معنى آية وأن تستقسموا بالأزلام، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وأن تستقسموا بالأزلام، بالشرح التفصيلي

سورة المائدة

سورة المائدة من سور القرآن المدنيّة، نزلت على الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بعد الهجرة بإجماع عدد من المفسرين، فهي تعدّ من أواخر سور القرآن نزولًا،[١] نزلت بعد سورة الفتح، وهي من السّبع الطّوال، عدد آياتها مئة وعشرون آية، وترتيبها في المصحف الشّريف السّورة الخامسة، بدأت السّورة بخطاب المؤمنين، بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...}، سُميت السّورة بـ "سورة المائدة" وهي إحدى معجزات عيسى -عليه السّلام- إلى قومه، عندما طلبوا منه مائدة ينزلها الله عليهم من السماء، يأكلوا منها وتطمئن بها قلوبهم،[٢] اشتملت السّورة على موضوعات عدّة منها: المسائل العقيدة الصّحيحة، وتنظيم علاقة المسلمين مع غيرهم من اليهود والنّصارى، وبيان الأحكام الشّرعيّة وتوضيحهها، كما أنّها اشتملت على بعض القصص ومنها قصّة بني إسرائيل مع نبيّ الله موسى، عليه السّلام، وقصّة ابني آدمن وقصّة لمائدة، وسيأتي لاحقًا معنى آية: وأن تستقسموا بالأزلام، بالشرح التفصيلي.[٣]


معنى آية: وأن تستقسموا بالأزلام، بالشرح التفصيلي

لعلم التفسير فضائل عظيمة، فهو المعين على فهم كلام الله تعالى؛ ومعرفة مراده، ومن رزقه الله تعالى فهم القرآن فقد رُزق خيراً كثيراً، ولفهم معنى قوله تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ...}، سيتمّ تأويل الآية الكريمة من كتب التّفسير المعتمدة، حيث قال الطّبريّ في تفسيره: قال أبو جعفر في تأويل قوله تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ}، أي: أن تستعينوا في طلبكم على ما قسم لكم أو لم يقسم، بالأزلام، والأزلام هي القداح التّي كان أهل الجاهلية، يكتبون على أحدها: أمرني ربّي، وعلى الآخر: نهاني ربّي، وضعونها في وعاء ويحركونها ثمّ يخرجون أحدها، فإن كان الأمر مضى لما يسعى إليه، وإن كان النّهي، كفّ عمّ يسعى إليه،[٤] وأمّا القرطبيّ قال في قوله تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ}، الكلام معطوف على ما قبله، والمصدر المؤوّل في محل رفع معطوف، أي: وحرّم الله عليكم الاستقسام، والأزلام قداح الميسر، مفردها الزَّلَم والزُّلَم، وقوله: {ذلِكُمْ فِسْقٌ}، أي: الاستقسام بالأزلام فسق، والفسق هو الخروج من الحلال إلى الحرام، وقوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ}، أي: أصابهم اليأس والقنوط من عودتكم إلى دينهم وكفّرهم كفّارًا، قوله: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}، أي: أيّها المسلمون! لا تخافوا المشركين وخافوني،[٥] فأنا وليّكم في الدّنيا والآخرة.[٦]


ونقلًا عن موقع الشّيخ محمّد الحسن الدّدو الشّنقيطي، بأنّه قال: كان من عادة أهل الجاهليّة الاستقسام بالأزلام، أي يطلبون حاجتهم وقسمتهم باعتمادهم وتوكّلهم على هذه السّهام، وقد كتبوا على بعضها الأمر بالفعل، وعلى الآخر النّهي عن الفعل، والثّالثُ فارغًا، ويضعونها في وعاء، وتكون هذه السّهام عند صاحب حرفة أو مهنة، أي ليس كلّ واحد منهم يقوم بهذا العمل، فمن عزم منهم على عمل ما، كالسّفر أو الزّواج أو التّجارة يأتي إلى من يقوم بمهنة الاستقسام بالأزلام ويعرض عليه حاجته، ويقوم ذلك الرجل برمي السّهام قائلين ببركة الإله فلان وهو صنم، أو ما شابه ذلك، وعندما يقع السّهم، يقرؤون ما ظهر منه من كتابة، فإن كان الأمر، تابعوا العمل الذي عزموا على القيام به، وإن كان النّهي، تركوه إلى غيره، وهذه الأمور من أعمال التنبؤ بالغيب والطّيرة، وهي من أعمال الجاهليّة، وهي محرّمة في كتاب الله وفي سنّة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وبيّن الله تعالى في كتابه بأنّها فسق، والفسق كفر دون كفر، وهي تشبه اليوم المنجّمين والعرّافين، وضرب التّراب والرّمل، ومن يعمل به؛ فإنّه يبطل بعض عباداته، وتردّ شهادته، ويفسق به.[٧]


معاني المفردات في آية: وأن تستقسموا بالأزلام

بعد تأويل معنى الآية الكريمة وبيان المراد منها، سيتمّ اختيار بعض المفردات من هذه الآية الكريمة اولتي تحتاج إلى شرح وتوضيح، لشرحها وتوضيحها، من معاجم اللّغة العربيّة، لتصبح الاية أكثر وضوحًا وفهمًا للقارئ، والكلمات هي:

  • تَسْتَقْسِمُوا: اِستَقسَمَ: فعل، استقسمَ يستقسم، استقسامًا، فهو مُسْتَقسِم، واسم المفعول مُسْتَقسَم، اسْتَقْسَمَ فلانٌ: طَلَبَ القِسْمَ الذي قُسِمَ له، واسْتَقْسَمَ فلانٌ: فكَّرَ وروَّى بين أَمرين، واسْتَقْسَمَ فلاناً بالله: طَلَبَ منه أَن يُقْسِمَ به.[٨]
  • الْأَزْلامِ: زَلَم: اسم، الجمع: أزْلامٌ، الزَّلَمُ: هو السّهم الذي لا ريش عليه، وكان أهلُ الجاهليّة يستقسِمون بهذه الأسهم، وكانوا يكتبون على كلّ سهم منها افعل أو لا تفعل، ويضعونها في وِعاء، فإذا أراد أحَدُهم أن يقوم بعمل ما، أدخَلَ يده فيه الوعاء، وأخرجَ سهمًا فإن خرج السّهم الذي كتب عليه افعل، مضى لقصدِه، وإن خرج ما فيه لا تفعل كَفَّ.[٩]
  • فِسْقٌ: فَسَقَ: فعل، فسَقَ عن يَفسُق ويَفسِق، فِسْقًا وفُسُوقًا، فهو فاسِقٌ والجمع: فَسَقَةٌ، وفُسَّاقٌ، وفَاسِقُون وهي فاسقةٌ والجمع: فاسِقَاتٌ، وفَوَاسِقُ، واسم المفعول مفسوقٌ عنه، فسَق الرَّجلُ عن أمر الله: عصى وجاوز حدود الشَّرع، خرج عن طاعة الله، انغمس في الملذَّات، وفَسُقَ الرّجل: فَسَقَ الرَّجُلُ: فَجَرَ، الفِسْقُ: عَنِ الْفُجُور وَالضَّلاَل وَالْعِصْيَان.[١٠] 
  • مَخْمَصَةٍ: خَمَصَ: فعل، خمَصَ يَخمُص، خَمْصًا وخُموصًا ومَخْمَصَةً، فهو خَميص والجمع: خِمَاصٌ وهي خميصةٌ والجمع: خِمَاصٌ، وخَمَائِصُ، واسم المفعول مخموص، خَمَصَ البَطْنُ: خَلاَ، فَرَغَ، ضَمُرَ، مخمصة: مجاعة، ضيق، وخلوّ البطن من الطّعام.[١١]
  • مُتَجانِفٍ: تجانفَ: فعل، تجانفَ إلى، تجانفَ عن، تجانفَ لـ يتجانف، تجانُفًا، فهو مُتجانِف، واسم المفعول مُتجانَفٌ إليه، تجانف إليه، تجانف له: مال، تجانف عنه: عدل عنه وابتعد، غير متجانف: غير متمايل مُتعمّد.[١٢]
  • تخشوهم: خَشيَ: فعل، خشِيَ من يَخشَى، اخْشَ، خَشْيَةً وخَشْيًا وخشاةً، فهو خاشٍ وخَشْيانُ، وهي خَشْيَا والجمع: خَشايا، واسم المفعول مَخْشِيّ، خشِي اللهَ: خافه بتعظيم ومهابة، هابه واتّقاه، خَشِيَ مِنْهُ: خَافَهُ، خَشِيَ : خاف، وذُعِر، والخشية: خوف يشوبه تعظيم،


إعراب آية: وأن تستقسموا بالأزلام

بعد بيان معاني المفردات بالآية الكريمة يجدر إعرابها، وبسبب طول الآية يصعب إعرابها كاملة لضيق المكان، لذلك تمّ اختيار قوله تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}، وإعرابه مفردات وجملًا، كالآتي:

إعراب المفردات

  • وأن: الواو حرف عطف، أنْ: حرف مصدريّ ونصب.
  • تستقسموا: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعلًا.
  • بالأزلام: الباء: حرف جرّ، الأزلام: اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة، متعلّقان بـ "تستقسموا".
  • والمصدر المؤوّل "أن تقتسموا" في محلّ رفع معطوف على الميتة.ذا: اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ، واللّام: للبعد، والكاف للخطاب.
  • فسق: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • اليوم: مفعول فيه ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة، متعلّقان بـ "يئس".
  • يئس: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضّمة.الذين: اسم موصول مبني في محلّ رفع الفاعل.
  • كفروا: فعل ماض مبني على الضمّ..، والواو: ضمير متّصل مبني في محلّ رفع فاعلًا.
  • من دين: حرف جرّ، اسم مجرور بمن وعلامة جرّه الكسرة، متعلّقان بـ "يئس"، و "كم" ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
  • فلا: الفاء: رابطة لجواب شرط مقدّر، لا: ناهية جازمة.
  • تخشوا: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون..، والواو: ضمير متّصل مبني في محلّ رفع فاعلًا، و "هم": ضمير متّصل مبني في محلّ نصب مفعولًا به.
  • واخشونِ: الواو: حرف عطف، اخشوا: فعل أمر مبنيّ على حذف النون..، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محل رفع فاعلًا، والنّون: للوقاية، ومفعول اخشوا محذوف هو ضمير المتكلّم أي: اخشونِي.

إعراب الجمل

  • {تستقسموا...}: صلة الموصول الحرفيّ "أن" لا محلّ لها من الإعراب.
  • {ذلكم فسق}: تعليليّة استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
  • {يئس الذين...}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
  • {كفروا}: صلة الموصول "الذين" لا محلّ لها من الإعراب.
  • {لا تخشوهم}: في محل جزم جواب شرط مقدّر أي: إن يظهروا عليكم فلا تخشوهم.
  • {اخشونِ}: في محل جزم معطوفة على جملة فلا تخشوهم.


الثمرات المستفادة من آية: وأن تستقسموا بالأزلام

وبالوصول إلى نهاية المطاف، وبعد توضيح القسم المقتطف من الآية الكريمة، بقي حبّ التّعرّف على الثّمرات التي يمكن قطفها منها، لتزيد القارئ فهمًا وتوضيحًا للآية الكريمة، ومن هذه الثمرات المستقاة ما يأتي:

  • حرمة الاستقسام بالأزلام؛ لأنّ ذلك من أعمال الجاهليّة، ومن الشّرك بالله تعالى، وهو فسق، أي كفر وخروج عن منهج الشّريعة الحنيفة، ومن سلّم نفسه لأمثال هؤلاء المشعوذين؛ يصبح ألعوبة في أيديهم.
  • تحريم الخشية من الكفّار والمشركين، التي يترتّب عليها المداهنة في دين الله تعالى، إنّما تكون الخشية من الله تعالى، فهو المعطي والمانع، والمحي والمميت.
  • الفرق بين الخشية والخوف، فتكون الخشية عن علم من المخشيّ منه، بينما لا يلزم الخوف أن يكون عن علم، والخشية تدلّ على عظم المخشيّ منه، بينما الخوف يدل على ضعف الخائف لا على عظمة المخوف منه.
  • التّمسّك بشرع الله بكل قوّة وعزّة، لأنّ متى يئس الكفّار من المشركين، من ردّة المسلمين إلى الكفر، يترتّب على المسلمين ألّا يلتفتوا إليهم وألّا يخافوهم.

المراجع

  1. "سُورةُ المائِدَةِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  2. "سورة المائدة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  3. "سورة المائدة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  4. "وأن تستقسموا بالأزلام / الطبري"، islamweb.net. بتصرّف.
  5. "سُورةُ المائِدَةِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  6. "وأن تسقسموا بالأزلام / القرطبي"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  7. "تفسير: {وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق}"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى تَسْتَقْسِمُوا في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى الْأَزْلامِ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى فِسْقٌ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى مَخْمَصَةٍ في معجم المعاني الجامع وفي قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى مُتَجانِفٍ في قاموس المعجم الوسيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-29. بتصرّف.
4843 مشاهدة
للأعلى للسفل
×