محتويات
سورة القصص
سورة القصص إحدى سور القرآن الكريم المكية أي التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة قبل الهجرة، عدا الآيات من 52 إلى 85 فهي مدينة، والسورة من السور المثاني، تقع في الجزء العشرين من المصحف الشريف ورقم ترتيبها فيه 28، عدد آياتها 88 آية كريمة، وقد كانت السورة بعد سورة النمل نزولًا، بدأت السورة مثل العديد من سور القرآن الكريم بحروف مقطعة، حيثُ يقول تعالى في مطلعها: {طسم* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}،[١] سمِّيت السورة بسورة القصص لورود قصة موسى -عليه السلام- فيها من اليوم الذي ولدَ فيه إلى وقت الرسالة بشكل مفصَّل، ومن المواضيعِ التي تناولتها السورة عظمة القرآن وحقيقته وصدقه، وأنَّ العلماء يعرفون هذه الحقيقة ويعترفون بأنَّه الحق الذي أنزله الله، وأنَّ الهداية بيد الله وحده وليست بيد النبي ولا غيره، لأنَّ الله أعلم بالذي يصلح للهداية ومن لا يصلح لها، والرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه إرشاد الناس إلى الطريق المستقيم.[٢]
معنى آية: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، بالشرح التفصيلي
في الحديث عن معنى آية: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، بالشرح التفصيلي، يجب أن يتمَّ المرور على بعض المعلومات حول الآية، إذ تقع الآية الكريمة التي سيدور الحديث حولها في سورة القصص وهي الآية رقم 77 منها، ذكرها الله في سياق الحديث عن قارون وهو رجل ثري من قوم موسى -عليه السلام- آتاه الله مالًا كثيرًا وكنوزًا عظيمة فطغى وبغى على قومه، وفي الإشارة إليه وردَت الآية مثل نصيحة له، حيثُ يقول تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ* قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}،[٣]
وتحثُّ الآية على أن يطلبَ المرءُ الدارَ الآخرة والنجاة فيها بما أعطاه الله تعالى من نعمٍ في الدنيا من مال وجاه وغيرها، فينفقها في سبيل الله ابتغاء الفوز بجنة النعيم، فمن حقِّ المؤمنين أن يصرفوا الدنيا وما أعطاهم الله فيها للحصول على ما ينفعهم في الدار الآخرة لا في التكبر والتجبر والبغي على الناس، ورغم ذلك يجب على المسلم أن لا ينسى نصيبه من الدنيا، وفي هذه أكثر من تفسير، فقد رآى الجمهور ومنهم ابن عباس أنَّ معنى: ولا تنس نصيبك من الدنيا أي لا تضيِّع عمرك من دون أعمال صالحة تنفعك في آخرتك، فنصيب الإنسان من دنياه عمره وأعماله الصالحة، وقد تمَّ تأويل الكلام على التشديد في الموعظة، وأشار آخرون إلى أنَّ المعنى المُراد هو أن لا يضيِّع الإنسان حظَّه من المتع التي أباحها الله له في الدنيا، فيعمل لآخرته ويتمتع بالحلال المباح له في دنياه، وفي هذا التفسير بعض الرفق واللين، وقال مالك معناه الأكل والشرب، وذهب آخرون إلى أنَّ نصيب الإنسان من الدنيا الكفن فقط، وهذا مبالغة في الوعظ واستمرار له في الآية.[٤]
وفي بعض التفاسير أنَّ الله يخبرُ عن نصيحة القوم التي وجَّهوها إلى قارون ومعنى الآية: أي يا قارون لا تبغِ على الناس من حولك وتتطاول وتتجبر بكثرة المال الذي أعطاك إياه الله، واقصد في النعم التي أعطاك إياها الله تعالى من خيرات وأموال في أن تنال الدار الآخرة، وما فيها من فلاح ونجاة وجنَّات،[٥] فتعمل بطاعة الله وتنفق في سبيل الله في الدنيا للحصول على الجنة يوم القيامة، ومع ذلك يجب عليك أن لا تنسى حظَّك ونصيبك من الحياة الدنيا، فتأخذ منها بنصيبك من الآخرة، فتعمل فيها أعمالًا تنجيك يوم القيامة، وعلى هذا النحو قال معظم المفسرين، كابن عباس ووكيع وغيرهما، مع أنَّ البعض أشار إلى أنَّ نصيب الإنسان من الدنيا الرزق الحلال فيها أو ما أحل الله للإنسان من متعٍ في الدينا تغنيه عن ما حرَّم الله، وهي أن يطلب الإنسان الحلال في دنياه، ويعمل لآخرته للفوز بفضل الله ورحمته.[٦]
معاني المفردات في آية: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة
هل لمفردات هذه الآية معاني؟ تساعد معرفة معاني مفردات الآية في إيصال المعنى المقصود منها، فتفسير آيات كتاب الله يستدعي الإحاطة بأكثر من أمر حتَّى يتَّضح المعنى أكثر، منها معاني المفردات وأسباب النزول وغيرها، وفيما يأتي سيتمُّ معاني المفردات في آية: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة:
- ابتغ: من الفعل ابتغى ويبتغي ابتغاءً، الفاعل مبتغٍ والمفعول مُبتَغى، ومعنى ابتغى الأجر أو الثواب: طلبه وأراده، ابتغى فلانًا: صحبَه، مُبتغاه: مطلبه وحاجته والشيء الذي يسعى للحصول عليه، ابتغِ: اطلب واقصد.[٧]
- آتاك: أتى ويؤتي إتيانًا، الفاعل آتٍ والمفعول مأتيٌّ، أتى الرجل: وصل وحضر وحلَّ، وآتى وآتيتُ وأوتيَ ويؤتي، ومصده إيتاء، ومعنى آتاه الله رزقًا عظيمًا: أعطاه ووهبه، آتاه النعم: أعطاه إياها وساقها له، آتاه بالغداء: جاء به، وآتى بمعنى أعطى ووهب ومنح.[٨]
- الدار: الدار المكان أو المحل الذي يجمع بناء وساحة، وهو المنزل المسكون، ويُطلق على البلد والقبيلة أيضًا، ودار الإسلام هي بلاد المسلمين، ودار السلام هي الجنة كما وصفها الله تعالى في كتابه.[٩]
- الآخرة: الآخرة هي مقابل للأولى، والآخرة هي الدار التي يحيا فيها الإنسان بعد الموت، وحصل الامر بآخرةٍ: أي حصل أخيرًا.[١٠]
إعراب آية: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة
يعدُّ إعراب مفردات الآيات من الأبحاث التي تساعد على الوصول إلى المعاني الدقيقة لها، حيثُ يتحدَّد موقع ومهمة كل كلمة وبالتالي المعنى الذي تحمله، وقد أُفردَت كتب كاملة في إعراب القرآن الكريم وخصوصًا في العصر الحديث، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج إعراب آية: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، إعراب مفردات وجُمَل:[١١]
- وابتغ: الواو حرف عطف، ابتغ: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.
- فيما: في: حرف جر، ما: ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل، وجملة "ابتغ فيما" معطوفة على جملة في محل نصب فهي في محل نصب.
- آتاك: فعل ماض مبني على الفتح والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
- الله: لفظ الجلالة فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
- الدار: مفعول به منصوب للفعل ابتغِ وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
- الآخرة: صفة للدار منصوبة وعلامة نصبه الفتحة.
الثمرات المستفادة من آية: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة
ماذا يُستفاد من هذه الآية؟في نهاية المطاف تجدر بالذكر الثمرات المستخلصة من الآية الكريمة سابقة الذكر، ففي كلِّ آية من كتاب الله عبر وتعاليم جليلة على المسلم أن يتبعها ويلتزم بأدائها خلال حياته، لأنها تمثل منهاجًا إلهيًا عظيمًا يقوِّم حياة المسلمين ويدلُّهم على الصراط المستقيم، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر الثمرات المستفادة من آية: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة:[١٢]
- لا يجوز أن يتكبَّر الإنسان على خلق الله إذا أعطاه من فضله ورزقه من الخيرات والمال الكثير.
- الخير بيد الله والأرزاق بيده يؤتيها من يشاء من عباده، ولا يجوز للمسلم أن يعترض على ذلك، أو أن يحسدَ الناس على ما أعطاهم الله أو أن يتمنى زوال النعم عن أصحابها لينالها.
- على الإنسان أن يبتغِ الدار الآخرة ويسعى إلى نيلها والفوز بجنة النعيم من خلال ما أعطاه الله من نعم في هذه الدنيا.
- في سعي المسلم للفوز بالآخرة لا ينسى أن ينال نصيبه من الدنيا بما أحله الله له من نعم ومتاعات أباحها الله تعالى.
- الجزاء من جنس العمل، وعلى المسلم أن يساعد الناس ويُحسن إليهم بما أنعم الله عليه من خيرات وأموال، لا أن يبغي عليهم ويتجبَّر.
- إنَّ نشر الفساد بين الناس وإفساد الأرض من أبغض الأعمال عند الله تعالى، لذلك حرَّم الله تعالى على الإنسان أن يُفسد في الأرض، أو أن يسعى إلى تحقيقه.
- الاعتراف بأنَّ الله هو المُنعم من صفات المؤمنين، وأمَّا المشركون والمنافقون يدَّعون أنَّ ما آتاهم الله من نعم ومال وخير كثير إنَّما خصلوا عليه بجهدهم وقوتهم، متناسين قدرة الله الذي أهلك قبلهم من هم أقوى وأشدُّ وأعتى منهم.
المراجع
- ↑ سورة القصص، آية:1-2
- ↑ "سورة القصص"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ سورة القصص، آية:76-78
- ↑ "تفسير القرطبي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ " القول في تأويل قوله تعالى " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "القول في تأويل قوله تعالى " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى ابتغ في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى آتى في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الدار في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الآخرة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: إعراب القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.