محتويات
سورة النور
سورة النور هي سورة مدنية ومن المثاني فعدد آياتها هو 64 آية، وهي السورة الرابعة والعشرين في ترتيب سور القرآن الكريم، حيث تقع في الجزء الثامن عشر، وقد نزلت بعد سورة الحشر، وبدأها الله تعالى بأنّ هذه السورة منزلة ومفروضة وفيها آيات بيّنات، حيث قال في مطلعها: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}،[١] فهذه الآية تدلّ على أهمية الأحكام التي سيتم بيانها في هذه السورة الكريمة، والسبب في تسميتها بسورة النور ورود قوله تعالى: نورٌ على نور فيها؛ وقيل أنّ تطبيق تعاليمها يجعل المجتمع الإسلامي يشعُّ نورًا ويخرج أفراده من الظلام إلى النور، حيث إنّها اهتمّت بالآداب الاجتماعية فتكلّمت عن المواضيع التي تخصّ المجتمع والأسرة المسلمة، ومن هذه المواضيع حادثة الإفك والإرشاد إلى كيفية التعامل مع الشائعات، وبيان حد الزنا وعقوبة القذف والحض على غض البصر، والأمر بالحجاب والحديث عن الاستئذان بتفصيل، وسيتناول هذا المقال معنى آية: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا، بالشرح التفصيلي.[٢]
معنى آية: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا، بالشرح التفصيلي
الاستئذان أدب رفيع يدلّ على رُقي الثقافة الإسلامية وعمق تعاليم الدين الإسلامي، وقد قال تعالى في سورة النور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}،[٣] فهذه الآيات تُرشد إلى كيفية الاستئذان قبل أن يصل الأطفال إلى سنِّ البلوغ وبعده.[٤]
وقد قال الإمام الطبري عند بيانه لمعنى آية: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا، بأنّ الله تعالى يخبر عباده أنّه إذا بلغ الصغار من أولادهم وأقاربهم الحُلُم أي الاحتلام، فيجب عليهم أن يستأذنوا في كلّ وقتٍ وحين، فقد تغيّر حكمهم ولم يعد الاستئذان واجبًا عليهم في الأوقات الثلاثة فقط وهي فترة الظهيرة وبعد صلاة العشاء وقبل صلاة الفجر، ومعنى "منكم" أي من أحراركم وفي هذا تمييز لما ملكت أيمانهم بأنّهم لم يدخلوا في هذا الحكم، فالمماليك لهم حكم واحد كبارًا وصغارًا وهو وجوب الاستئذان في الأوقات الثلاثة، وقد قال تعالى: كما استأذن الذين من قبلهم، أي: مثلما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه الأحرار في جميع الأوقات ولم يُسمح لهم بالدخول دون طلب الإذن.[٥]
ونقل الطبري بعض الآثار التي تُفسّر هذه الآية، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أمّا من بلغ الحلم فإنّه لا يدخل على الرجل وأهله، أي من الصبيان الأحرار إلّا بإذن على كلّ حال، وعن عطاء بن أبي رباح أنّه قال بوجوب استئذان جميع الناس -إذا احتلموا- عند إرادتهم الدخول على غيرهم، كما نُقل عن سعيد بن المسيب أنّه سُئل هل يستأذن الرجل على أمّه، فقال بأنّ الآية التي تدلّ على وجوب الاستئذان بكل وقت بعد البلوغ قد نزلت، فقوله تعالى: كذلك يبيّن الله لكم آياته، يدلّ على أنّ الله تعالى يُبيّن للعباد آياته وأحكامه وشرائع دينه، كما بيّن لهم أمر الأطفال بعد البلوغ، وقوله تعالى: والله عليمٌ حكيم: أي عليم بما يُصلح خلقه وغير ذلك من من الأشياء وحكيم في تدبيره.[٥]
كما فسّر البقاعي هذه الآيات وذكر مناسبة ذكر الكبار بعد الأطفال فقال أنّ الله تعالى بيّن حكم الأرقّاء والصبيان لأنّهم للأمر أطوع وأقبل على الخير، ثمّ بيّن حكم البالغين، وأوضح البقاعي بأنّ الحلم هي السن الذي يكون فيه إنزال المني برؤية الجماع في النوم، وهذا أصله إلّا أنّه يُطلق على إنزال المني بشكل عام، وقال بوجوب الاستئذان في جميع الأوقات على الطفل بعد أن يحتلم، كما نقل عن سعيد بن جبير وغيره من السلف الكرام أنّ الصبي يستأذن في الأوقات الثلاث إذا كان عمره أربع سنوات، فإن بلغ استأذن في جميع أوقاته،[٦] فزرع هذه الآداب الإسلامية في نفوس الناشئة من الأوامر الإلهية التي يجب أن يتمسّك بها المؤمنون.[٧]
وقد ذكر بعض أهل العلم سبب نزول هذه الآيات، وهو أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قد أرسل غلامًا من الأنصار إلى عمر بن الخطاب يدعوه له فوجده نائمًا في فترة الظهيرة، فدّق الباب ودخل، فاستيقظ عمر فانكشف منه شيء، فقال: وددت لو أنّ الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا في هذه الساعة إلّا بإذن، ثمّ ذهب إلى رسول الله فوجد هذه الآية قد نزلت فسجد لله شُكرًا، كما روي أنّ أسماء بنت مرثد كان لها غلامٌ كبير وقد دخل عليها في وقتٍ كرهت دخوله فيه، فأتت رسول الله وأخبرته بكراهيتها لذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآيات التي توجب الاستئذان في الأوقات الثلاثة، التي قد يكون المرء فيه متحلّلًا من بعض ثيابه أو يكون فيها مظنّة مواقعة الرجل لأهله، حيث نقل بعض أهل العلم أنّ أُناسًا من أصحاب رسول الله كان يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ثمّ يغتسلوا ويخرجوا للصلاة في المسجد.[٧]
معاني المفردات في آية: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا
هل لمفردات هذه الآية معاني؟ من جمال اللغة العربية وسحرها أنّ المفردة الواحدة تُستعمل الاستعمالات المتعددة والذي يُبيّن معناها هو السياق الذي وردت فيه، كما أنّ الكلمة الواحدة يكون لها أكثر من معنى تختلف باختلاف ضبطها فالحِلم هو ضبط النفس، والحُلْم هو ما يراه النائم خلال نومه، أمّا الحُلُم في قوله تعالى: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا، ففيما يأتي بيان معناه بالإضافة إلى بقية مفردات الآية الكريمة:
- بلغ: من البلوغ وهو الوصول.[٨]
- الأطفال: جمع طفل وهو الصغير من كل شيء.[٩]
- الحلم: الحُلُم هو سن الرشد، وبلوغ الأطفال الحلم يعني وصولهم لسن الرشد والبلوغ.[١٠]
- فليستأذنوا: من الاستئذان وهو طلب الإذن، وإعطاء الإذن بالشيء يعني جعله مباحًا، كمن يستأذن غيره للدخول فيسمح ويُبيح له ذلك.[١١]
إعراب آية: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا
اعتنى علماء الإسلام بآيات الأحكام عنايةً شديدة واهتموا بها اهتمامًا مضاعفًا، وذلك لشدّة أهميتها وارتباطها الوثيق بحياة الناس ومعاملاتهم وعباداتهم، فالفقه الإسلامي قائم في كثير من تفصيلاته وأحكامه على هذه الآيات، وقد ظهرت كتب تفسير خاصة بآيات الأحكام وكذلك الأمر بالنسبة لكتب إعراب القرآن، ومن هذه الآيات آية: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا، وفيما يأتي بيانٌ لإعراب هذه الآية الكريمة من كتابي الجدول في إعراب القرآن وإعراب آيات الأحكام في القرآن الكريم:
- وإذا: الواو: حرف استئناف، إذا: ظرف زمان شرطي مبني على السكون في محل نصب.[١٢]
- بلغ: فعل ماض مبني على الفتحة.[١٢]
- الأطفال: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.[١٢]
- منكم: من: حرف جر، كم: ضمير متصل في محل جر بحرف الجر،[١٢] والجار والمجرور متعلّقان بحال من الأطفال.[١٣]
- الحلم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٢]
- فليستأذنوا: الفاء: رابطة لجواب الشرط، اللام: لام الأمر، يستأذنوا: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون لأنّه من الأفعال الخمسة، واو الجماعة: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.[١٢]
- جملة "بلغ الأطفال": جملة فعلية في محل جر مضاف إليه.[١٣]
- جملة "يستأذنوا": جملة جواب الشرط غير الجازم، لا محل لها من الإعراب.[١٣]
الثمرات المستفادة من آية: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا
ما هي الثمرات المستفادة من هذه الآية؟ آيات الأحكام هي الآيات المتضمنّة لبعض أحكام الإسلام وتشريعاته، وقد تدلّ الآية على حكم واحد بشكل واضح وصريح، ولكنّ الغوص في معانيها وسبر دلالاتها والتفكّر في مراميها يُبيّن أنّ فيها أحكامًا أخرى بالإضافة إلى الحكم الأصلي، فالفوائد المُستخلصة من الآيات القرآنية بشكل عام ومن آيات الأحكام بشكل خاص كثيرةٌ جدًا، ومن هذه الآيات قوله تعالى: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا، وفيما يأتي بيانٌ لبعض الثمرات المستفادة من هذه الآية:
- الاستئذان ضرورة مجتمعة وأُسرية فهو يُساهم في الحفاظ على المجتمع والأسرة من الانحلال والتفكك الداخلي.[٧]
- وجوب تعليم الصغار الآداب الإسلامية وحضّهم على التحلي بأخلاق الإسلام الرفيعة.[٧]
- الاحتراز عن كشف العورات ورؤية الأطفال لما لا ينبغي أن يظهروا عليه، من الأمور التي يجب أن يحرص عليها الآباء والأمهات.[١٤]
- الآباء مكلّفون بتعليم أبنائهم العلم الشرعي فالخطاب موجّه لهم في هذه الآيات.[١٤]
- ذكر العلة والسبب من الحكم هو من سمات المربّي والمُرشد الذكي، فهذا أدعى للامتثال والتطبيق.[١٤]
- دقة التشريعات الإسلامية في اختيار الأوقات التي تكون مظنة انكشاف العورة وغير ذلك من الأمور التي لا ينبغي الاطلاع عليها، فأوجب الله تعالى في هذه الأوقات الاستئذان على الصغير والكبير.[١٤]
- البلوغ هو الحد الفاصل في كون الاستئذان مشروع في الأوقات الثلاثة أم بكلّ وقتٍ وحين.[٧]
- شرع الله تعالى هو شرع حكيم والتزامه والتمسك به هو سبيل الهدى والفلاح في الدنيا والآخرة.[٧]
المراجع
- ↑ سورة النور، آية:1
- ↑ "سورة النور"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية:58-59
- ↑ "سُنَّة الاستئذان بالسلام"، en.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ^ أ ب "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح "تفسير: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى بلغ في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الاطفال في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الحلم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى فليستأذنوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح "إعراب آيات الأحكام في القرآن الكريم"، books.google.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "مع القرآن - وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.