محتويات
سورة النور
واحدةٌ من السور المدنيَّة -التي نزلت في المدينة المنورة- وبلغ عدد آياتها 64 آية وتقع في الجزء الثامن عشر من أجزاء القرآن الكريم، وترتيبها بين السور هو الرابع والعشرين، وقد اختصَّت السورة بتشريع الأحكام والحثِّ على غضِّ البصر وتحريم تناقل الفواحش أو الخوض في أعراض الآخرين، وقد ورد في السورة الحديث عن حادثة الإفك التي تعرضت لها عائشة -رضي الله عنها- وكيف برها الله من فوق سبع سماوات قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ }،[١] وورد في السورة حد الزنا للمحصن أو غيره، ومن بين الآيات التي وردت في السورة الكريمة قوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ}،[٢] وسيقف هذا المقال لشرح الآية الكريمة وتفصيليها والوقوف مع شرح مفرداتها وإعرابها إعرابًا تفصيليًّا، وفيما يأتي سيكون ذلك.[٣]
معنى آية: والله خلق كل دابة من ماء، بالشرح التفصيلي
ما هو المعنى وراء هذه الآية الكريمة؟ تقف هذه الفقرة فيما يأتي مع تفسير قوله تعالى في سورة النور: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}،[٤] فأمّا قوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ} فهو دليل على خلق كلّ الكائنات الحيّة من نطاف الذكور، وهو الماء المهين، وعليه يُحمل قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يوم سأله الأعرابي ممّن أنتم فأجاب أنّهم من ماء، فقد قال المفسّرون إنّ كل الحيوانات حتى الطيور منها أو التي تتكاثر بالبيوض هي تتكاثر عن طريق النطاف، ولكن طرق إيصال النطاف إلى مكان التلقيح تختلف بين حيوان وآخر.[٥]
وقال بعض المفسّرين إنّ الجنّ والملائكة لا يشملهم هذا الكلام لأنّهم خلقوا من نار ومن نور، بينما رأى مفسّرون آخرون أنّ الماء خلق أوّلًا ثمّ خلق منه كلّ شيء كالنار والرياح وغيرها، وقال بعضهم بل أراد أنّ كلّ حيوان يدبّ على الأرض في بنيته الجسديّة ماء، كما قد خُلق آدم -عليه السلام- من ماء وطين، ثمّ يفصّل الله -سبحانه- في أنواع المخلوقات وكيفيّة حركتها وسيرها وتنقّلها وحياتها، فيقول تعالى: {فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ}، والمقصود بها الحيّات أو الأفاعي والحيتان وحيوانات البحر والديدان ونحوها، وقال الإمام الطبري إنّ المشي لا يكون بلا قوائم، ونبّه على أنّ "المشي إنّما يكون لما له قوائم على التشبيه، وأنّه لمّا خالط ما له قوائم ما لا قوائم له جاز".[٥]
ثم يقول تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ}، والمقصود هنا الذين لهم قدمين يمشون عليها، وهم بني البشر نسل آدم عليه السلام، والطيور بمعظمها، ثمّ يقول تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ}، كناية عن البهائم والسباع ونحوها، وقال بعض المفسّرين إنّ قوله تعالى {عَلَىٰ أَرْبَعٍ} يدخل فيه من له أكثر من أربع أقدام أيضًا كبعض حيوانات البحر كالسرطان، وكذلك بعض ديدان الأرض ممن لها أكثر من أربعة أقدام، ثمّ يقول تعالى: {يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ}، يعني بقدرته وبمشيئته -تعالى- يخلق ما يريد، فهو إن شاء كان الأمر وإن لم يشأ لم يكن.[٥]
ويختم -تعالى- الآية يقوله عزّ من قائل: {إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، فهو تعالى القادر على خلق كلّ هذه الأجناس المختلفة وذلك ممّا يزيد في الدلالة على كون هذا الكون ليس له سوى إله واحد خلق العالم من الماء، ثمّ يخلق البهائم من ماء مهين فيكون هذا العدد الهائل من المخلوقات المختلفة التي لا يشبه صنفٌ منها صنفًا آخر سوى بأنّها دليل على قدرة الصانع الجبّار، وهذه الآية قريب منها ما جاء في سورة الرعد من أنّ الأرض واحدة ولكن إذا نزل عليها المطر أنبتت نباتًا مختلفًا يدلّ على قدرة الله الواحد القهّار الذي لا يعجزه شيء.[٥]
معاني المفرادات في آية: والله خلق كل دابة من ماء
هل لتفسير معاني مفردات الآية دورٌ في فهمها؟ تقف هذه الفقرة -بعد الوقوف مع تفسير الآية في الفقرة السابقة- مع بيان معاني المفردات في قوله تعالى في سورة النور: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}،[٦] وذلك فيما يأتي:
- خلَقَ: الخلق هو إيجاد الشيء وإنشاؤه وإبداعه على غير مثال سابق.[٧]
- دابة: وهو اسم كلّ ما دب على الأرض من إنسان وحيوان وغيره.[٨]
- بطنه: البطن في الحيوانات والإنسان وغيره هو خلاف الظهر، وهو مذكّر وحُكي عن بعض العلماء تأنيثه.[٩]
إعراب آية: والله خلق كل دابة من ماء
تقف هذه الفقرة مع إعراب كامل لقوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وذلك فيما يأتي:
إعراب المفردات:
- والله: الواو استئنافيّة، والله اسم الجلالة مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.[١٠]
- خلق: فعل ماض مبني على الفتح الظاهر، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو عائد على اسم الجلالة.[١٠]
- كل: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٠]
- دابة: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.[١٠]
- من ماء: من حرف جر، وماء اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل خلق.[١٠]
- فمنهم: الفاء فصيحة، ومنهم جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف للمبتدأ المؤخّر مَن،[١٠] وقيل الفاء حرف عطف وتفريع.[١١]
- مَن: اسم موصول مبني في محل رفع مبتدأ.[١٠]
- يمشي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو عائد على المبتدأ مَن.[١٠]
- على بطنه: على حرف جر، وبطنه اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل يمشي.[١٠]
- ومنهم: الواو عاطفة، ومنهم جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف للمبتدأ مَن التالي.[١٠]
- مَن: اسم موصول مبني في محل رفع مبتدأ.[١٠]
- يمشي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو عائد على المبتدأ السابق مَن.[١٠]
- على رجلين: على حرف جر، ورجلين اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الياء لأنّه مثنى، والنون عوضًا عن التنوين في الاسم المفرد، والجار والمجرور متعلقان بالفعل يمشي السابق.[١٠]
- ومنهم: الواو عاطفة، ومنهم جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف للمبتدأ مَن التالي.[١٠]
- مَن: اسم موصول مبني في محل رفع مبتدأ.[١٠]
- يمشي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو عائد على المبتدأ السابق مَن.[١٠]
- على أربع: على حرف جر، وأربع اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل يمشي السابق.[١٠]
- يخلق: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.[١٠]
- الله: اسم الجلالة فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.[١٠]
- ما: اسم موصول بمعنى الذي مبني في محل نصب مفعول به.[١٠]
- يشاء: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو عائد على اسم الجلالة.[١٠]
- إنّ الله: إنّ حرف مشبّه بالفعل، والله اسم الجلالة اسم إنّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٠]
- على كلّ: على حرف جر، كل اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلقان بخبر إنّ "قدير".[١٠]
- شيء: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.[١٠]
- قدير: خبر إنّ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.[١٠]
إعراب الجمل:
- جملة {اللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ}: استئنافيّة لا محل لها من الإعراب.[١٢]
- جملة {خَلَقَ}: في محل رفع خبر للمبتدأ اسم الجلالة الله.[١١]
- جملة {مِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ}: معطوفة على الجملة الاستئنافيّة الأولى فهي مثلها لا محل لها من الإعراب.[١١]
- جملة {يَمْشِي} الأولى: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.[١١]
- جملة {مِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ}: معطوفة على جملة {مِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ} فهي مثلها لا محل لها من الإعراب.[١١]
- جملة {يَمْشِي} الثانية: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.[١١]
- جملة {مِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ}: معطوفة على جملة {مِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ} فهي مثلها لا محل لها من الإعراب.[١١]
- جملة {يَمْشِي} الثالثة: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.[١١]
- جملة {يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ}: استئنافيّة لا محل لها من الإعراب.[١١]
- جملة {يَشَاءُ}: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.[١١]
- جملة {إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: تعليليّة لا محل لها من الإعراب.[١١]
الثمرات المستفادة من آية: والله خلق كل دابة من ماء
ماذا يُستفاد من هذه الآية؟ لا بد لكل مسلم من أن يتأمل آيات الله -تعالى- ويتبحر فيها، وينظر إليها بعين الباحث عن الثمرات والعبر، وبعد أن تم تفسير قوله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء}، لا بد من استخراج الثمرات والعبر منها، وفيما يأتي سيكون ذلك:
- سُخِّر الكون بأجمعه لخدمة الإنسان بكل ما فيه، ومن بين ما سخره -سبحانه- الماء الذي جعل منه كل شيء حي.[١٣]
- خلقُ الله جميعه من الحيوانات والطيور والنباتات والحشرات وحتى الإنسان جعل في تركيبته الماء، فلا يعيش مخلوق منهم دون تركيبة الماء التي جعلها الله فيه.[١٤]
- بيانُ أنّ الماء هو سر الحياة على وجه هذه الأرض، وهو من النعم التي يذكر الله بها عبيده؛ حتى يشكروها فيزيدهم منها على الدوام.[١٥]
المراجع
- ↑ سورة النور، آية:11
- ↑ سورة النور، آية:45
- ↑ "سورة النور"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية:45
- ^ أ ب ت ث "تفاسير الآية 45 من سورة النور"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية:45
- ↑ "تعريف و معنى خلق في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى دابة في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى البطن في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن "وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍۢ مِّن مَّآءٍۢ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِۦ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَىٰٓ أَرْبَعٍۢ ۚ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ (النور - 45)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
- ↑ محمد علي طه الدرة (2009)، تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه (الطبعة 1)، دمشق:دار ابن كثير، صفحة 412، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ "تسخير ما في الكون للإنسان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
- ↑ " خلق الحيوانات"، kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
- ↑ "أهمية الماء للإنسان"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.