معنى آية وامتازوا اليوم أيها المجرمون، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وامتازوا اليوم أيها المجرمون، بالشرح التفصيلي

سورة يس

تعد سورة يس إحدى سور القرآن الكريم المكيّة بالإجماع ماعدا الآية "45" فهي مدنيّة، وهي من سور القرآن المثاني، آياتها ثلاث وثمانون آية، وترتيبها بين سور القرآن السّورة السّادسة والثّلاثون بحسب المصحف العثمانيّ، وفي الجزء 23، وتعدّ في عرف كثير من المسلمين في أوّل الرّبع الأخير من القرآن، كان نزولها بعد سورة الجنّ، وقد بدأت بحروف مقطّعة مثل كثير من سور القرآن حيث قال تعالى: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}،[١] توجد في السّورة سكتة خفيفة عند كلمة "مرقدنا" في الآية 52، قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}،[٢][٣] سمّيت السّورة بسورة يس نسبة للحرفين اللّذين ابتدأت وتفرّدت بهما من بين باقي السّور،[٤] وقد تناولت السّورة ثلاثة مواضيع أساسيّة وهي: "الإيمان باليوم الآخر والنّشور والأدلّة والبراهين على وحدانيّة ربّ العالمين وقصّة أهل القرية، وسيتمّ التّركيز في هذا المقال حول الحديث عن معنى آية: وامتازوا اليوم أيها المجرمون، بالشرح التفصيلي.[٥]

معنى آية: وامتازوا اليوم أيها المجرمون، بالشرح التفصيلي

لتأويل قول الله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، كما كان النّاس في الدّنيا فريقين يأمر الله تعالى الكافرين بالابتعاد عن المؤمنين في الآخرة ليبقوا كما كانوا في الدّنيا فريقين, والمفارقة بين الآخرة والدّنيا بأنّ يوم الآخرة هو يوم الجزاء، فالمؤمنون إلى الجنّة، والمجرمون إلى النّار، والله تعالى كان قد حذّرهم من عبادة الشّيطان وطاعته المتمثّلة في اتّباعه، فتركوا طاعة الرّحمن وأطاعوا الشّيطان، اتّخذوه وليًّا لهم وهو عدوّهم، فاستحقّوا أن يكونوا من أصحاب السّعير، فوبّخهم الله تعالى وقرّعهم بقوله: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}،[٦][٧] وتفسيرها كالآتي:

تفسير السّعدي

فقول الله تعالى للمجرمين يوم القيامة: {وامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، أي: تميّزوا وانفردوا عن المؤمنين، وابتعدوا عنهم، لأنّكم واردون غير موردهم،[٨] ليختصّهم الله تعالى بالتوّبيخ والتّقريع على رؤوس العباد قبل إدخالهم النّار، قال القرطبيّ في تفسيره: يقال هذا للمجرمين عند إدخال أهل الجنّة الجنّة، فيطلب منالكفّار والمجرمين أن يخرجوا من جملتهم، فتمتاز كلّ فرقة على حدة، ويمتاز المسلمون من المجرمين، إلّا أصحاب الأهواء والمتقلّبون، فيكونون مع المجرمين،[٩] ثمّ يقول لهم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ}، أي: ألم آمركم وأنبّهكم، على ألسنة أنبيائي ورسلي، وأقول لكم: {يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}، أي: أن لا تطيعوه في معصية الله، وفيما يأمركم به؟ وهذا التّوبيخ، يدخل ضمنه التّوبيخ عن كلّ أنواع الكفر والمعاصي، لأنّ جميع معاصيهم طاعة للشّيطان وعبادة له، ثم أخبرهم بقوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، أي: فحذرتكم منه غاية التّحذير، وأنذرتكم بأن تبتعدوا طاعته، وأخبرتكم بما يرغّبكم به، ويدعوكم إليه، {و} أمرتكم {أَنِ اعْبُدُونِي}، أي: التزموا بامتثال أوامري وهجر زواجري، {هَذَا} أي: عبادتي والوقوف عند طاعتي، ومعصية الشيطان بكلّ أوامره، {صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، أي: فمعرفة الصّراط المستقيم وأعماله والالتزام؛ ترجع إلى أمرين اثنين، أي: فلم تحافظوا على عهد الله، ولم تعملوا بوصيتيّته وتعاليمه، فواليتم عدوّه وعدوكم، فأضلّ منكم خلقًا كثيرًا.[١٠]

تفسير القرطبي

ونقل صاحب الطّبري في تفسيره تأويل قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، أي: تميّزوا؛ وهي افتعلوا، من الفعل ماز يميز، فعل يفعل، والخماسي المزيد منه: امتاز يمتاز امتيازًا، يقال لهم هذا عند وقوف الخلق أمام الخالق للسّؤال حين يؤمر بأهل الجنّة بأن يدخلوا الجنّة، فامتاز وتميّز القوم بعضهم عن بعض ، إذا انفصل كل فريق عن غيره؛ أي: عزل الكافرون عن كلّ خير، وأخرجوا من بين المؤمنين لاختلاف المنزلة، قال: فينفصل الكافرون المجرمون بعضهم عن بعض، فيمتاز اليهود فرقة والنّصارى فرقة والصّابئون فرقة والمجوس فرقة وعبدة الأوثان فرقة، وقال داود بن الجراح: فينفصل المسلمون عن المجرمين لاختلاف منزلتهم، إلا أصحاب الأهواء المتقلّبون بمبادئهم وعقائدهم، فيكونون مع المجرمين، وقال الضّحاك: إنّ لكلّ مجرم وكافر في نار جهنّم بيتًا، فيدخله الكافر ويوصد عليه بباب من نار، فيبقى فيه أبد الآبدين، لا يرى ولا يُرى.[١١] وجاء في تفسير الطّبريّ بأن تأويل قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، أي: تميّزوا أيّها المجرمون الكافرون بالله تعالى من المؤمنين اليوم، فإنّ موردكم غير موردهم، ومصيركم غير مصيرهم.[١٢]

تفسير أحمد حطيبة

وقال أحمد حطيبة في تفسيره في قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، أي: ابتعدوا عن مصاحبتكم للمؤمنين، لأنّكم لستم معهم في الجنّة، ولا نور لكم كنورهم، فيؤخذون إلى النّار التي هي مصيرهم، وقوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}، أي: ألم أحذركم من الشّطان، ومن خطر طاعته وعبادته من دون الله تعالى، قوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، أي: إنّ عداوة الشّيطان ظاهرة واضحة، وقد حذرّناكم الشّيطان مرارًا وتكرارًا، وكيف أخرج بآدم من الجنة، وكيف توعدكم بأن تدخلوا النّار سويّة معه، فلا عذر لكم في اتّباعه بعد ذلك، قوله: {وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، أي: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا في عبادته أحدًا غيره، هذا هو الصراط الذي أرشدناكم ودللناكم عليه، وينجّيكم من عذاب الله تعالى إذا سلكتموه.[١٣]

معاني المفردات في آية: وامتازوا اليوم أيها المجرمون

بعد تأويل معنى قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، من كتب التّفسير المعتمدة، بقي لا بدّ من شرح وتوضيح بعض مفردات هذه الآيات، لتصبح هذه الآيات أكثر وضوحًا وفهمًا ويذهب عنها الالتباس، والكلمات هي:

  • امْتَازُوا: اِمتازَ: فعل، امتازَ يمتاز امتَزْ، امتيازًا، فهو مُمتاز، اِمتازَ القائدُ: تميّزا، وبدَا فضلُهُ على مثلهِ، اِمتازَ المهنّدس في مخطّطاته: برعَ فيهَا، تفوَّقَ فيها، يمتازُ عنِ الآخرينَ بِذكائهِ: يَنفردُ، يتميَّزُ، امتاز: انفصل وانعزل عن غيره،  امتاز لكبريائه.[١٤]
  • الْمُجْرِمُونَ: أَجرمَ: فعل، أجرمَ يُجرم، إجرامًا، فهو مُجرِم، واسم المفعول مُجرَم  "للمتعدِّي"، أجرم الرَّجلُ: ارتكب ذنبًا أو جنَى جناية، أَجرمَ عليهم وإِليهم: جَنى جِنايةً، أَجرمَ الرجلَ: أَكسبهُ جُرماً، أجرم الشَّخصَ: ألصق به الجُرمَ أو الذَّنبَ مؤامرة مجرمة، مجرم حرب: من يُتَّهم بارتكاب الجرائم خلال العمليّات الحربيّة، مجرم عائد: مَنْ يكرِّر الجريمة.[١٥]

إعراب آية: وامتازوا اليوم أيها المجرمون

استكمالًا لدراسة الآيات الكريمة: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، تفسيرًا وشرحًا لبعض المفردات فيها، سيتمّ في هذه الفقرة إعرابها مفردات وجملًا، كالآتي:[١٦]

إعراب المفردات:

  • وامْتازُوا: الواو: حرف عطف، امتازوا: فعل أمر مبنيّ على حذف النّون لاتّصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متّصل مبني، في محلّ رفع فاعل.
  • الْيَوْمَ: مفعول فيه ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • أَيُّهَا: منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضّمّ في محلّ نصب على النّداء، والهاء: للتنبيه.
  • الْمُجْرِمُونَ: بدل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنّه جمع مذكّر سالم، والنّون عوضًا عن التنوين في الاسم المفرد.

إعراب الجمل:

  • {وامتازوا}: في محلّ نصب مفعول به "مقول القول" لقول مقدّر، أي: ويقول لهم الله...
  • {أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}: في محلّ نصب مفعول به "مقول القول" لقول مقدّر.

الثمرات المستفادة من آية: وامتازوا اليوم أيها المجرمون

ومع الوصول إلى المحطة الأخيرة حول الآية الكريمة: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، والآيتين: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، سيتمّ إثبات بعض الثمرات المستفادة من هذه الآية الكريمة وهي:[١٧]

  • إثبات ربوبيّة الله تعالى، بأنّه المتحكّم في هذا الكون في الدّنيا وفي الآخرة، وهو الذي يجزي كلًّا حسب عمله.
  • التّمييز بين المؤمنين والمجرمين يوم القيامة، كما تميّز بينهما في الدّنيا لأنّ جزاء المؤمنين في الآخرة غير جزاء المجرمين ومستقرّ المؤمنين غير مستقرّ المجرمين، وإنّ طريق هؤلاء غير طريق هؤلاء.
  • إهانة المجرمين يوم القيامة من خلال طردهم من زمرة المؤمنين، ثمّ إدخالهم إلى مستقرّهم المعدّ لهم بظلمهم وإجرامهم، وهو نار جهنّم.
  • إثبات رحمة الله تعالى بعباده إذ لم يجعل إيمانهم به وإخلاصهم له موكولًا إلى عقولهم، بل عهد إليهم بذلك على ألسنة أنبيائه ورسله.
  • وجوب حذر العباد من طاعة الشّيطان، لأنّ طاعة الشّيطان لا تكون إلّا في معصية الله تعالى، وهذا مآله إلى جهنّم وبئس المصير.
  • وجوب عبادة الله تعالى وحده لا شريك، وهو الطّريق المؤدّي إلى الجنّة ونعيمها.

المراجع

  1. سورة يس، آية:1-2
  2. سورة يس، آية:52
  3. "سورة يس 36/114"، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  4. "مقاصد سورة (يس) "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  5. "سورة يس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  6. سورة يس، آية:59-61
  7. "وامتازوا اليوم أيها المجرمون"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  8. "وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) "، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  9. "القرطبى : وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  10. "وامتازوا اليوم أيها المجرمون "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  11. "القرطبى : وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-29. بتصرّف.
  12. "وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) "، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-29. بتصرّف.
  13. أحمد حطيبة، تفسير أحمد حطيبة، صفحة 3. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى امْتَازُوا في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى الْمُجْرِمُونَ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-29. بتصرّف.
  16. ".إعراب الآية (59):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-29. بتصرّف.
  17. ".تفسير الآيات (57- 64):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
3948 مشاهدة
للأعلى للسفل
×