معنى آية وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة

معنى آية: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة

منّ الله سبحانه على ابن آدم بأن كرّمه على سائر خلقه، وذكر تكريمه لهم في السماوات العلى، فقال: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}،^[٧] فقوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ}، أي يا محمد اخبر قومك أن الله قال لملائكته عن استخلاف آدم، والملائكة هي مخلوقات من نور, سماويّة، لها قدرة على التشكّل، مجبولة على الخير، قال لهم الله سبحانه عند إتمام خلق آدم عليه السلام، ويقال قبل نفخ الروح فيه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}،^[٨] واختلف المفسرون في معنى جاعل فقال جماعة منهم: معناها فاعل، وقال آخرون: خالق،^[٩] والخليفة هو الذي يقوم مقام من قبله، وقد تأتي في الآية بالمعنى المجازي لا الحقيقي، لأن الله لم يكن في الأرض أو عاملًا فيها فيوكل إلى الإنسان العمل من بعده، وقد تأتي بالمعنى الحقيقي إذا ثبت أن الأرض كانت معمورة من قبل، وهذا غير مثبت وينافي سياق الآية، فالآية توضح أن الله خلق الخليفة بعد إتمام الأرض، فالخليفة هنا الذي يخلف مالك الشيء في التصرف في مملوكاته، فآدم مستخلف في الأرض لعمارتها وسن القوانين والأنظمة لذريته، لتيسير سبل الاستخلاف، وليخلف بعضهم بعضًا.^[٨]

وقوله سبحانه: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، لا يعني أن الملائكة الكرام قالوا ذلك اعتراضًا على الله سبحانه، أو حسدًا لبني آدم، وإنما استفسارًا منه سبحانه عن حكمته في خلقهم، أي يا رب ما الحكمة من خلق آدم واستخلافه، وهل سيفسد أو يسفك الدم؟ فإن فعل ذلك فنحن نطيعك ولا نعصيك و {نسبح بحمدك ونقدس لك}،^[١٠] أو أنهم علموا أنهم سيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء بعلم خاص ولقوله سبحانه خليفة والخليفة هو الذي يفصل بين الناس في مظالمهم، فعلموا أن بني آدم سيبغي بعضهم على بعض، ويظهرون الفساد في البر والبحر.^[١١]

وأجاب الله الملائكة على استفسارهم عن حكمة استخلاف آدم وذريته على الأرض، بقوله سبحانه: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، أي أن لي حكمة في ذلك، وأن في هذا المصلحة الراجحة، وأنا أعلم أن في ذرية آدم من سيكون عابد طائع لي، مسبِّح بحمدي، يخطئ ويستغفرني وأغفر له، وأعلم أن سيكون منكم من يعصيني أي إبليس.^[١٢]

معاني المفردات في آية: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة

في الفقرة السابقة تم شرح مراد الله في قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، ^[١٣] بشيء من التفصيل، وفي هذه الفقرة سيتم بيان معاني المفردات الواردة فيها، وذلك فيما يأتي:

• قال: تكلّم، تلفظ، والقول: الكلام على الترتيب.^[١٤]
• ربك: الرب: الله، ولا تقال لغير الله إلا بالإضافة.^[١٥]
• الملائكة: جمع ملك، مخلوقات نورانية تطيع الله ولا تعصيه.^[١٦]
• جاعل: جعل الله الشيء، أي خلقه ونشأه.^[١٧]
• الأرض: هي التي عليها الناس، وهي أحد كواكب المجموعة الشمسية، وترتيبها الثالثة في فلكها حول الشمس.^[١٨]
• خليفة: من يخلف غيره ويقوم مقامه وينوب عنه.^[١٩]
• يفسد: الفساد بعكس الإصلاح، وهو التخريب ومجاوزة الصواب والحكمة.^[٢٠]
• يسفك: أي يريق الدماء عدوانًا وظلمًا.^[٢١]
• الدماء: الدم سائل يسري في جهاز الدوران للإنسان والحيوان.^[٢٢]
• نسبّح: تسبيح الله هو تعظيمه وتنزيهه وتمجيده.[مرجع]
• نقدس: قدس الله أي عظّمه ونزهه ومجدّه.^[٢٣]
• أعلم: أي أعرف.^[٢٤]

إعراب آية: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة

الإعراب له صلة متينة بالمعاني فهو يساهم في إيضاحها، وفي هذه الفقرة سيتم إعراب المفردات والجمل الواردة في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}،^[٢٥] وذلك فيما يأتي:

• إعراب المفردات:

• • وإذ: الواو حرف استئناف لا محل له من الإعراب، إذ: ظرف للزمن الماضي في محل نصب متعلق بالفعل "قالوا".^[٢٦]
  • قال: فعل ماضِ مبني على الفتح الظاهر على آخره.^[٢٧]
  • ربك: رب: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف, والكاف: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.^[٢٧]
  • للملائكة: اللام: حرف جر، الملائكة: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور "الملائكة" متعلق بالفعل "قال".^[٢٧]
  • إني: إن: حرف توكيد ونصب، مشبه بالفعل، الياء: ضمير متصل مبني في محل نصب اسم إن.^[٢٧]
  • جاعل: خبر إن مرفوع وعلامة رفعه تنوين الضم الظاهر على آخره.^[٢٧]
  • في الأرض: في: حرف جر، الأرض: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور "في الأرض" متعلقان باسم الفاعل "جاعل".^[٢٧]

• • خليفة: مفعول به لاسم الفاعل جاعل منصوب، وعلامة نصبة تنوين الفتح الظاهر على آخره.^[٢٧]
  • قالوا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الفاعل، والواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.^[٢٧]
  • أتجعل: الهمزة للاستفهام، تجعل: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.^[٢٧]
  • فيها: في: حرف جر، ها: ضمير متصل مبني في محل جر اسم مجرور، والجار والمجرور "فيها" متعلقان بالفعل " تجعل".
  • من: اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به.^[٢٧]
  • يفسد: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل: ضمير مستتر تقديره هو.^[٢٧]
  • فيها: في: حرف جر، ها: ضمير متصل مبني في محل جر اسم مجرور، والجار والمجرور "فيها" متعلقان بالفعل "يفسد".^[٢٧]
  • ويسفك: الواو عاطفة، يسفك: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.^[٢٧]
  • الدماء: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.^[٢٧]
  • ونحن: الواو حالية، نحن: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.^[٢٧]
  • نسبح: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن.^[٢٧]
  • بحمدك: بحمد: الباء حرف جر، حمد: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره وهو مضاف، والجار والمجرور "بحمد" متعلقان بمحذوف حال، والكاف: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.^[٢٧]

• • نقدس: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن.^[٢٧]
  • لك: اللام: حرف جر، الكاف: ضمير متصل مبني في محل جر اسم مجرور، والجار والمجرور "لك" متعلقان بالفعل "نقدس".^[٢٧]
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على آخره.^[٢٧]
  • إني: إن: حرف توكيد ونصب، مشبه بالفعل، الياء: ضمير متصل مبني في محل نصب اسم إن.^[٢٧]
  • أعلم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.^[٢٧]
  • مالا: ما: اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به، لا: النافية.^[٢٧]
  • تعلمون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.^[٢٧]

• إعراب الجمل:

• • جملة "قال ربك": في محل جر بإضافة إذ إليها.^[٢٧]
  • جملة "إني جاعل": في محل نصب مقول القول.^[٢٧]
  • جملة "من يفسد": صلة الموصول من، لا محل لها من الإعراب.^[٢٧]
  • جملة "يسفك الدماء": معطوفة على جملة الصلة، لا محل لها من الإعراب.^[٢٧]
  • جملة "نحن نسبح": في محل نصب حال.^[٢٧]
  • جملة "نسبح": في محلّ رفع خبر المبتدأ نحن.^[٢٧]
  • جملة نقدس": معطوفة على جملة نسبح، في محل رفع.^[٢٧]
  • جملة "قال": استئنافية بيانية لا محل لها من الإعراب.^[٢٧]
  • جملة "إني أعلم": في محل نصب مقول القول.^[٢٧]
  • جملة "أعلم": في محل رفع خبر إن.^[٢٧]
  • جملة "تعلمون": صلة الموصول ما، لا محل لها من الإعراب.^[٢٧]

الثمرات المستفادة من آية: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة

يستفاد من قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}،^[٢٨] العديد من الثمرات والفوائد، يمكن ذكر أبرزها فيما يأتي:

• أن الله فضل الإنسان على سائر مخلوقاته، وأوكل إليه أشرف المهام، إذ شرفه وأوكل إليه عمارة الكون، وهذا التشريف يجب أن يستحضره كل إنسان في كل وقت وحين، لكي لا يضلّ الطريق ولكي لا يعث في الأرض الفساد.
• أن الإنسان يحق له أن يسأل عن أي شيء يعترضه أو يحيره، مهما كانت رتبة الموجّه إليه السؤال، فالسؤال هو بداية العلم والمعرفة، وذلك يستفاد من سؤال الملائكة لله عن حكمته وجواب الله لهم دون نهرهم عن السؤال، .
• أن اللإنسان مجبول على الشر، والملائكة استدركت ذلك قبل خلقه، ولذلك وجب على الإنسان تهذيب بذرة الشر وأعظم سبيل لتهذيب النفس هو طاعة الله تعالى.