محتويات
سورة الرعد
تعدُّ سورة الرعد من السور المدنية في كتاب الله أي التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، اختلف العلماء فيها فعدَّها بعضهم من السور المثاني والبعض عدَّها من المئين، وعدد آياتها 43 آية، كانت بعد سورة محمد نزولًا، تقع في الجزء الثالث عشر من المصحف الشريف ورقم ترتيبها فيه 13، بدأت السورة بحروف مقطعة مثل كثير من سور القرآن الكريم، حيثُ يقول تعالى في مطلعها: {المر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ۗ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}،[١] وفي الآية رقم 15 من السورة سجدة تلاوة، سمِّيت بالرعد لأنها تحدثت عن هذه الظاهرة فيها، وتتناول سورة الرعد مواضيع منها ضعف الباطل وقوة الحق، وتشير إلى وحدانية الله كما تؤكد البعث والرسالات والنشور والجزاء, والمحور الرئيسي لها هو أنَّ الحق بيِّنٌ وواضحٌ وراسخٌ بخلاف الباطل، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: والله يحكم لا معقب لحكمه، بالشرح التفصيلي.[٢]
معنى آية: والله يحكم لا معقب لحكمه، بالشرح التفصيلي
في الحديث عن معنى آية: والله يحكم لا معقب لحكمه، بالشرح التفصيلي، لا بدَّ من الإشارة إلى بعض التفاصيل حول الآية الكريمة، إذ تقع الآية في سورة الرعد وهي الآية رقم 41 فيها، وردَت في سياق الحديث عن أمر عظيم في الحياة الدنيا وهو الحق والإيمان وإلى إرسال الرسل سابقًا، كما في الآيات إشارة إلى قدرة الله وإرادته المحقَّقة في كل شيء، فهو يثبت ما يشاء ويمحو، حيث يقول تعالى: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ* أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ* وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا ۖ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ۗ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}،[٣] وفي معنى الآية وردَ في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز أنَّ الله فيها يعني كفار قريش، ألم يروا ويدركوا ويلاحظوا أنَّ الله يفتحُ الأرض لنبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم- فتنقص أرض الكفر والشرك وتتسع دائرة الإسلام، وفي ذلك تحذير لهم بأنَّ محمدًا سينال منهم كما نال من غيرهم بقدرة الله ونصره، والله تعالى هو الذي يحكم بين البشر وفيهم كما يشاء ولا أحد يمكنه أن يأتي على ما حكم الله ويغيره، فالله لا ناقض ولا منتقص لحكمه ولا أحد يستطيع أن يردَّ حكمه، وهو أسرع الحاسبين أي سريع الجزاء، وفي تفسير البغوي أنَّ أهل مكة الذين يطالبون النبيَّ بتقديم الآيات غافلين عن الفتوحات التي يسرها الله له وأنقص الأرض من حولهم من خلال فتح ديار الشرك والكفر، وكلما زادت دار الإسلام نقصت دار الشرك، أو قالوا بأن نقصان الأرض خرابها وكيف أنَّ الله خرَّبها وأهلك أهلها الطغاة الكفار، وذهب إلى هذا القول عدد من المفسرين منهم مجاهد، والله تعالى هو وحده من يحكم بين الناس ويحكم فيهم كما يشاء لا أحد يردُّ حكمه وقضاءه ولا أحد ينقضه وحسابه وجزاؤه سريع.[٤]
وفي الإشارة إلى معنى الآية أنَّ الله تعالى هو من يحكم وينفذ حكمه لا محالة، وهو الذي يقضي ويمضي قضاؤه، ولو اجتمع البشر جميعًا بما فيهم المشركون والكفار من أهل مكة ومن حولها لن يستطيعوا أن يردوا حكم الله تعالى إذا جاء، ولذلك لا معقب لحكمه أي لا رادَّ لقضائه وحكمه، والله تعالى سريع الحساب إذ يحصي ما عمل المشركون ولا تخفى عليه خافية مهما صغرت، وهو الذي سيحاسبهم ويجازيهم على أفعالهم في الحياة الدنيا،[٥] وفي تفسير القرطبي -رحمه الله - أنَّ الله يحكم في العباد ولا يمكن لأحد أن يتبعَ حكمه بتغيير أو نقص، فحكمه ماضٍ وثابتٌ كما يشاء، وهو تعالى سريع الحساب في انتقامه من الكفار والمشركين وفي إثابة المؤمنين، وبمعنى آخر أنَّه لا يحتاج في الحساب إلى تفكير ووقت وروية قلب وعقد بنان وغير ذلك، وقد وردَ هذا القول في أكثر من موضع من كتاب الله كما في سورة البقرة في قوله تعالى: {أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا ۚ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}،[٦] والله تعالى أعلم.[٧]
معاني المفردات في آية: والله يحكم لا معقب لحكمه
بعد المرور على معنى آية: والله يحكم لا معقب لحكمه، بشكل عام، سيُشار إلى معاني المفردات، فلا بدَّ عند دراسة آية من كتاب الله بشكل مفصَّل من النظر في أمور عديدة كلها توضِّح المعنى المقصود من الآية، كمعاني المفردات وأسباب النزول وأقوال الصحابة والتابعين وغير ذلك، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر معاني المفردات في آية: والله يحكم لا معقب لحكمه:
- الله: اسم علم يدلُّ على الذات الإلهية العلية واجبة الوجود، وهي الذات التي تجمع كل صفات الألوهية، ولا يجوز أن يتَّخذ هذا الاسم أحد من البشر، بخلاف بقية الأسماء التي قد يتسمى بها غيره تعالى، وهذا الاسم أول أسمائه سبحانه وأعظم اسم لربِّ العالمين، تنطق اللام مرققة إذا سبقه حرف ياء أو كسرة وتنطق مفخمة إذا لم يأت قبلها كسرة أو ياء، وأصل الكلمة من إله، دخلت عليها أل التعريف وحذفت الهمزة وأدغمت اللامان معًا.[٨]
- يحكم: من الفعل حكم ويحكم حكمًا، الفاعل حاكم والمفعول محكوم، حكم الله: شرعه، يحكمُ الله: يشرِّع ويقضي، حكمت المحكمة عليه: أدانته وأصدرت حكمًا عليه بالسجن، حكم براءةً: صدر بحقه قرار تبرئة، يحكم البلاد: يتولى إدارتها وتسيير أمورها وشؤونها.[٩]
- معقب: عقَّب ويعقِّب تعقيبًا، الفاعل متعقِّب والمفعول متعقَّب عليه، عقَّب الشخصُ: تتبعَ الحقَّ ليستعيده، عقَّب فلانٌ في صلاته: جلسَ بعد أن صلَّى لصلاة إخرى أو لغيرها، عقَّب الرجل في الأمر: كان مترددًا في طلبه، عقب على الرجل: ندَّد به وأظهر عيوبه وأخطاءه.[١٠]
إعراب آية: والله يحكم لا معقب لحكمه
يشكل إعراب القرآن الكريم أحد فروع علوم القرآن التي تولَّى العلماء دراستها باهتمام بالغ لما له من أهمية في معرفة معاني آيات كتاب الله تعالى، وفي الحديث عن معنى آية يجب المرور على إعراب كلماتها للإحاطة بالمعنى والوصول إلى المقصود منها، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر إعراب آية: والله يحكم لا معقب لحكمه، إعراب مفردات وجُمل:[١١]
- والله: الواو استئنافية، الله: لفظ الجلالة في محل رفع مبتدأ وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وجملة "الله يحكم" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
- يحكم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وجملة "يحكم" جملة فعلية في محل رفع خبر للمبتدأ الله.
- لا: نافية للجنس تعمل عمل إنَّ فتنصب الاسم وترفع الخبر.
- معقب: اسم لا مبني على الفتح في محل نصب، وجملة "لا معقب لحكمه" في محل نصب حال.
- لحكمه: اللام حرف جر، حكمه: اسم مجرور وعلامة جره الكسره والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بخبر لا المحذوف.
الثمرات المستفادة من آية: والله يحكم لا معقب لحكمه
لقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليكون هدايةً للناس أجمعين ونورًا مبينًا يمحو ظلمة الجهل التي عاشها البشر ردحًا من الزمن، فكانت آياتُه كنوزًا عظيمةً وكلُّ واحدة منها تحتوي على قدر كبير من المعاني العظيمة والتعاليم الجليلة والعظات والعبر التي لا ينتهي عطاؤها، لذلك لا بدَّ في نهاية المطاف من الوقوف على الثمرات المستفادة من آية: والله يحكم لا معقب لحكمه، وإدراجها فيما يأتي:[١٢]
- النصر بيد الله تعالى وحده، فهو الذي مهَّد السبل لفتوحات المسلمين وأنقص ديار الشرك وجعل راية الإسلام تعلو في جميع بقاع الأرض.
- يحذِّر الله عباده المستهزئين والمنافقين ويدعوهم للتأمل والتفكر في الأرض وكيف أنَّه أهلك أقوامًا كثيرين غيرهم بعد أن طغوا وتجبروا وتكبروا على الله وقد كانوا أقوى منهم، فهو قادرٌ على أن يهلكهم وهم أضعف ممن جاء قبلهم، وفي سورة الروم يشير الله إلى ذلك بقوله: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.[١٣]
- الله وحده من يحكم بالبشر ولا رادَّ لحكمه ولا مغيِّر لقضائه.
- لا يجوز الاعتراض على قضاء الله وحكمه لأنَّه الخبير والعليم بعباده وأحوالهم وله الحق في أن يحكم فيهم كما يشاء.
- الله أسرع الحاسبين ولكنه يمهل ولا يهمل تبارك وتعالى.
المراجع
- ↑ سورة الرعد، آية:1
- ↑ "سورة الرعد"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-27. بتصرّف.
- ↑ سورة الرعد، آية:40-42
- ↑ "تفسير: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-27. بتصرّف.
- ↑ "القول في تأويل قوله تعالى "أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-27. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:202
- ↑ "تفسير القرطبي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-27. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الله في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-27. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى يحكم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-27. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى معقب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-27. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-27. بتصرّف.
- ↑ "أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى ٱلْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِۦ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-27. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية:9