معنى آية وعنت الوجوه للحي القيوم، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وعنت الوجوه للحي القيوم، بالشرح التفصيلي

سورة طه

سورة طه من السور المكيّة كما ذهب أكثر أهل التفسير، سُمّيت طه -أو "طاها" كما تُقرأ- نسبة للحروف المُقطّعة التي جاءت في بدايتها، ترتيبها من حيث النزول الخامس والأربعون، نزلت بعد سورة مريم وقبل سورة الواقعة، وكان ذلك قبل إسلام عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ورد في فضلها حديث يقول فيه صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ اللهَ تبارك وتعالَى قرأ طه ويس قبل أن يخلُقَ السَّماواتِ والأرضَ بألفيْ عامٍ فلمَّا سمِعتِ الملائكةُ القرآنَ قالت طوبَى لأمَّةٍ ينزلُ عليها هذا"،[١] يبلغ عدد آياتها على الأشهر 135 آية،[٢] وترتيب السورة بين سور القرآن هو 20 بين سورتي مريم والأنبياء في الجزء السادس عشر من القرآن الكريم، وسيقف هذا المقال فيما يأتي من فقرات مع تفسير وشرح آية من سورة طه وهي قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}،[٣] وكذلك ستقف مع إعرابها والوقوف على أهم الثمرات التي يمكن أن يجنيها المسلم من هذه الآية.[٤]


معنى آية: وعنت الوجوه للحي القيوم، بالشرح التفصيلي

ما هو معنى آية: وعنت الوجوه للحي القيوم، بالشرح التفصيلي؟ تمرّ في سورة طه آية قرآنيّة في نهايات سورة طه يقول فيها الحقّ سبحانه وتعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}،[٥] وفي هذه الآية يقول أهل التفسير إنّ المقصود بقوله تعالى {عَنَتِ الْوُجُوهُ} أنّها تذلّ وتستسلم لله تعالى، وبه قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما- فيما نُقل عنه من بعض المُفسّرين وبعض السّلف؛ إذ العنوّ أصله الذلّ، فمنه قالوا عنا وجه فلان لربّه إذا خضع وذل، ومنه قالوا للأسير عانٍ؛ لذلّ الأسر، واختار بعض السلف أنّ المقصود هو الخشوع؛ عنت الوجوه إذا خشعت، وهو قول مجاهد بن جبر التابعي المعروف اختصارًا بمجاهد، وذهب بعض السلف إلى أنّ المقصود بهذه الآية هو السجود لله -تعالى- وإظهار الذل إذا سجد الرجل على يديه وركبتيه وقدميه وجبهته وأنفه، وهو قول طلق بن الحبيب التابعي المعروف، وللعلماء في تأويل العنو مذهبان الأوّل أنّه في الآخرة يوم القيامة، والثاني أنّه في الدنيا وقد كنّى بالوجوه عن الناس؛ لأنّ آثار الذلّ تظهر على وجه الإنسان، وللعلماء في كلمة القيّوم ثلاثة مذاهب؛ الأوّل أنّه "القائم بتدبير الخلق"، والثاني أنّه "القائم على كلّ نفس بما كسبت"، والثالث أنّه "الدائم الذي لا يزول ولا يبيد"،[٦] وأمّا قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} فالعلماء على أنّ الظلم هو الشّرك بالله، وسيخسر الخسران المبين من جاء حاملًا في قلبه شرك بالله تبارك وتعالى، ونُقل هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما، والله هو أعلى وأعلم.[٧]


معاني المفردات في آية: وعنت الوجوه للحي القيوم

بعد الوقوف مع نبذة عن سورة طه، وكذلك الوقوف مع تفسير الآية التي يقول فيها تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}، فإنّ هذه الفقرة تقف مع شرح لمفردات هذه الآية مفردة مفردة بما يكسبها مزيدًا من الوضوح، وشرح مفرداتها سيكون فيما يأتي:

  • عنت: العنو في اللغة يعني الذل، يقولون عنا فلانٌ يعنو عنوًّا إذا استكان وذلّ وخضع.[٨]
  • القيوم: القيّوم من أسماء الله الحسنى، ولعلماء اللغة في ذلك أقوال منها أنّه مشتقّ من القيام بالأمور، وعلى ذلك يكون معنى القيّوم أنّه القائم بتدبير أمور الخلق في إنشائهم ورزقهم، وفي لغة من لغات العرب يقولون القيّام، ومنه حديث دعاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في دعاء التهجّد إذ يقول: "اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَن فِيهِنَّ..."،[٩] والله أعلم.[١٠]
  • خاب: والخيبة هي الخسران كما ذهب أهل اللغة، ومنه قوله تعالى في سورة إبراهيم: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}؛[١١] أي: خاب سعيه وخسر.[١٢]
  • ظلمًا: الظلم مصدر الفعل ظَلَمَ، وهو في الأصل وضع الشيء في غير موضعه والعدول عن الحق، والأصل في الظلم الجَور ومجاوزة الحد، ومن معانيه كذلك الشرك بالله، ومن ذلك قوله تعالى في القرآن الكريم في سورة الأنعام: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}،[١٣] والمعنى -كما ذهب إليه أهل التفسير وقال به عدد من الصحابة منهم حذيفة بن اليمّان وابن مسعود وسلمان الفارسي وابن عبّاس رضي الله عنهم- هو الشرك؛ فمعنى الآية يصبح الذين لم يخلطوا إيمانهم بشرك، والله أعلم.[١٤]


إعراب آية: وعنت الوجوه للحي القيوم

تقف هذه الفقرة فيما يأتي مع إعراب تفصيليّ للآية القرآنيّة من سورة طه التي يقول فيها تعالى اسمه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}،[١٥] فتتوقّف هذه الفقرة مع إعرابها إعراب مفردات وإعراب جمل، وسيكون ذلك فيما يأتي:

  • وعنَتْ: الواو استئنافيّة، وعنَتْ فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة منعًا من التقاء السّاكِنَين، والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محلّ لها من الإعراب.[١٦]
  • الوجوهُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.[١٧]
  • للحي: اللام حرف جر، والحي اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل عنَت.[١٦]
  • القيّومِ: صفة للحي مجرورة مثلها، وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة على آخرها.[١٧]
  • وقد: الواو استئنافيّة، وقد حرف تحقيق.[١٦]
  • خابَ: فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على آخره.
  • مَن: اسم موصول مبني في محل رفع فاعل.[١٧]
  • حملَ: فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على آخره.
  • ظلمًا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.[١٦]
  • جملة {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[١٦]
  • جملة {وَقَدْ خَابَ}: في محل نصب حال من الوجوه.[١٦]
  • جملة {حَمَلَ ظُلْمًا}: صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.[١٦]


الثمرات المستفادة من آية: وعنت الوجوه للحي القيوم

قبل الوقوف مع الثمرات المستفادة من آية {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}،[١٨] في سورة طه ينبغي الوقوف مع الثمرات التي يمكن أن يجنيها المسلم من تدبّره للقرآن الكريم، فقراءة القرآن الكريم بتدبّر تُكسب المؤمن فوائد كثيرة أكثر من أن تُحصى، منها أنّها تُعمّق الإيمان بالله تعالى واليقين بأنّ القرآن الكريم من عند الله تعالى، وتزيد من خشوع المؤمن في صلاته إن قرأه بتدبّر، ومنها أنّها تزيد من معرفة العبد بربّه سبحانه وتعالى، وتزيد من معرفة العبد بأوامر الله -تعالى- له، وبالتالي يعلم حقيقة وجوده على هذه الأرض؛ وهو تحقيق معنى العبوديّة لله -تعالى- وحسب، وهذا مقتضى وجود البشر في الدنيا، وأنّ من ثمرات تدبر القرآن الكريم أنّه يشفي صدور المؤمنين ويقذف فيها النور ويدفع عنها الأخطار، وكذلك يربّي العقل وينمّيه ويهذّب النفس ويصقل المواهب.[١٩]

وأمّا الثمرات المقتطفة من قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}،[٢٠] فيمكن أن تكون يقين المسلم بعاقبة الظلم يوم القيامة؛ إذ يومها ستذلّ الخلائق لله جلّ وعَلَا، وسيلقى الظالم جزاء ما كسبت يداه، وهذا من شأنه أن يردع الناس عن ارتكاب الظلم الذي قد حرّمه الله -تعالى- على نفسه وجعله بين الناس محرّمًا، إذ يروي أبو ذرّ الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عنه ربّه في الحديث القدسيّ المشهور أنّه تعالى قال: "يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا"،[٢١] فالإنسان حين يعلم أنّ الظلمَ مرتعُهُ وخيمٌ، وأنّ الله قد نهى عن الظّلم، وأنّ جزاء الظلم يوم القيامة سيكون عظيمًا فإنّه سيرتدع من نفسه عن ارتكاب أنواع الظلم كافّة سواء كان ظلمًا عظيمًا كالإشراك بالله تعالى -والذي حمل أكثر المفسّرين معنى الآية عليه- أم كان ظلمًا يمارسه في بيته أو في عمله أو في مناحي حياته الأخرى، ومن الثمرات التي يمكن أن يجنيها المسلم من هذه الآية أنّ الظّلم يقود إلى الفساد والإفساد؛ كفساد الهيئات العلميّة أو العمليّة كدوائر الدولة والتعليم ونحوها، أو قد يكون فساد في القلوب، وإذا فسدت القلوب فسد المجتمع وخابت تلك الأمّة التي أصيبت في قلوب أبنائها، وسينتج عنه كذلك عداوات وبغضاء بين المظلومين والظّالمين، ومن ثمراتها كذلك أن يعلم المسلم أنّ الخلائق يوم القيامة تبحث عن فتيل تتعلّق به من هول ما تراه، ولكن المشهد على الظالم يكون أعتى وأكبر مما هو على غيره؛ للحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "اتَّقُوا الظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ"،[٢٢] والله -تعالى- أعلم.[٢٣]

المراجع

  1. رواه أبو نصر السجزي الوائلي، في التذكار، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:199، حديث حسن غريب.
  2. "التحرير والتنوير"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  3. سورة طه، آية:111
  4. "سورة طه"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  5. سورة طه، آية:111
  6. "تفاسير الآية 111 من سورة طه"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  7. "تفسير: (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى عنا في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:769، حديث صحيح.
  10. "تعريف و معنى القيوم في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  11. سورة إبراهيم، آية:15
  12. "تعريف و معنى خاب في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  13. سورة الأنعام، آية:82
  14. "تعريف و معنى الظلم في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  15. سورة طه، آية:111
  16. ^ أ ب ت ث ج ح خ "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  17. ^ أ ب ت "وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَىِّ ٱلْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (طه - 111)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  18. سورة طه، آية:111
  19. "ثمرات تدبر القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  20. سورة طه، آية:111
  21. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2577، حديث صحيح.
  22. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2578، حديث صحيح.
  23. "وقد خاب من حمل ظلما"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
2419 مشاهدة
للأعلى للسفل
×