معنى آية وأنزلنا عليكم المن والسلوى، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وأنزلنا عليكم المن والسلوى، بالشرح التفصيلي

سورة البقرة

إنَّ سورة البقرة هي السورة الثانية من سور القرآن الكريم من حيث ترتيب المصحف، وتعدُّ أطول سورة منه حيث يبلغ عدد آياتها مئتنان وستة وثمانون آية، ويرجع سبب تسميتها بهذا الاسم إلى ذكر قصة البقرة وبني إسرائيل في عهد نبيِّ الله موسى -عليه السلام- وقد ورد في فضلها الكثير من الأحاديث، ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ"، وقد وردت في سورة البقرة آية كريمة وهي قول الله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}،[١] وسيتم تخصيص هذا المقال لبيان معناها ومعاني مفرداتها وإعرابها، ثمَّ استنباط بعض الثمرات المستفادة منها.

معنى آية: وأنزلنا عليهِم المن والسلوى، بالشرح التفصيلي

إنَّ التفسير الإجمالي لقول الله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}،[٢] أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يعدد النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل وهم في مدة التيه بين مصر والشام، وأول هذه النعم أنَّ الله أرسل عليهم السحاب ليظللهم به من حرِّ الشمس الحارقة، وثاني هذه النعم أن أرسل إليهم الطعام اللذيذ المشتهى من غير تعبٍ منهم وهذا الطعام هو مادة صمغية تنزل على الشجر وحلاوته تشبه حلاوة العسل بالإضافة إلى طائر السلوى لذيذ اللحم الذي كانت تسوقه إليهم ريح الجنوب فيمسكونه بأعلى درجات السهولة ومن غير تعبٍ منهم،[٣] ثمَّ أمرهم بأن يأكلوا من شهيِّ الرزق وطيِّبه الذي رزقهم إيَّاه،[٤] ثمَّ يُتبع الله -عزَّ وجلَّ- الآية بقوله: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، ومعنى ذلك أنَّ بني إسرائيل لم يظلموا الله -عزَّ وجلَّ- بمعاصيهم، حيث إنَّ أفعالهم تلك ومعاصيهم لا تضرَّ الله ولا توضعه موضع منقصة، فالله لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة المطيع ولا ينقص من خزائنه ظلم الظالم ولا يزيد في ملكه عدل العادل، بل إنَّ العاصي لا يضرُّ إلا نفسه، والمطيع لا ينفع إلا نفسه، وعلى ذلك فإنَّ بني إسرائيل بعصيانهم لم يُنقصوا إلا من أنفسهم ولم يضروا إلا أنفسهم، ولذلك ختم الله الآية الكريمة بقوله تعالى: {وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وإنَّ في التعبير عن ظلم بني إسرائيل لأنفسهم بكلمة كانوا وبالفعل المضارع يظلمون للإشارة إلى تكرار الظلم منهم لأنفسهم،[٣] ولا بدَّ من التنويه أيضًا أنَّ العلماء اختلفوا في معنى المنّ في الآية الكريمة، ولذلك فلا بأس من إفراد الحديث عنها في عنوانٍ مستقل، وفيما يأتي ذلك:


لقد اختلف المفسرون في تحديد معنى المنِّ هنا، فمنهم من قال أنَّه شرابٌ ومنهم من قال أنَّه طعامٌ وقد رجَّح ابن بازٍ أنَّ المراد من المنِّ هنا هو كلُّ ما امتنَّ به الله -عزَّ وجلَّ- على بني إسرائيل من الطعام والشراب وغير ذلك، حيث إنَّ المنَّ المشهور إن أُكل وحده كان حلاوةً وطعامًا، وإذا خُلط ومرِّج مع الماء صار شرابًا، وإذا خُلط مع غيره صار نوعًا آخرًا، لكن هذا المن المشهور ليس وحده المقصود في الآية الكريمة، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وماؤُها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ."،[٥] وفيما يأتي أقوال المفسرين في معنى المنّ كلٌ على حدة:[٦]

  • ابن عباس: إنَّ المنَّ كان ينزل على بني إسرائيل من الأشجار ويأكلون منه ما أرادوا.
  • عكرمة: شيءٌ أُنزل على بني إسرائيل من الله -عزَّ وجلَّ- مثل الطل، ويشبه الربّ الغليظ.
  • السدي: طعامٌ كان ينزل على شجرة الزنجبيل.
  • قتادة: شيءٌ أبيضٌ أحلى من العسل كان ينزل عليهم وهم في محلِّهم في البرية.
  • الربيع بن أنس: شرابٌ مثل العسل كان ينزل عليهم، وكان يتمُّ تمريجه في الماء ثمَّ يقومون بشربه.
  • وهب بن المنبه: خبزٌ رقاق.

معاني المفردات في آية: وأنزلنا عليهِم المن والسلوى

أنزل الله -عزَّ وجلَّ- القرآن الكريم بلسان العرب وعلى ما كانوا عليه من الفصاحة والبيان، حيث قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}،[٧] ومن هنا يتبيَّن أنَّ علم التفسير مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا باللغة العربية وبمعرفة علومها من المعاني والبيان، وقد قال أنس بن مالك: "لا أُوتَى برجل يفسِّر كتابَ الله غيرَ عالِم بلغة العرب، إلا جعلتُه نكالاً"، ومن هذا المنطلق لا بدَّ عند توضيح بيان معنى آيةٍ من آيات الله أن يتمَّ توضيح معاني مفرداتها، زيادةً في المعرفة،[٨] وفي هذه الفقرة سيتم توضيح معاني مفردات قول الله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وفيما يأتي ذلك:

  • ظللنا: لكلمة ظلل في اللغة عدة معاني والمقصود هنا أنَّ الله ستر بني إسرائيل بالغمام من حرِّ الشمس.[٩]
  • الغمام: جمع غمامة والغمامة هي السحابة.[١٠]
  • المنَّ: تعددت معاني كلمة المنِّ في القاموس، والخلاصة من جمع معانيها أنَّها مادة صمغية حلوة تؤكل.[١١]
  • السلوى: مفرده سلواة، وهو طائرٌ صغير من رتبة الدجاجيات، وجسمه ممتلئٌ ومنضغط.[١٢]
  • طيبات: اللذائذ والخيرات.[١٣]
  • ظلمناكم: من الظلم، وهو الجور وعد الإحسان.[١٤]

إعراب آية: وأنزلنا عليهِم المن والسلوى

إنَّ من العلوم المهمة في علم التفسير، هو المعرفة في علم النحو والإعراب، وذلك لما له من كبير الأثر في معرفة المراد من الآية الكريمة، إذا إنَّ الحركة الإعرابية واختلاف موقع الكلمة من الجملة يعمل على اختلاف معنى الآية كاملة، ومن هذا المنطلق سيتم بيان إعراب قول الله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وفيما يأتي ذلك:[١٥]

  • وظللنا: الواو واو استئناف، أمَّا ظلل فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنا الدالة على الفاعلين، والضمير المتصل "نا" في محل رفع فاعل.
  • عليكم: على حرف جر والضمير المتصل "كم" في محلِّ جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل ظلل.
  • الغمام: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • وأنزلنا: الواو حرف عطف، وأنزلنا فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنا الدالة على الفاعلين، والضمير المتصل "نا" في محل رفع فاعل.
  • عليكم: على حرف جر والضمير المتصل "كم" في محلِّ جر بحرف الجر، وهي متعلقة بالفعل "أنزل"
  • المنَّ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • الواو: حرف عطف
  • السلوى: اسم معطوف منصوب على منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
  • كلوا: فعل أمر مبني على حذف حرف النون من آخره، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • من: حرف جر.
  • طيبات: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهر على آخره، ومن طيبات متعلقان بالفعل كلوا.
  • ما: اسم موصول في محل جر مضاف إليه.
  • رزقناكم: رزق فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنا الدالة على الفاعلين، والضمير المتصل "نا" في محل رفع فاعل والضمير "كم" في محل نصب مفعول به.
  • وما: الواو استئنافية، وما النافية.
  • ظلمونا: ظلم فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والضمير المتصل "نا" في محل نصب مفعول به.
  • ولكن: الواو حالية، ولكن حرف استدراك.
  • كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو ضمير متصل في محل رفع اسم كان، و"كانوا" جملة حالية.
  • أنفسهم: أنفس مفعول به مقدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والضمير "هم" في محل جر مضاف إليه.
  • يظلمون: فعل مضارع مرفوع بالضم، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة "يظلمون" في محل نصب خبر كان.

الثمرات المستفادة من آية: وأنزلنا عليهِم المن والسلوى

أمر الله -عزَّ وجلَّ- المسلم بقراءة القرآن الكريم وتدبره، ودليل ذلك قول الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}،[١٦] حيث إنَّ بالتدبر تظهر معانٍ جديدة في النص القرآني مما يساعد في إيجاد حلولٍ لما استجد من أمور، وإنَّه لمن المهم عند تفسير آية من آيات كتاب الله -عزَّ وجلَّ- أن يتمَّ استخراج واستنباط بعض الثمرات المستفادة منها،[١٧] ومن هذا المنطلق سيتم تخصيص هذه الفقرة لتدبر قول الله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وفيما يأتي ذلك:[٣]

  • أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- رحيمٌ كريم، حيث إنَّه لم يترك بني إسرائيل في التيه من غير رزقٍ، بل أنعم عليهم ورزقهم الراحة وما لذَّ من الطعام.
  • أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- غنيٌ حميد، لا يضره معصية عاصٍ ولا تنفعه طاعة عبدٍ.
  • على المسلم أن يجاهد نفسه على فعل الطاعات وتركالمعاصي، حيث إنَّ النفع والضرر في ذلك عائدٌ عليه لا على سواه.
  • أنَّ كثرة المعاصي سبب في ظلم العبد لنفسه.
  • أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يُمهل العباد فلا يعذِّبهم إلا بعد تكرار المعاصي منهم.
  • أن المسلم عليه أن يتحرَّى الطيب في طعامه.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:57
  2. سورة البقرة، آية:57
  3. ^ أ ب ت "البقرة 57"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  4. "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعيد بن زيد، الصفحة أو الرقم:4478، حديث صحيح.
  6. "10 من قوله: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى..)"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  7. سورة يوسف، آية:2
  8. "اللغة العربية والتفسير"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى ظللنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى الغمام في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى المن في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى السلوى في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى طيبات في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى ظلمناكم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  15. ".إعراب الآية رقم (57):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  16. سورة النساء، آية:82
  17. "أهمية التدبر في القرآن العظيم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
4073 مشاهدة
للأعلى للسفل
×