محتويات
سورة يونس
سورة يونس هي من السور المكية التي نزلت قبل الهجرة، وقد ذهب الجمهور -وفي أصح الأقوال المنقولة عن ابن عبّاس- أنّها مكيّة، واختلف فيها بعض المفسّرين، ويرى الطاهر بن عاشور أنّها سمّيت بسورة يونس تمييزًا لها عن أخواتها المبدوءات بالحروف المقطّعة "الر"، وترتيبها من حيث النزول الحادية والخمسون، نزلت بعد سورة الإسراء وقبل سورة هود، ويرجّح الإمام الطاهر -رضي الله عنه- أنّها نزلت سنة 11 للبعثة، وعدد آياتها عند جمهور الأمصار 109 آيات، وعند أهل الشام 110 آيات،[١] وأمّا ترتيبها في المصحف فهو العاشر، وتقع بين سورة التوبة وسورة هود، جاء فيها ذكر عدد من الأنبياء وقصصهم ومن بينهم نبي الله يونس -عليه السلام- الذي قد سُمّيت السورة باسمه، تبدأ السورة بقوله تعالى: {الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}،[٢] وفي هذه السورة يقول الله تعالى: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}،[٣] وهذا المقال سيتوقّف مع هذه الآية شرحًا وتفصيلًا وبيان مفردات وغير ذلك.[٤]
معنى آية: والله يدعو إِلى دار السلام، بالشرح التفصيلي
تقف هذه الفقرة فيما يأتي مع بيان قوله تعالى في سورة يونس: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}،[٥] قال أهل التفسير إنّ الله -تبارك وتعالى- لمّاذكر وصف الدنيا في الآية السابقة لهذه االآية جاء بوصف الدار الآخرة أنّها دار السلام، فقد قال تعالى في الآية السابقة: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}،[٦] فالله -تعالى- يريد أن يخبر عباده أنّ الدنيا دار بلاء وامتحان ودار فناء، تفنى هي ومن فيها، فالله لا يدعو البشر إلى الدنيا، ولكن يدعوهم لما فيه خيرهم وهي دار السلام، وقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المقصود بدار السلام هي الجنّة؛ وقد سمّاها الله -تعالى- دار السلام لأنّها داره، وهو السلام، ويؤيّد هذا الرأي الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "إِنَّي رأيْتُ في المنامِ كأنَ جبريلَ عند رأسِي، وميكائيلَ عندَ رِجْلَيَّ، يقولُ أحدُهما لصاحِبِهِ: اضربْ لَهُ مَثَلًا، فقال: اسمعْ سمعَتْ أذنُكَ، واعقلْ عقِلَ قلبُكَ؛ إِنَّما مَثَلُكَ ومَثلُ أمتِكَ كمَثَلِ مَلِكٍ اتخذَ دارًا، ثُمَّ بنى فيها بيتًا، ثُمَّ جعل فيها مائدةً، ثُمَّ بعثَ رسولًا يدعو الناسَ إلى طعامِهِ، فمنهم مَنْ أجابَ الرسولَ، ومنهم مَنْ تَرَكَهُ، فاللهُ هُوَ الملِكُ، والدارُ الإسلامُ، والبيتُ الجنةَ، وأنتَ يا محمدُ رسولٌ، مَنْ أجابَكَ دَخَلَ الإسْلامَ، وَمَنْ دخلَ الإسلامَ دخلَ الجنةَ، ومَنْ دخلَ الجنةَ أكلَ ما فيها"،[٧] فالجنة إذًا دار الله -تعالى- يدعو عباده إليها، وقال الحسن البصري وبعض السلف -رضي الله عنهم- إنّها سُمّيت دار السلام لأنّ من يدخلها يسلم من الآفات.[٨]
وقال بعضهم أيضًا بل المُراد بتسمية الجنّة دار السلام أنّ أهلها يُحيّون بعضهم بعضًا بالسلام، وكذلك الملائكة تحيّيهم بالسّلام، يقول تعالى في سورة الرعد: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}،[٩] والله أعلم،[١٠] ثمّ يقول الله تبارك تعالى: {وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، فقد أظهر الله -تعالى- دعوته إلى دار السلام -أي الجنة- على سبيل إظهار الحجّة، وأمّا تخصيصه بالهدى من يشاء فهو من باب الاستغناء عن خلقه تقدّس وتعالى، وأمّا الصراط المستقيم ففيه خلاف بين العلماء، فقد روي من طريق علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الصراط المستقيم هو كتاب الله تعالى، وروي من طريق آخر عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه الإسلام،[٨] وهذا قريب من قوله تعالى في سورة الأعراف: {فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ}،[١١] والله -تعالى- أعلى وأعلم.[١٢]
معاني المفرادات في آية: والله يدعو إِلى دار السلام
بعد الوقوف مع تفسير قوله تعالى: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}،[١٣] فإنّ هذه الفقرة تقف مع بيان معاني مفردات الآية الكريمة من أجل توضيح معاني المفردات التي قد يحتمل تأويلها أكثر من وجه، وذلك فيما يأتي:
- دار: والدار في اللغة هي محلّ البناء مع الفناء الذي يكون داخلها، وقال بعض علماء اللغة إنّ اسمها جاء من دار يدور؛ وذلك لكثرة حركة الناس فيها، وكذلك سمّيت المقبرة دارًا لاجتماع الموتى فيها كما جاء في الحديث الذي يرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتَى المَقْبُرَةَ، فقالَ: "السَّلامُ علَيْكُم دارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ"،[١٤] والله أعلم.[١٥]
- السلام: السلام في اللغة له معانٍ عدّة، منها نوع من أنواع الشجر والأمان والسّلم والصلح، والسلام اسم من أسماء الله الحسنى، وقيل للجنة دار السلام.[١٦]
- يهدي: الفعل يهدي الماضي منه هَدَى، ويعني الإرشاد إلى الطريق الصحيح.[١٧]
- صراط: الصراط هو الطريق، والصراط المعروف عند المسلمين هو جسر ممدود فوق جهنم كما قال بعض العلماء.[١٨]
إعراب آية: والله يدعو إِلى دار السلام
قبل الختام تقف هذه الفقرة مع إعراب قوله تعالى في سورة يونس: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}،[١٩] فتقف هذه الفقرة مع إعراب المفردات والجمل في هذه الآية، ففي الإعراب بيان لمعنى قد يكون ما يزال مجهولًا لدى قارئ الآية الكريمة، فوظيفة الإعراب البيان والإفصاح عن المعاني، وذلك فيما يأتي:
- والله: الواو استئنافيّة، والله اسم الجلالة مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.[١٢]
- يدعو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.[١٢]
- إلى دار: إلى حرف جر، ودار اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل يدعو.[١٢]
- السلام: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.[١٢]
- ويهدي: الواو حرف عطف، ويهدي فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.[١٢]
- مَن: اسم موصول بمعنى الذي مبني في محل نصب مفعول به.[١٢]
- يشاء: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.[١٢]
- إلى صراط: إلى حرف جر، وصراط اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة على آخره.[٢٠]
- مستقيم: صفة للصراط مجرورة مثله، وعلامة جرّها الكسرة الظاهرة على آخره.[١٢]
- جملة {اللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[٢٠]
- جملة {يَدْعُو}: في محل رفع خبر لاسم الجلالة المبتدأ.[٢٠]
- جملة {يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}: معطوفة على جملة يدعو فهي مثلها في محل رفع.[٢٠]
- جملة {يَشَاءُ}: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.[٢٠]
الثمرات المستفادة من آية: والله يدعو إِلى دار السلام
إنّ ممّا يستفيده القارئ لقوله تعالى في سورة يونس: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[٢١] أمور عدّة منها أنّ المرء يعلم أنّه إذا دُعي إلى دار أحد ما فإنّ الدعوة تكون على قدر الداعي، فكيف به إن كان الداعي هو إله الأكوان الله تقدّس وتعالى، فدار الله -الذي هو السلام- هي جنّته التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكن ليدخل الإنسان دار الله -تعالى- عليه أن يجيب دعوته، ودعوته هي الإسلام، فعليه أن يتّبع رسوله الذي يدعوه إلى تلك الدار، وكذلك ممّا يُستفاد من هذه الآية الكريمة أنّ المجتمع الذي يتّبع الإسلام ويسير على نهجه سيكون مجتمعًا أقرب إلى مجتمع الجنّة؛ فيكون السلام سيّد المواقف فيه، ولكن المجتمع الذي يكون فيه لون أو ألوان من الشقاء والعذاب هو مجتمع قد أخلّ بشرط من شروط الله -تعالى- حول الحياة التي يغمرها السلام، الفقر -مثلًا- موجود من جهتين: إمّا أن يكون الفقراء قد استمرؤوا الكسل وركنوا إلى الدّعة واستمالة الناس ليعطوهم، وإمّا أن يكون الأغنياء قد أخلّوا بشرط من شروط الإسلام وهو عدم دفعهم الأموال للفقراء سواء كان ذلك على سبيل العطف عليهم كالصدقة أو على سبيل الفرض عليهم كالزكاة المفروضة التي لا يخرجها أكثر الأغنياء، وهذا بعض ما يمكن قوله حول الثمرات التي يمكن إفادتها من هذه الآية، والله أعلم.[٢٢]
المراجع
- ↑ "التحرير والتنوير - سورة يونس"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:1
- ↑ سورة يونس، آية:25
- ↑ "سورة يونس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:25
- ↑ سورة يونس، آية:24
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2465، حديث صحيح.
- ^ أ ب "تفاسير الآية 25 من سورة يونس"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ سورة الرعد، آية:23-24
- ↑ "تفسير: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:30
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ "وَٱللَّهُ يَدْعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ (يونس - 25)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:25
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:249، حديث صحيح.
- ↑ "تعريف و معنى دار في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى السلام في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى هدى في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الصراط في قاموس القاموس المحيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:25
- ^ أ ب ت ث ج "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-24. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:25
- ↑ "الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.