محتويات
سورة البقرة
سورة البقرة هي السورة الثانية في ترتيب سور القرآن الكريم حيث تقع بعد سورة الفاتحة، وهي أطول سور القرآن الكريم فعدد آياتها 286 آية، وهي سورة مدنية وقيل أنّها أول سورة نزلت في المدينة المنورة، وقد سُميّت بهذه الاسم لورود قصة بقرة بني إسرائيل فيها،[١] وهي سورة ذات فضل عظيم فهي تُنّفر الشيطان من البيت الذي تُقرأ فيه، وتُسمّى هي وسورة آل عمران بالزهراوين؛ حيث إنّهما يدافعان عن قارئهما يوم القيامة وفي تطبيق أحكامها وما جاءتا به خيرٌ كبير وبركة، ومن مقاصد هذه السورة العظيمة إرساء أصول العقيدة وبيان أدلة التوحيد وصدق البعث والجزاء، كما أنّ سورة البقرة اعتنت بجانب الشريعة فتحدّثت في العبادات كالصلاة والصوم ومن الآيات ما اهتمّ بالأحوال الشخصية والمعاملات المالية والحدود وغير ذلك من التشريعات الإسلامية، كما أنّها ذكرت أنّ الناس ينقسمون إلى ثلاثة أصناف وهم المؤمنون والكفار والمنافقون، وسيتناول هذا المقال معنى آية: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا، بالشرح التفصيلي.[٢]
معنى آية: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا، بالشرح التفصيلي
تكلّمت سورة البقرة عن خيرية الأمة المحمدية وعن أنّ هذه الأمة هي التي جُعلت وسطًا بين الأمم وسوف تشهد على تبليغ الأنبياء وحي الله -عزّ وجلّ- إلى أنبيائه، فقد قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}،[٣] وقد تمّ تفسير قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا، في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "يَجِيءُ نُوحٌ وأُمَّتُهُ، فيَقولُ اللَّهُ تَعالَى، هلْ بَلَّغْتَ؟ فيَقولُ نَعَمْ أيْ رَبِّ، فيَقولُ لِأُمَّتِهِ: هلْ بَلَّغَكُمْ؟ فيَقولونَ لا ما جاءَنا مِن نَبِيٍّ، فيَقولُ لِنُوحٍ: مَن يَشْهَدُ لَكَ؟ فيَقولُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أنَّه قدْ بَلَّغَ، وهو قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَكَذلكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ علَى النَّاسِ} والوَسَطُ العَدْلُ"،[٤] فالوسط هو العدل، والشهادة المذكورة في الآية القرآنية هي شهادة أمة محمد على تبليغ الرسل أممهم بما تلقّوه عن ربهم.[٥]
تفسير الطبري
ويقول الطبري في تفسيره لهذه الآية أنّ الله تعالى يخبر عباده المؤمنين بأنّه كما هداهم ووفقهم لأن تكون على ملّة إبراهيم واختار الكعبة لتكون قبلتهم، وفضلهم على غيرهم من الأمم، ميّزهم أيضًا وفضلهم بجعلهم أمة وسطًا، وقد فسّر معنى الأمة بأنّه القرن من الناس والصنف منهم ومن غيرهم، والوسط في لغة العرب هو الخيار، وقد اختار الطبري أنّ الوسط هو الجزء بين الطرفين، ووجه هذا الوصف بأنّ أمة محمد هي أمة متوسطة بين الأمم، فالدين الإسلامي ليس فيه غلو مثل الغلو بالدين المسيحي كالرهبانية، والقول في عيسى أنّه ابن الله، وليس فيه تقصير مثل تقصير اليهود الذين حرفّوا بكتاب الله الذي أُنزل عليهم، وقاموا بقتل أنبيائهم، وكذبوا على ربهم وكفروا به، فالإسلام هو دين التوسط والاعتدال وأحب الأمور إلى الله أوسطها، أمّا أهل التأويل فهم على أنّ المقصود بالوسط هم العدول الخيار، وممّن قال بهذا القول ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء وغيرهم من مفسري السلف، وقد قال ابن زيد أنّ الوسط يعني الوسط بين رسول الله وبين الأمم.[٦]
تفسير الألوسي
كما فسر الألوسي هذه الآية وقال أنّ معنى الوسط هو العدول والخيار، وبأنّ الكلمة في أصلها تُطلق على ما يستوي نسبة الجوانب إليه كالمركز، ثمّ اُستعيرت هذه اللفظة وأصبحت تدلّ على الصفات البشرية المحمودة، لأنّها وسط بين الصفات المذمومة التي يولدّها الإفراط والتفريط، فالكرم هو وسط بين الإسراف والبخل، والشجاعة هي وسط بين الجبن والتهور، وكذا باقي الصفات الحميدة، وهو من باب إطلاق الحال على المحل وهو اسم جامد يستوي فيه الفرد والجماعة، كما قال بأنّ كلمة "كذلك" قد أفادت التثبيت والتوكيد، والتعبير بقوله "جعلناكم" يدلّ على تحقّق الأمر، وقد ذكر الألوسي الكثير والكثير من الفوائد المتعلّقة بهذه الآية والمستنبطة من تفسيرها مثل أنّ العلماء قد قالوا بأنّ اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الكبائر يُسمّى بالعدالة في إحياء الحقوق.[٧]
تفسير الواحدي
وجاء في تفسير الواحدي بأنّ معنى "وكذلك"، أي: وكما هديناكم صراطًا مستقيمًا، ومعنى "أمة وسطًا"، أي: خيارًا وعدولًا، كما جاء في تفسير البغوي أنّ سبب نزول هذه الآية هو قول رؤوساء اليهود لمعاذ بن جبل بأنّ تحويل القبلة وترك النبي لقبلتهم هو بسبب الحسد فقبلتهم هي قبلة الأنبياء وهم عدلٌ بين الناس والرسول يعلم بذلك، فردّ عليهم معاذ بأنّ المسلمين هم العدول وهم أهل الحق وأنزل الله تعالى هذه الآية، وفي معنى قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة"، أي: كما اصطفينا إبراهيم واخترناه هو وأمته فقد جعلناكم أمة وسطًا، أي: خيارًا، ونقل قول الكلبي بأنّهم أهل دين وسط بين الغلو والتقصير فكلاهما مذمومان في الدين.[٨]
تفسير السعدي
وقال السعدي أنّ معنى هذه الآية أي عدولًا وخيارًا، وكل ما عدا الوسط وعلى الطرف فهو في خطر، فأمّة الإسلام هي وسط بين الأمم في جميع أمور الدين، فهم متوسطين في الأنبياء فليسوا كالنصارى الذين غالوا في أنبيائهم، ولا كاليهود الذين جفوا أنبياءهم وعاملوهم بقسوة، وإنّما آمن المسلمون بهم على الوجه المطلوب، والشريعة الإسلامية هي وسط بين الشرائع فليس فيها تشديد كالشريعة اليهودية وليس فيها تهاون كشريعة النصارى، ففي باب الطهارة والطعام هم وسط كذلك، فاليهود لا تصح صلاتهم إلّا في كنائسهم وبيعهم، ولا يطهرهم الماء من النجاسات وحُرّمت عليهم الطيبات عقوبةً لهم، والنصارى لا يعدّون شيء نجسًا، ولا يحرّمون شيء بل أباحوا كل ما دبّ ودرج، أمّا طهارة المسلمين فهي أكمل طهارة وأتمّها، وأباح الله لهم الطيبات من الأمأكول والمشروب واللباس والمناكح، وحرّم عليهم الخبائث من ذلك، فلأمة محمد من الدين أكمله ومن الأخلاق أجلّها ومن الأعمال أفضلها، حيث وهبهم الله من العلم والحلم والعدل والإحسان، ما لم يهبه لأمة غيرهم، فهم كاملين ومعتدلين.[٥]
معاني المفرادات في آية: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا
اهتم العلماء المشتغلون بالقرآن الكريم وعلومه بتفسير الآيات القرآنية وذكر أسباب نزولها بالإضافة إلى وجود كتب ومؤلفات تهتم بمعاني المفردات والألفاظ القرآنية، فجميع هذه المصنفات تخدم القرآن الكريم وتزيد في فهمه لدى المسلمين وغيرهم من المهتمين بدراسة القرآن والاطلاع على دين الإسلام، كما أنّ معاجم اللغة قد تضمنّت لمعاني المفردات القرآنية، وفيما يأتي بيانٌ لمعاني المفردات في آية: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا:
- جعلناكم: الجعل في اللغة هو الخلق والإنشاء والاتخاذ والتصيير.[٩]
- أمة: جماعة من الناس بينهم روابط مشتركة.[١٠]
- وسطًا: الوسط هو المعتدل من كل شيء، وهو ما بين الطرفين.[١١]
إعراب آية: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا
اللغة العربية هي لغة متميزة وعريقة، فكل حرف وكل كلمة وكل أداة له معنى ودلالة معينة لا توجد في غيرها، وخير مثال على دقّة هذه اللغة وعمقها آيات القرآن الكريم وجمله، وقد تمّ بيان معاني مفردات آية: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا، وفيما يأتي بيان لإعراب مفرداتها:[١٢]
- وكذلك: الواو حرف عطف، كذا: جار ومجرور متعلقّان بمحذوف مفعول مطلق لفعل جعلنا، واللام للبعد والكاف للخطاب.
- جعلناكم: جعل: فعل ماض مبني على السكون، و "نا" الفاعلين، و "كم" ضمير مفعول به أول.
- أمة: مفعول به ثانٍ منصوب.
- وسطًا: نعت لأمة منصوب مثلها.
- جملة "جعلناكم": لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة "يهدي من يشاء".
الثمرات المستفادة من آية: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا
سورة البقرة هي سورة عظيمة مليئة بالحكم والأسرار الربانية ورغم طولها وكثرة الموضوعات التي احتوتها إلّا أنّ بين هذه الموضوعات ترابط عجيب وعند قراءة هذه السورة بتأمل والتفكر في معاني الآيات الواردة فيها والبحث فيما قاله العلماء وأهل التفسير يظهر ذلك واضحًا وجليًّا، فمن أهداف سورة البقرة الحديث عن مسألة البعث وإحياء الموتى، وقد وردت عدّة قصص توضّح بصورة عملية كيفية إحياء الموتى ومنها قصة بقرة بني إسرائيل، وقصة النبي إبراهيم وطلبه لرؤية هذا الإحياء، وغير ذلك من القصص التي تهدف إلى الهدف ذاته، كما تكلّمت هذه السورة عن اصطفاء الله تعالى لإبراهيم وأمته وعن خيرية أمة محمد ووسطيتها، وفيما يأتي بيانٌ لبعض الثمرات المستفادة من آية: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا:[٢]
- أمة الإسلام مفضّلة على جميع الأمم فهي خيرها وأوسطها.[٥]
- وصف الله تعالى لأمة محمد بكونهم خيار الناس وأوسطهم يقتضي أن يسعى كل مسلم للالتزام بهذه الخيرية والوسطية.[٧]
- الدعوة الربانية للعباد بالتزام المنهج الوسط والطريق المستقيم بلا مغالاة ولا إفراط ولا تفريط ولا انحراف فهذا هو الخير.[٨]
- رحمة الله تعالى بهذه الأمة تظهر من خلال خطابه المباشر ووضع التشريعات المناسبة لهم وعدم التشديد عليهم كبني إسرائيل.[٥]
المراجع
- ↑ "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
- ^ أ ب "موسوعة التفسير"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:143
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:3339، حديث صحيح.
- ^ أ ب ت ث "تفسير : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا)"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
- ↑ "القول في تأويل قوله تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا""، islamweb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
- ^ أ ب "تفسير قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
- ^ أ ب "تفسير: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى جعل في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أمة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى وسط في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.