية في كتاب الله تعالى، فقد نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة عدا الآية 87 فهي مدنية، اختلف العلماء فيها فبعضهم عدَّها من المثاني وبعضهم عدَّها من المئين، وعدد آياتها 99 آية، كانت السورة بعد سورة يوسف في النزول، تقع في الجزء العاشر من المصحف الشريف ورقم ترتيبها فيه 15، تبدأ السورة مثل كثير من سور القرآن الكريم بحروف مقطعة، حيثُ يقول تعالى في مطلعها: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ}،[١] وسمِّيت بسورة الحجر لأنها تحدَّثت عن الحجر فيها وهي مساكن قوم ثمود الذين أرسل إليهم نبيُّ الله صالح -عليه السلام- فكذبوه، تناولت السورة مواضيع عديدة منها: ذكرُ سنَّة الله في الرسالات وصدقها وقصَّة البشرية كلِّها وأصلُ الهداية والضلال وفي النهاية تشير إلى الحق الموجود في السموات والأرض وما يلحق ذلك من حساب ينتج عنه ثواب وعقاب، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: وأرسلنا الرياح لواقح، بالشرح التفصيلي.[٢]

معنى آية: وأرسلنا الرياح لواقح، بالشرح التفصيلي

في الحديث عن معنى آية: وأرسلنا الرياح لواقح، بالشرح التفصيلي، من الضروري الإشارة إلى أنَّ هذه الآية الكريمة تقع في سورة الحجر وهي الآية 22 منها، وقد ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في سياق الحديث عن آياته العظيمة والجليلة في هذا الكون، وفي كلماتٍ غاية في الإذهال والإعجاز يصوِّر الله كيفَ بسطَ الأرض وجعل فيها جبالًا راسيات وأنبت الزرع وغير ذلك، وكل شيءٍ باتزانٍ وتقدير منه، حيثُ يقول تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ* وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ* وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ* وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ* وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ* وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ}،[٣] ثمَّ يشيرُ الله تعالى إلى إرسال الرياح وما جعل فيها من خيرات، وفي الوجيز في تفسير الكتاب العزيز يشيرُ معنى الآية إلى أنَّ السَّحاب التي تمجُّ الماء هي اللواقح أي الملقحات، قيل سمِّيت السحاب لواقح بمعنى حوامل لأنَّها تحمل الماء في جوفها، وجعل الله ذلك الماء صالحًا للإنسان والحيوان والنبات، ولن يستطيع الإنسان أن يحفظه لأنَّ خزائنه ليست بيديه، وفي تفسير البغوي أنَّ الله يقول: أرسلنا الرياح لواقح أي حوامل لما تحمله من ماء إلى السحب، ولواقح جمع لاقحة، والناقة اللاقحة إذا حملت ولدًا، ويقول ابن مسعود: إنَّ الله يرسل الريح حاملةً الماء فتمري السحاب به فتدرُّ كما تدرُّ اللقحة وتمطر بعد ذلك، وذهب غيرهم إلى أنَّ اللواقح جمع ملقِّحة، وهي الرياح التي تلقح الأشجار، ويقول عبيد بن عمير: "يَبْعَثُ اللَّهُ الرِّيحَ الْمُبَشِّرَةَ فَتَقُمُّ الْأَرْضَ قَمًّا ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُثِيرَةَ فَتُثِيرُ السَّحَابَ ثُمَّ يَبْعَثُ الله المؤلفة فتؤلف السَّحَابَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ فَتَجْعَلُهُ رُكَامًا، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّوَاقِحَ فَتُلَقِّحُ الشَّجَرَ"، فالرياح اللواقح هي التي تثير السحاب وتحمل الماء إليه.[٤]

وقد اختلف القراء في قراءة الآية، فقرأها عامَّة القراء: وأرسلنا الرايح لواقح، وقرأها بعضهم من أهل الكوفة: وأرسلنا الريح لواقح، واختلف العلماء أيضًا في أصل وصف الرياح باللواقح، لأنَّها تكون ملقحة وليست لاقحة، لأنَّها تلقِّح الأشجار والسحاب، وقال بعض النحويين في البصرة: قيل عن الرياح لواقح من لاقح، أي كأنَّ الرياح هي التي لقَّحت لما تحمله من خير، والرياح تقوم بتلقيح السحاب وهذا هو معنى الآية كما رآى بعض المفسرين، وذهب بعض النحويين في الكوفة إلى أن لذلك معنيان: الأول أنَّ الرياح هي التي تلقح عندما تمرُّ على التراب والماء ويكون اللقاح فيها، ومنه قال: الريح العقيم أي التي لم تلقح، والمعنى الثاني أنَّ وصفها بالواقح وهي التي تلقح،[٥] وفي النهاية فإنَّ الرياح اللواقح هي التي تدرُّ الماء بعد أن تلقح السحاب وتقوم بتلقيح الأشجار فتتفتح أزهارها وتنمو أوراقها، ومعنى أسقيناكموه أي أنزلناه لكم سائغًا للشرب، ولو شاء الله تعالى لجعله أجاجًا لا يمكن شربه، وأشار الله إلى هذا المعنى في غير موضع من القرآن الكريم، والله تعالى أعلم.[٦]

معاني المفردات في آية: وأرسلنا الرياح لواقح

بعد الوقوف على معنى الآية الكريمة بالتفصيل، صار لزامًا على القارئ أن يتعرَّف على معاني المفردات فيها، إذ يوضِّح ذلك المعنى العام المُراد من الآية كلها، وقد رآى بعض العلماء والمفسرين أن تفسير معاني آيات كتاب الله يحتاج إلى الإحاطة بعدَّة جوانب أحدها الإلمام بشرح المفردات كل على حدة، ولذلك سيتمُّ ذكر معاني المفردات في آية: وأرسلنا الرياح لواقح، فيما يأتي بالتفصيل مع إظهار الوجوه الغامضة منها:

  • أرسلنا: من الفعل أرسل ويرسلُ إرسالًا، الفاعل منه مرسِل والمفعول مرسَل، ومعنى أرسل الشيءَ: أهمله وأطلقه، وأرسل رسالة إلى صديقه: بعث برسالة إلى صديقه، أرسل الله رسله: بعثهم لتبليغ الرسالات، أرسل كلامه: أطلقه وتكلم به دون تقييد، أرسل دموعًا على خده: سكبها، أرسلت شعرها على ظهرها: سرحته وفردته على ظهرها، أرسل رسالةً: وجَّهها، أرسل عليه: سلط، أرسله إلى العالم الآخر بمعنى قتله.[٧]
  • الرياح: جمع كلمة ريح، والريح هي النسيم من الهواء، وقد وردَ أن أصل الياء في الريح هي الواو ولكنَّها صيِّرت ياءً، وتصغيرها رويحة وجمعها: رياح وأرواح، وبذلك قال الجوهري، وفي الحديث عن عبد الله بن عباس أنَّه: "ما هبت الريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا"،[٨]لأنَّ الريح لا تلقح بخلاف الرياح.[٩]
  • لواقح: جمع لاقح ولاقحة، ولاقح اسم وجمعه لُقَّح أو لواقح، وهو اسم فاعل من الفعل لقَح، ولقحت الحرب بمعنى اشتدت، وحرب لاقح: شديدة وهو تشبيه الحرب بالمرأة الحامل التي على وشك الولادة، ولقحت لقحًا ولَقاحًا، وهي لقوح والجمع لقَّح، لقحت الناقة: قبلت ماء الفحل، لقحت النخلة: تلقت اللقاح ومثله لقح الزرع، لقحت المرأة: حملت، ولقحت الحرب: هاجت واشتعلت، ومنه الرياح اللواقح.[١٠]

إعراب آية: وأرسلنا الرياح لواقح

إنَّ إعراب مفردات الآية يظهر وظيفة كل كلمة وبالتالي تحديد المعنى الذي تحمله، ولذلك اهتمَّ العلماء كثيرًا بإعراب القرآن الكريم والذي هو أحد فروع علوم القرآن وخصوصًا في العصور اللاحقة، وقد أُلفت كتب كثيرة مستقلة في ذلك، وكل ذلك بغية تفسير القرآن الكريم على الوجه الصحيح والأقرب للصواب، وسيتمُّ إعراب آية: وأرسلنا الرياح لواقح، فيما يأتي إعراب مفردات وجُمَل:[١١]

  • وأرسلنا: الواو حرف استئناف، أرسلنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالضمير نا، و"نا" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • الرياح: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • لواقحَ: حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وجملة "وأرسنا الرياح لواقح" جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الثمرات المستفادة من آية: وأرسلنا الرياح لواقح

في نهاية الحديث عن معنى آية: وأرسلنا الرياح لواقح، بالشرح التفصيلي، وما يتعلق بها من شرح مفردات وإعراب كلمات، سيُشار إلى الثمرات المستفادة منها، حيثُ تحتوي كل آية من آيات القرأن الكريم على العديد من الثمرات المتمثلة بالعظات والعبَر أو بالتعاليم والأحكام التي أنزلها الله تعالى رحمةً ونورًا للعالمين وهدى للناس أجمعين، وحتى يلتزم بها المسلم خلال حياته، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج الثمرات المستفادة من آية: وأرسلنا الرياح لواقح:[١٢]

  • معجزات الله تعالى في هذا الكون كثيرة جدًّا لا تعدُّ ولا تحصى، ولا يمكن لبشر أن يحيطَ بها، تبدأ من نفس الإنسان ذاته ولا تنتهي عند الأرض وما فيها من معجزات صنعها الله وأبدع في تكوينها.
  • على المسلم أن يتأمل ويتدبر خلقَ الله وآياته في الكون، فيزداد إيمانًا وثقةً بربِّ العالمين وقدرته، كما يزداد إيمانه بصدق القرآن الكريم وإعجازه وأنَّه كتاب الله الحق الذي أنزله على نبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين.
  • الرياح إحدى النعم العظيمة التي أرسلها الله تعالى رحمةً بعباده وإظهارًا لقدرته، فهي التي تثير السحاب وتلقحه ليدر الماء على الأرض.
  • الرياح تقوم بتلقيح الأزهار والنباتات من خلال نقل حبوب الطلع فتتلقح النباتات وتزهر وتُثمر وتعطي الثمار للناس دون أدنى جهد منهم، وذلك بقدرة الله وحوله تعالى.
  • الله ينزل الماء عذبًا سائغًا للشرب ولو شاء لجعله أجاجًا مالحًا، ولكنَّه تعالى رحيم بعباده وقد جعل لهم كل ما في الأرض حتَّى يستفيدوا منه وينعموا به.

المراجع

  1. سورة الحجر، آية:1
  2. "سورة الحجر"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-30. بتصرّف.
  3. سورة الحجر، آية:19-24
  4. "تفسير: (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-30. بتصرّف.
  5. "القول في تأويل قوله تعالى "وأرسلنا الرياح لواقح ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
  6. "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
  7. "تعريف و معنى أرسل في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
  8. رواه ابن حجر العسقلاني، في نتائج الأفكار، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:131، حسن.
  9. "تعريف و معنى الرياح في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى لواقح في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
  11. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
  12. "وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَسْقَيْنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمْ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
2547 مشاهدة
للأعلى للسفل
×