محتويات
سورة البقرة
تعدُّ سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم، وهي ثاني سورة في ترتيب السور في المصحف بعد سورة الفاتحة وقبل سورة آل عمران، وقد كانت أول سورة نزولًا بعد الهجرة النبوية إلى المدينة، عدا الآية: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}،[١] نزلت في مكة أثناء حجة الوداع في منى وكانت آخر آية نزلت من عند الله، بالإضافة إلى آيات الربا كانت من أوائل الآيات نزولًا، تسمَّى السورة فسطاط القرآن، لعظمتها واحتوائها على أحكام ومواعظ كثيرة، وفيها أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي، وفيها أطول آية في القرآن وهي آية الدين أو المداينة، بدأت السورة بحروف مقطعة مثل كثير من السور متحدثةً عن أحوال المتقين وصفاتهم، حيث يقول تعالى في مطلعها: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}،[٢] وهذا المقال سيتحدث عن معنى آية: وقالوا قلوبنا غلف، بالشرح التفصيلي.[٣]
معنى آية: وقالوا قلوبنا غلف، بالشرح التفصيلي
في الحديث عن معنى آية: وقالوا قلوبنا غلف، بالشرح التفصيلي من الضروري المرور على بعض المعلومات عن الآية الكريمة، إذ تقع تلك الآية في سورة البقرة وهي الآية رقم 88 فيها، ذكرها الله تعالى عندما تحدَّث عن بني إسرائيل وكيف كانوا يكذبون الرسل الذين يرسلهم الله إليهم، حيثُ يقول تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ* وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ}،[٤] ويشيرُ معنى الآية إلى أنَّهم أرادوا بقولهم ذاك أنَّ قلوبهم مقفلةٌ دون أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يصلها شيء من دعوته، ولن يصل من دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قلوبهم أي شيء ولن يعقلوه ولن يفقهوه، ونحو هذا المعنى وردَ في سورة الأنعام في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا}،[٥] فهم يريدون أن يقولوا: إنَّ قلوبنا لا تقبل ولا تفقه ما تقول، فلا تجهد نفسك بهدايتنا ونحن لا نريد ذلك.[٦]
وقد وردَ عن ابن عباس أنَّه قالَ في معنى الآية: وقالوا قلوبنا غلف أي في أكنة، وفي رواية أخرى: أي قلوبنا لا تفقه شيئًا، وهي القلوب المطبوع عليها، وعن مجاهد: وقالوا قلوبنا غلف أي عليها غشاوة لا ترى الحق، وذهب آخرون إلى أنَّها عليها طابع لا تفقه من الحق شيئًا، ونحو ذلك رآى السدي أي عليها غلاف وغطاء، فلا تعي ولا تفقه، وقد لعنهم الله تعالى لأنهم كفروا وجحدوا واستمروا على كفرهم، وطردهم وأبعدهم عن كل خير، وعن قتادة أنَّه لا يؤمنُ منهم إلا القليل ومثله قوله تعالى: {وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ}،[٧] وبذلك قال معظم أهل العلم والتفسير، فقلوب الكفار محجوبة في أغطية وأغلفة لا يصل إليها شيء من قول الحق، والله تعالى أعلم.[٨]
معاني المفرادات في آية: وقالوا قلوبنا غلف
إنَّ الوقوف على معاني مفردات الآية الكريمة كل منها على حدة من شأنه أن يساعد في معرفة المعنى العام والمقصود بشكل أقرب للصواب، فقد تحمل الكلمة أكثر من معنى، ولا يتَّضح المعنى الذي تحمله الكلمة في الآية إلا من خلال سياق الكلام وأقوال المفسرين والمرور على أسباب نزول القرآن الكريم وغير ذلك، وفيما يأتي معاني المفردات في آية: وقالوا قلوبنا غلف:
- قالوا: من الفعل قال ويقول قولًا، قال عن وقال في وقال لـ، الفاعل قائل والمفعول مقول، ومعنى قال: أي تلفَّظ وتكلم، قال: خاطب، قال فلانًا صادقًا: ظنَّ فلانًا صادقًا، قال في نفسه: حدَّث نفسه، قال أنَّه سيأتي لاحقًا: أخبر أنَّه سيأتي لاحقًا، قال بآراء بآراء السلف: اعتنق نفس الأقوال وتحدَّث بها، قال: تحدَّث وأفصحَ وتكلم.[٩]
- قلوبنا: جمع كلمة قلب، والقلب هو عضو أجوف في داخل جوف الإنسان، يستقبل الدماء من الأوردة ويدفعه في الشرايين، يقع في أعلى الجهة اليسرى من الصدر، وقد يعبر بالقلب عن العقل، أعمى القلب: لا يهتدي للحق، أبيض القلب: طاهر بريء، بسيط القلب: ساذج طبيعي، والقلب يشار إليه بأنَّه أداة للتعقل والوعي والتفكُّر.[١٠]
- غلف: جمع كلمة أَغلَف، حيث تجمع هذه الكلمة على غُلف وغلُف وغُلَّف، ومؤنثه غلفاء، ومعنى قلوب غلف: مغلقة قاسية، لا يصل إليها قول الحق والموعظة ولا تقبله.[١١]
سبب نزول آية: وقالوا قلوبنا غلف
بعد معرفة المعاني يجدر بالذكر معرفة سبب نزول الآية، لأنَّ المعنى لا يكتمل إلا بمعرفة أسباب النزول، وقد وردَ عن الحافظ ابن حجر في سبب نزول الآية أخرجَ ابن أبي حاتم من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس -رحمه الله- قال: كانت اليهود تقول قلوبنا مملوءة علمًا ولا نحتاج إلى علم محمد ولا غيره، بل هي غلُف، فنزلت الآية فيهم، ولعنهم الله بكفرهم وتكبرهم،[١٢] ومثل ذلك وردَ في تفسير الطبري، عن المنجاب قال: حدَّثنا بشير بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ}،[١٣] نزلت في اليهود الذين كانوا يقولون إنَّ قلوبنا مملوءةً علمًا ولا نحتاج إلى علم محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا إلى علم غيره، فأنزل الله الآية ولعنهم الله وأتبع تلك الآية بوعيدٍ شديدٍ، وطردَ أولئك الكفار من رحمته وأبعدهم عن كل خير، فهم قليلًا ما يقفون على كلام الله ويؤمنون به.[١٤]
إعراب آية: وقالوا قلوبنا غلف
يعدُّ إعراب القرآن الكريم من علوم القرآن التي تناولها العلماء بالدراسة والبحث منذ قرون طويلة، وجعلوا له كتبًا كبيرةً ومستقلةً بذاتها، لأنَّ إعراب مفردات الكلمات في كتاب الله يساعد في تحديد المعاني المقصودة منها، من خلال تحديد موقع ووظيفة كل كلمة، ولذلك عند دراسة وتفسير آية لا بدَّ من الإحاطة بعدة جوانب مثل: شروح المفسرين وأسباب النزول والإعراب من أجل الوصول إلى المعنى بشكل دقيق، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج إعراب آية: وقالوا قلوبنا غلف، إعراب مفرداتٍ وجُمَل:[١٥]
- وقالوا: الواو استئنافية، قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بالواو، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة "قالوا قلوبنا غلف" جملة فعلية استئنافية لا محل لها من الإعراب.
- قلوبنا: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، و "نا" ضمير متصل في محل جر مضاف إليه، وجملة "قلوبنا غلف" جملة اسمية وهي جملة مقول القول في محل نصب.
- غلف: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
الثمرات المستفادة من آية: وقالوا قلوبنا غلف
في نهاية المقال يجب المرور على الثمرات التي لا بدَّ للمسلم أن يمتثلها في حياته كلها، لأنَّ تلك الثمرات لا تنحصر في المواعظ والحكم وإنَّما تشمل الأحكام والتعاليم والأوامر والنواهي الإلهية، وقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم من أجل هذه الغاية، حيثُ قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ}،[١٦] فالقرآن الكريم نزل تبيانًا لكلِّ شيء كما قال تعالى، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر الثمرات المستفادة من آية: وقالوا قلوبنا غلف:[١٧]
- بنو إسرائيل هم نفسهم على مرِّ العصور، وكانوا دائمًا يكذبون رسل الله وأنبياءه، ويقتلون أنبياء الله بغير حق، ولذلك غضب الله عليهم ولعنهم.
- إنَ الحقَّ لا يغطيه غطاءٌ ولا يمنع وصوله إلى القلب حاجز، ولكنَّ بعض البشر هم من يصمون آذانهم ويغلقون أعينهم عن الحق، ويقفلون صدورهم عن أن يعقلوه أو يفقهوه إذا سمعوه وأبصروه، قال تعالى في سورة الحج: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.[١٨]
- جزاء الكفار والمتكبرين على الله تعالى اللعن وهو الطرد من رحمته ومن أبواب الخير جميعها، وفي الآخرة عذابٌ شديد.
- لا يغني المتكبر تكبره عنه يوم القيامة وسيلقى العذاب الذي وعده به تعالى.
- في كل آية من آيات الله دعوة للتفكر والتدبُّر في آيات الله تعالى، لأنَّ ذلك يقوي عرى الإيمان ويزيد ثقة المسلم بربِّه تعالى وبالكتاب الذي أنزله على نبيه.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:281
- ↑ سورة البقرة، آية:1-3
- ↑ "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:87-88
- ↑ سورة الأنعام، آية:25
- ↑ "تفسير: (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ سورة فصلت، آية:5
- ↑ " من قوله: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ..)"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى قالوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى قلوبنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى غلف في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر العسقلاني، موسوعة الحافظ ابن حجر العسقلاني الحديثية، صفحة 272.
- ↑ سورة البقرة، آية:88
- ↑ "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية:89
- ↑ "وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌۢ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:46