معنى آية واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، بالشرح التفصيلي

سورة الأنفال

تُعدُ سورة الأنفال من السورِ السبعِ الطوال؛ إذ يبلغُ عددُ آياتِها 75 آية، وهي سورَةٌ مدنيةٌ ما عدا الآيات 33 -36 في آياتٌ مكيةٌ، وقد نزلت بعد سورة البقرةِ وهي السورةُ الثامنةُ في كتابِ الله، وبدأت السورةُ بفعل مضارع حيث قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}،[١] وجاءَ في السورةِ أحكام تشريعيةٌ تتعلقُ بالجهادِ في سبيل الله وفي الغزوات، فَعُنيت بأحكامِ الغنائم التي ينالها المُسلمين في غزواتِهم وأحكام الأسرى ونزلت بعدما بدأ المُسلمين في قتال المُشركين، أي بعدَ غزوةِ بدر، كما قد عالجت السورة ما يخص الأمور الحربية التي ظهرت بعد الغزوات، واحتوت على العديد من التشريعات الحربية والإرشادات التي يوجِهها الله تعالى لعبادِهِ المؤمنين لتكونَ لهم نهجًا يتبعونَهُ في جميعِ معاركهم، ولم تُهمل السورةُ جانبَ السلمِ والأسرى والغنائم، حتى أن سبب تسميتها بالأنفال هو وجودُ حكم الأنفال فيها، ومعنى الأنفال هو الغنائم.[٢]

معنى آية: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، بالشرح التفصيلي

من الآيات التي جاءت في سورة الأنفال واختلفَ المفسرونَ في تأويلها هي قول الله تبارك وتعالى: {وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ},[٣] فكانَ تفسيرُ هذه الآيةِ على أربعةِ أقوالٍ، ولكن يقتضي التنويهُ بدايةً على أنّ هذه الآيةُ جاءت في كتابِ الله تعالى عامة، وتخبرُ عن أنه يحول بين العبد وقلبه لم يُخصِّصها الله تعالى بشيء، وإنّما هذه المعاني في تفسيرها هي مجردُ احتمالاتٍ فالخبر على العموم حتى يخصّه ما يجب التسليم له، وأمّا المعاني التي ذّكرها المفسرون فهي كما يأتي:[٤]

  • القول الأول: أن معنى قول الله تعالى: {وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، أي يحول بين الكافر والإيمان، وبين المؤمن والكفر، وقال بهذا عددٌ من أهلِ العلمِ منهم عبد الله بن عباس حيثُ قال: "يحول بين المرء وقلبه، أي يحول بين الكافر والإيمان وطاعة الله" ومنهم سعيد بن جبير حيثُ قال في تفسير هذه الآيةِ: "يحول بين المرء وقلبه بين الكافر أن يؤمن ، وبين المؤمن أن يكفر"، وقال بذلكَ أيضًا الضحاك في تفسير الآيةِ مثلُ قولهم حيثُ قال: "يحول بين الكافر وطاعته ، وبين المؤمن ومعصيته" وغيرهم من المفسرين.
  • القول الثاني: أنّ معنى قول الله تعالى: {وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، أي يحول بين المرء وعقله ، فلا يدري ما يعمل، وررويَ هذا القول عن بعضِ المُفسرين منهم مجاهد حيثُ قال: "يحول بين المرء وقلبه أي يحول بين المرء وعقله".
  • القول الثالث: أنّ معنى قول الله تعالى: {وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، أي يحول بين المرء وقلبه، أن يقدر على إيمان أو كفر إلّا بإذنه، ومن قالَ بهذا السدي حيثُ قال: "يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه".
  • القول الرابع: أنّ معنى قول الله تعالى: {وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، أيّ أنّه قريب من قلبه، لا يخفى عليه شيء أظهره أو أسره قال بذلك عددٌ من المفسرين منهم قتادة حيثُ قال في هذهِ الآيةِ: "يحول بين المرء وقلبه هي كقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.[٥]

قال أبو جعفر بعدَ ذكرِهِ هذا الاختلاف: "وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال: إنّ ذلكَ خبرٌ من الله عز وجل أنّه أملكُ لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيمان أو كفر، أو أن يعي به شيئا، أو أن يفهم، إلا بإذنه ومشيئته، وذلك أنّ الحول بين الشيء والشيء، إنما هو الحجزُ بينهما، وإذا حجزَ جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل"، وبهذا الرأي يدخل القول الأول والثاني والثالث ويجمع بينهما، وهذه الأقوال أنّ الله يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان، وقول أن الله يحول بينه وبين عقله، وقول أنّ الله يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلّا بإذنه، لأنّ الله تعالى إذا حال بين العبدِ وقلبِه، لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينَه وبينَه ما مُنِعَ إدراكه به.[٦]

وأمّا من الجانبِ البلاغي فقدُ افتُتِحت الآيةُ بقول الله تعالى: {وَٱعْلَمُوٓاْ}، لحثِّ المخاطبين على الاهتمام بما تتضمنهُ الآية، وليتأملوا فيما جاءَ بعدها وهذا نوعٌ من أنواعِ البلاغةِ؛ وهي افتتاحُ الكلامِ الذي يتضمنُ خبرًا أو طلبًا مهمًا بقول: "اعلم"، وهذا للفتِ ذهنِ المُخاطب، وفيه تعريضٌ بغفلةِ المُخاطبِ عن أمرٍ هام والطالبُ أو المُخبر يريدُ علمَ المخاطب، فيُصرِحُ بالفعلِ الذي يدلُ على طلبِ العلم بقصدِ الاهتمام، وقد جاءَ ذلكَ في عدةِ آياتٍ في كتابِ الله تعالى، حيثُ قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،[٧] وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}،[٨] وغيره من الأمثلةِ التي جاءت في كتاب الله وفي سُنّةِ رسوله.[٩]

فخلاصةُ ما قيل في هذهِ الآية، هو أن الله تعالى متصرفٌ في عبادِهِ، فيشرح قلبَ أحدهم للإسلام ويهديهِ للإيمان، وإن شاء قد جعلَ في قلبه التثاقُلَ والحرج عن الدين ما يحول بينه وبين الإسلام، فالله تعالى يحول بين المرء وقلبه؛ كقولهِ تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}،[١٠] فالله تعالى هو المُتصرفُ في عباده كيف شاء، فمن شاء شرحَ قلبَهُ للإيمانِ والهدى ومن شاءَ لم يُيسر له ذلك،[١١] فالله تعالى يُحذر عبادَهُ من أن يردوا أمر اللّه أول ما يأتيهم، فيحول بينهم وبينه إذا أرادوهُ بعد ذلك، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، ويقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أينما شاء، فلا يغفل المُسلم عن الدعاء للهِ تعالى بالثبات.[١٢]

معاني المفردات في آية: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه

وردَ في قول الله تباركَ وتعالى: {وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، بعضٌ من المفردات التي تحتاجُ إلى بيانِ وتوضيحٍ ليكتملُ مفهومُ الآيةِ ويسهلُ معرفةِ تفسيرها، وهي ما يأتي:[١٣]

  • ٱعْلَمُوٓاْ: من الفعلِ عَلِم، ومعنى علِمَ الشَّخصُ، أي حصلت له حقيقة العِلم، عرفه وأدركه، درى به وشعر، وعَلِمَ الأَمْرَ أي أَيقَنَهُ صدَّقهُ ،وعَلِمَ الشيءَ حاصَلا أي أيقَن به وصدَّقه.
  • يَحُولُ: من الفعلِ حالَ ومعنى حالَ بين الشَّيئين أي حجز وفصل بينهما، حال دون الشَّيء أي منع حدوثَه، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، المراد أنَّ اللهَ يملك عليه قلبَه فيصرّفه كيف شاء.
  • ٱلْمَرْءِ: يُقال المَرءُ عِندَ التّعْرِيفِ، وامْرؤٌ عِند التَّنكِير، والمرء يعني الرجل، والجمع رجال.
  • قَلْبِهِ: وهو عضوٌ عضلِيٌّ أجوفُ يستقبل الدَّم من الأَوردة ويدفعه في الشرايين، ويعبر بالقلبِ عن العقل.

إعراب آية: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه

يُعدُ الإعرابُ من خصائصِ اللُّغةِ العربيَّةِ، فهو يُساعدُ على إظهارٌ للمعاني وتجليها وتسهيلِ الوصولِ للمعنى المرادِ والمقصود، وإعرابُ قول الله تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، فهو كما يأتي:[١٤]

  • وَاعْلَمُوا: فعل أمر مبني على حذف حرف النون من آخره، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • أَنَّ: حرف مصدري ونصب.
  • الله: لفظُ الجلالةِ، اسم أنَّ منصوب وعلاة نصبِهِ الفتحة.
  • يَحُولُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعهِ الضمة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو والجملةُ الفعلية في محل رفع خبر أنَّ.
  • بَيْنَ: ظرف منصوب، متعلق بجملة يحول.
  • الْمَرْءِ: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
  • وَقَلْبِهِ: الواو حرف عطف، قلبه اسم معطوف، والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها سد مسد مفعولي علم.

الثمرات المستفادة من آية: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه

في قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، إشارةٌ من الله تعالى إلى أن قلب الإنسان بيد الله، يتحكمُ بهِ كيفَ يشاء، فهو القادرُ على هدايتِهِ، والقادرُ على إبعادِهِ عن الهداية، فينبغي الحرصُ على طاعة الله تعالى وطاعة رسولِهِ، والاستجابةِ لأوامرِ الله تعالى ونواهيهِ، فالقلبُ لا يحيا والروحُ لا تُسقى إلا بعبوديّةِ الله تعالى، والدوام على طاعتِهِ، فالله تعالى بيدهِ القلوب، يُقلبها كيفَ يشاء، كما ويجبُ على المسلم أن لا يغفل عن دعاء الله تعالى بأن يُثبتَ قلبه على الإيمان ويهديه الطريقَ الصحيح والسوي الذي ارتضاهُ تعالى لعبادِهِ المؤمنين كقول "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك".[١٢]

المراجع

  1. سورة الأنفال، آية:1
  2. "سورة الأنفال"، ar.wikipedia.org، 2020-06-13. بتصرّف.
  3. سورة الأنفال، آية:24
  4. "القول في تأويل قوله ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون "، islamweb.net، 2020-06-16. بتصرّف.
  5. سورة ق، آية:16
  6. " تفسير الطبري"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  7. سورة المائدة، آية:98
  8. سورة الحديد، آية:20
  9. "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون"، islamweb.net، 2020-06-16. بتصرّف.
  10. سورة الأنعام، آية:125
  11. "تفسير قوله وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه"، binbaz.org.sa، 2020-06-16. بتصرّف.
  12. ^ أ ب "مع القرآن - وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ"، ar.islamway.net، 2020-06-16. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى يحول في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، 2020-06-16. بتصرّف.
  14. "إعراب القرآن"، www.quran7m.com، 2020-06-16. بتصرّف.
3819 مشاهدة
للأعلى للسفل
×