محتويات
سورة البقرة
سورة البقرة هي سورة مدنية فقد قيل إنّها من أول ما نزل في المدينة المنورة من سورة البقرة هي سورة مدنية فقد قيل إنّها من أول ما نزل في المدينة المنورة من القرآن الكريم، ما عدا آيات الربا التي يُقال أنّها من أول ما نزل من القرآن الكريم، وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}،[١] حيث إنّ الكثير من أهل العلم قد قالوا بأنّ هذه الآية هي آخر آية نزلت من القرآن قاطبةً، وسورة البقرة هي أطول سورة في القرآن الكريم فعدد آياتها 286 آية، وهي السورة الثانية في ترتيب سور القرآن الكريم فتقع بعد سورة الفاتحة مباشرةً، ويُقال لها فُسطاط القرآن لعظمتها وكثرة الأحكام الواردة فيها وجلالة مواعظها وأهمية مواضيعها، وقد تطرّقت هذه السورة الكريمة إلى قصص بني إسرائيل حيث إنّ سبب تسميتها بهذا الاسم هو ورود قصة بقرة بني إسرائيل فيها وتحدّثت عن المواثيق التي أخذها الله عليهم، وسيتناول هذا المقال معنى آية: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور، بالشرح التفصيلي.[٢]
معنى آية: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور، بالشرح التفصيلي
إنّ قصص الأقوام السابقة التي أرسل لها الله تعالى الرسل وأنزل عليهم الكتب كثيرة في القرآن الكريم، ومن أبرز هذه الأقوام بنو إسرائيل؛ الذين كثُر الأنبياء الذين أُرسلوا إليهم، وذكر القرآن خطاب الله تعالى إليهم في غير موضع من القرآن الكريم، ومن هذه المواضع قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}،[٣] وقد قال الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى: وإذ أخذنا ميثاقكم، أنّ الميثاق يكون إمّا بيمين أو بعهد أو غير ذلك من الوثائق، والميثاق المقصود في هذه الآية هو الذي أخبر عنه تعالى في قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ...}،[٤] وقد ذكر الطبري ما قاله أهل العلم والتفسير في سبب أخذ العهد على بني إسرائيل.[٥]
فنقل عن ابن زيد أنّه لما رجع النبي موسى ومعه الألواح؛ قال لقومه وهم بنو إسرائيل: أنّ هذه الألواح فيها أوامر الله ونواهيه، فرفضوا أن يُصدّقوا أنّها من عند الله حتى يروا الله جهرةً، ويقول لهم أنّها من عنده ويأمرهم بالأخذ بما فيها، فأرسل الله تعالى عليهم صاعقة فماتوا جميعًا ثمّ أحياهم، ولكنّهم استمروا في رفض الأخذ بما في الألواح، فأرسل الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم، فقيل لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم، هذا الطور، وأُخبروا بأنّهم إن لم يأخذوا الكتاب فسيقع عليهم، فكان هذا ميثاقهم، وقد قال ابن زيد بأنّهم لو أخذوه من البداية لأخذوه بلا ميثاق، وقال الطبري بأنّ العلماء اختلفوا في ماهية الطور على الحقيقة، حيث قال البعض بأنّه يعني الجبل في كلام العرب، وقال آخرون بأنّه ما أنبت من الجبال دون غيره، وقيل هو اسم لجبل بعينه وهو الجبل الذي ناجى نبي الله موسى ربه عليه، وقد قال ابن عبّاس أنّ الطور هو الجبل الذي أُنزلت عليه التوراة.[٥]
وفي معنى قوله تعالى: ورفعنا فوقكم الطور، قال مجاهد بأنّ النبي موسى قد أمر قومه أن يدخلوا الباب ويقولوا: حطة، وقد أُنزل لهم الباب ليسجدوا، فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم، وقالوا: حنطة، فرُفع الجبل فوقهم وأُخرج أصله من الأرض وصار كالظلّة، فدخلوا سُجّدًا كما أُمروا وهم خائفون وينظرون إلى الجبل، وقد ذكر مجاهد بأنّ الطور هو الجبل بالسريانية، وهو الجبل الذي ناجى النبي موسى ربّه عليه، ونُقل أيضًا عن مجاهد بأنّ الجبل قد رُفع فوقهم كالسحابة وقيل لهم لتؤمنوا أو ليقع عليكم فآمنوا، وعن قتادة بأنّهم كانوا في أسفل الجبل فرُفع عليهم وقيل لهم لتأخذون بأمر الله أو ليُرمى عليكم، وعنه أيضًا أنّ الله تعالى قد اقتلع الجبل ورفعه عليهم، وقال لهم: خذوا ما آتيناكم بقوة، فأقروا بذلك.[٥]
وقد ذكر ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية أنّ الله تعالى يُذكّر بني إسرائيل بما أخذه عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده واتباع رسله، وأخبر بأنّ رفع الجبل على رؤوسهم كان ليقروّا بما عوهدوا عليه، وكي يأخذوا هذا العهد بقوة وحزم وهمّة وامتثال، ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}،[٦] كما نقل عن ابن عباس أنّهم لمّا امتنعوا عن الطاعة رُفع عليهم الجبل حتى يسمعوا فسجدوا امتثالًا، وقال السُّدي: أنّهم لمّا رفضوا السجود لله تعالى أمر سبحانه الجبل أن يقع عليهم، فلمّا رأوه قد أظلّهم خافوا فسجدوا على شقٍّ واحد، ونظروا بالشقّ الآخر -أي الجهة من الجسد- فرحمهم الله تعالى وكشف عنهم الجبل، وقيل: ما سجدةٌ أحبّ إلى الله من سجدةٍ كشف بها العذاب عنهم.[٧]
معاني المفردات في آية: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور
اهتم الكثير من العلماء بشرح مفردات القرآن الكريم وألّفوا في ذلك الكتب والمصنّفات، ومن أبرز هذه الكتب المتداولة بين الناس كتاب كلمات القرآن لمؤلفه محمد حسنين مخلوف، وفيما يأتي بيانٌ لمعاني المفردات في آية: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور، من هذا الكتاب وغيره من المعاجم اللغوية:
- أخذنا: من الأخذ وهو التناول والحصول على الشيء، وأخذ العهد والميثاق يعني الالتزام به.[٨]
- ميثاقكم: الميثاق هو العهد، ومعناه في هذه الآية العهد عليكم بالعمل بما في التوراة.[٩]
- رفعنا: من الرفع وهو إعلاء الشيء وإطالته والزيادة فيه، وعكسه الوضع والخفض.[١٠]
- فوقكم: فوق هو ظرف مكان يُفيد العلو والارتفاع سواءٌ كان هذا العلو معنويًا أو حسيًّا، وعكسه الظرف تحت، ومعنى فوقكم، أي: أعلاكم.[١١]
- الطور: الطور هو الجبل، ويُقال أنّه خاص بالجبل الذي ينبت عليه الشجر، ويُستخدم للدلالة على ما كان حدًّا للشيء أو كان بمحاذاته، كما يُقال لفناء الدار طور.[١٢]
إعراب آية: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور
التفسير وبيان معاني المفردات وأوجه القراءات ودلالات الكلمات هي علوم متكاملة تخدم القرآن الكريم وتزيد في فهمه لدى المسلمين وغيرهم، بالإضافة إلى علم إعراب القرآن الكريم، وقد تمّ بيان معنى آية: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور، وشرح ألفاظها، وفيما يأتي بيانٌ لإعراب مفردات هذه الآية الكريمة وجملها من كتاب الجدول في إعراب القرآن:[١٣]
- وإذ: الواو حرف عطف، إذ: اسم مبني على السكون في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره "اذكروا".
- أخذنا: أخذ: فعل ماض مبني على السكون، ونا الفاعلين ضمير متصل في محل رفع فاعل.
- ميثاقكم: ميثاق: مفعول به منصوب، كم: ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.
- ورفعنا: الواو حالية، رفع: فعل ماض مبني على السكون، ونا الفاعلين ضمير متصل في محل رفع فاعل.
- فوقكم: ظرف مكان منصوب متعلّق بـ "رفعنا"، كم: ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.
- الطور: مفعول به منصوب.
- جملة "أخذنا": جملة فعلية في محل جر بإضافة "إذ" إليها.
- جملة "رفعنا": جملة فعلية في محل نصب حال بتقدير "قد".
الثمرات المستفادة من آية: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور
حملت قصص بني إسرائيل الكثير من العبر والحِكم في طياتها وتفاصيلها، والآيات التي تحدّثت عنهم كثيرة جدًا؛ والعاقل من اعتبر بتلك الأخبار وترك العناد والجحود والمكابرة، وواظب على الطاعة والالتزام بلا تعنّت ولا تنطّع، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض الثمرات المستفادة من آية: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور:
- تدرُّج الله تعالى مع عباده حيث ذكر في غير ما آية كيف أنّه أخذ ميثاق بني إسرائيل وهو الإله القادر ومع استمرارهم بالعناد والتحريف إلّا أنّه أمهلهم كثيرًا وعفا عنهم حتى يتوبوا ويؤمنوا ويرجعوا عن أعمالهم، ومن كرمه سبحانه أن جعل باب التوبة مفتوح حتّى تخرج الروح من بني آدم وفي هذا إمهال عظيم للعباد ولكنّه لا يعني الاستمرار على الذنوب على أمل التوبة بعد مدّة، فأجل الإنسان لا يعلمه إلّا الله، وعذابه شديد وعقابه مُنجز.[١٤]
- كل ما كان من الأمور والعهود التي تضمنّتها مواثيق بني إسرائيل هي لمصلحتهم في الدنيا والآخرة، ولكنّ الاستكبار البشري والجهل جعلهم يظنّون أنّ في عدم التزامهم وتبديلهم للأوامر الإلهية خيرٌ لهم فأعملوا عقولهم القاصرة وابتعدوا عن شرع الله فاستحقوا الجزاء الربّاني العادل، وكذا جميع الشرائع الإلهية التي ختمها الله بالإسلام وجعله دين هداية للبشرية جمعاء ولن ينالوا الخير ما لم يلتزموا بشرائعه ويعتقدوا بعقائده.[١٥]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:281
- ↑ "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:63
- ↑ سورة البقرة، آية:83
- ^ أ ب ت "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:171
- ↑ "تفسير قوله تعالى وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أخذ في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى ميثاقكم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى رفعنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى فوقكم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الطور في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ "تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
- ↑ "سُورَةِ البَقَرَةِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.