معنى آية وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون، بالشرح التفصيلي

سورة الحج

سورة الحج هي سورة مدنية ما عدا الآيات 52-55 فنزلت بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي من السور المئين فعدد آياتها قريب من المئة وهو 78 آية، وهي السورة الثاني والعشرين في ترتيب سور القرآن، ومن ميزاتها أنّها تضمنّت سجدتين، ويُقال أنّ السجدة الثانية فيها هي آخر سجدة نزلت من القرآن الكريم، وقد نزلت سورة الحج بعد سورة النور، وسُميّت بهذا الاسم لأنّها تحدثت عن الحج أحد الأركان الخمسة، وقد بدأها الله تعالى بإنذار للناس جميعًا، حيث قال في مطلعها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}،[١] ومن المواضيع التي تضمنتّها هذه السورة الحديث عن يوم القيامة والبعث والنشور، كما أذن الله تعالى لعباده المؤمنين بالجهاد، وقد أخبر الله تعالى فيها عن الفارق في حساب اليوم بين ما هو لدى البشر وما هو عنده سبحانه، وسيتناول هذا المقال معنى آية: وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون، بالشرح التفصيلي.[٢]


معنى آية: وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون، بالشرح التفصيلي

إنّ عنصر الزمن واضح في الكثير من الآيات والسور القرآنية فكثيرًا ما أقسم سبحانه بأوقات النهار كالفجر والضحى والعصر، كما Hكثُر الحديث عن اقتراب الساعة وأنّها واقعة لا محالة، وأنّ الله تعالى سيجزي المؤمنين وسيحاسب الكافرين ويعذّبهم بنار جهنم، وقد قال في سورة الحج: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}،[٣] وقد فسّر الإمام الطبري هذه الآية فقال: الخطاب موجّه في هذه الآية للرسول الكريم محمد حيث أخبره الله تعالى بأنّ الكفار والمشركين يستعجلونه بنزول العذاب عليهم في الدنيا جزاءً لكفرهم وعقابًا على تكذيبهم، فالله لن يُخلف وعده وسيُنزل عليهم عذابه وسخطه الذي استعجلوه وقد حصل ذلك يوم بدر.[٤]


وقد ذكر الطبري اختلاف أهل التأويل في بيان معنى آية: وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون، حيث قال البعض بأنّ المقصود هو أحد الأيام الستة التي خلق الله تعالى فيها السماوات والأرض بينما قال آخرون المقصود هو أحد أيام الآخرة، وقد روي عن ابن عباس ومجاهد آثار تدلّ على أنّهما قالا بالقولين معًا، ومنها قول ابن عباس في تفسيره لهذه الآية: أنّ اليوم الذي مقداره ألف سنة في حساب البشر هو من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض، وقال أيضًا: مقدار الحساب يوم القيامة ألف سنة، والذي يؤيد هذا المعنى ما رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بًالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذاك خمس مائة سنة"،[٥] فإذا كان نصف اليوم في الآخرة 500 سنة فإنّ اليوم ألف سنة -والله تعالى أعلم-.[٤]


وممّن قال أنّه من أيام الآخرة من المفسرين عكرمة حيث قال بأنّ المقصود هو يوم القيامة، وقال آخرون أنّ أيّام العذاب في الدنيا والآخرة هي كألف سنة من الأيام المعدودة في الدنيا، في حين اختار البعض أنّ المقصود هو أنّ الله تعالى يمهل ولا يهمل وأنّه لا يستعجل العذاب على مستعجليه وإنّما ينزله بحينه فالبطيء بالنسبة لهم قريب عنده تعالى، كما قيل أنّ المعنى هو ثقل أيّام العذاب وشدّة وقعها على المعذبيّن فيشعرون أنّها طويلة جدًا، واختار الطبري أنّ المراد هو أنّ ذلك اليوم هو يوم القيامة وأنّ الكافرين يستعجلون العذاب ولكنّ الله تعالى يؤجلّه إلى وقته، فيملي للظالمين ويمدّهم في طغيانهم حتى إذا جاءت ساعتهم واقترب حسابهم عذبّهم وأنجز وعده.[٤]


وقال الواحدي في تفسيره أنّ اليوم هو يوم العذاب حيث إنّ أيام الآخرة كألف سنة من الذي يعدّوه البشر في الدنيا، كما ذكر البغوي أنّ الآية نزلت في النضر بن الحارث حيث استعجل العذاب وطلب من الله أن يُنزل عليه حجارةً من السماء إذا كان ما جاء به رسول الله حقّ ومن عنده تعالى، أمّا عن المراد بهذا اليوم فنقل عن ابن زيد أنّه قال هي أيّام الآخرة، وفسّر اليوم في قوله تعالى في سورة المعارج: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}،[٦] بأنّه يوم القيامة، كما ذكر أنّ البعض قالوا أنّ أيام العذاب طويلة لشدتها وثقلها فكيف يستعجلها هؤلاء الكفار، وقال البعض الآخر أنّ الله تعالى قادر على إيقاع العذاب في أي وقت فيستوي في الإمهال بالنسبة له السنة والألف ولا يفوته شيء بالتأخير والإمهال.[٧]


ومن التفسيرات الواردة لهذه الآية، أنّ الله تعالى يخبر الكفار بأنّهم استعجلوا العذاب في أيام قصيرة ولكنّه سيأتيهم به في أيام طويلة، كما قال الفرّاء أنّ المراد هو وعيد الله تعالى لهم بامتداد عذابهم في الآخرة، وقال البعض أنّ المقصود هو أنّ أيام العذاب والشدّة في الآخرة هي كألف سنة من أيام العذاب في الدنيا،[٨] وقد اختار ابن كثير أنّ الآية تدلّ على أنّ الله تعالى لا يعجل فإنّ مقدار ألف سنة عند الخلق هو كاليوم الواحد بالنسبة لحكمه، فهو عليم بأنّه قادر على الانتقام في أيّ وقت وأنّه لا يفوته شيء، والدليل قوله في الآية التالية: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}،[٩] فالله تعالى يؤجل ويُنظِر ويُملي وفقًا لحكمته وعلمه سبحانه.[١٠]


وفي التوفيق بين الآية الواردة في سورة الحج والتي تبيّن أنّ مقدار اليوم عند الله تعالى هو ألف يوم من أيام الدنيا والآية الواردة في سورة السجدة والتي يظهر فيها أنّ مقدار اليوم في العروج هو ألف سنة، والآية الواردة في سورة المعارج والتي تبيّن أنّ هذا اليوم هو بمقدار خمسين ألف سنة من أيام الدنيا، يقول أهل العلم أنّه هناك طريقتين الأولى وهو تفسير ابن عباس في أنّ اليوم في سورة الحج هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، واليوم في سورة السجدة هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه، واليوم في سورة المعارج هو يوم القيامة، أمّا الطريقة الثانية فهي أنّ هذا الاختلاف عائد للاختلاف في حال المؤمن والكافر، فهو يوم عسير على الكافرين.[١١]


معاني المفردات في آية: وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون

نزل القرآن الكريم بلغة قريش على عربٍ خُلّص فكانت ألفاظه في قمة الفصاحة والإتقان وكل لفظة موضوعة في موقعها المناسب وتدلّ على معنى دقيق حيث لا يمكن استبدال لفظ بلفظٍ آخر، وفهم المفردات ضرورة في فهم الآية ككل، وفيما يأتي بيانٌ لمعاني المفردات في آية: وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون:

  • يومًا: زمن مقداره من طلوع الشمس إلى غروبها.[١٢]
  • ربك: الرب هو اسم لله تعالى.[١٣]
  • كألف: الألف هو عدد ومقداره عشر مئات.[١٤]
  • سنة: مقدار من الزمن ويختلف باختلاف التاريخ وطريقة العد، وهو نحو من 365 يومًا.[١٥]
  • تعدون: العد هو الإحصاء والحساب.[١٦]

إعراب آية: وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون

الإعراب فرع المعنى ففهم المعنى هو الأساس الذي يقوم عليه الإعراب، وقد تمّ تفسير آية: وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون، وبيان معاني مفرداتها، وفيما يأتي إعرابها:[٨]

  • وإنّ: الواو استئنافية، إنّ حرف مشبّه بالفعل.
  • يومًا: اسم إنّ منصوب.
  • عند: ظرف مكان متعلّق بمحذوف صفة ليوم.
  • ربك: مضاف إليه والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • كألف: الكاف حرف جر، ألف اسم مجرور، والجار والمجرور متعلقان بخبر إنّ.
  • سنة: مضاف إليه مجرور.
  • ممّا: من حرف جر، ما اسم موصول في محل جر، والجار والمجرور متعلقان بصفة محذوفة لسنة.
  • تعدوّن: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل.
  • جملة "تعدّون": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.


الثمرات المستفادة من آية: وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون

القرآن الكريم هو كتاب الله المعجز الذي أنزله على عباده ليكون هداية لهم في الدنيا وسبيل النجاة لهم في الآخرة، فالتزام أحكامه وأخذ العبرة من قصصه هو أحد مقاصد تنزيله، فالفوائد كثيرة والثمرات عظيمة من جميع سوره وآياته، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض الثمرات المستفادة من آية: وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون:

  • أهمية الزمن والوقت في الحياة حيث إنّ القرآن الكريم قد اشتمل على الكثير من الآيات والسور التي تشير إلى الزمن وتهتم به ومنها هذه الآية.[١١]
  • إنّ الله تعالى يمهل ولا يهمل وهذا لا يعني استبطاء العذاب واستمهاله.[١٠]
  • كما أنّ أيام العذاب طويلة وشديدة فإنّ أيام النعيم رغيدة وهي ليست كنعيم الدنيا وهنائها بل هي أجمل وأعظم.[٨]
  • قصور إدراك البشر عن طول العذاب في الآخرة يجب أن يزيد في خوفهم من هذا العذاب ويجعلهم أكثر التزامًا وإيمانًا.[٨]
  • عظمة الله تعالى في إمهاله للكافرين رغم أنّهم قد طابوه بألسنتهم، ولكنّ الله قد خلق الخلق لعبادته ولم يخلقهم ليعذبهم ولكن البعض يُصر على كفره وعناده فيستحق العذاب في الدنيا والآخرة.[٧]

المراجع

  1. سورة الحج، آية:1
  2. "سورة الحج"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  3. سورة الحج، آية:47
  4. ^ أ ب ت "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  5. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:3666، حديث سكت عنه وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح.
  6. سورة المعارج، آية:4
  7. ^ أ ب "تفسير: (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث "(الحج - 47)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  9. سورة الحج، آية:48
  10. ^ أ ب "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  11. ^ أ ب "آيتين من آيات القرآن الكريم ذکر الله سبحانه وتعالى أن اليوم عند الله کألف سنه مما تعدون ."، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى اليوم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى الرب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى الألف في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى السنة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  16. "تعريف و معنى العد في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
5476 مشاهدة
للأعلى للسفل
×