معنى آية وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، بالشرح التفصيلي

سورة الإسراء

سورة الإسراء من السورة المكيّة ماعدا الآيات"32"، "33"، "57"، وترتيبها في المصحف "17"، في الجزء الخامس عشر وهي من المئين آياتها "111"، بدأت السورة بتسبيح الله وتنزيهه عن كلّ نقص وعيب فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}،[١] نزلت بعد سورة القصص، ومن مقاصد السورة وأهدافها أن بيّنت كمال الرسالة المحمدية وفيها إشارات وبشارات للرسالة مضمونًا ومستقبلاً ومعظم السورة تحدثت عن بني إسرائيل لذلك تُسمى أيضًا سورة بني إسرائيل وقد ظهر في هذه السورة سمة لم ترد في أيّ سورة غيرها وهي: أنّ السورة تكلمت عن القرآن الكريم وحجيّته بشكل تفصيليّ دقيق وقد جاء في فضلها بعض الأحاديث النبويّة منها ما رواه الترمذيّ في سننه عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه-  أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان لا ينامُ حتّى يقرأ المسبّحاتِ ويقولُ فيها آيةٌ خيرٌ من ألفِ آية"[٢][٣][٤]


معنى آية: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، بالشرح التفصيلي

دين الله تعالى مبنيّ على أصل الرحمة والعدل والقسط من رب العالمين، قال الله -جلّ جلاله-: {وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ}،[٥] قال المفسرون صدقاً في: الأخبار، وعدلاً في: الأحكام. ومن ذلك أنّ الله تعالى لايعذّب أحد بذنب أحد بل إن كلّ إنسان سيحاسبه الله تعالى على كلّ ما قدّم في حياته إن قدّم خيراً سيلقاه وإن عمل شراً سيلقاه ولا يظلم ربك أحداً، قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَلَقَد جِئتُمونا فُرادى كَما خَلَقناكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكتُم ما خَوَّلناكُم وَراءَ ظُهورِكُم وَما نَرى مَعَكُم شُفَعاءَكُمُ الَّذينَ زَعَمتُم أَنَّهُم فيكُم شُرَكاءُ لَقَد تَقَطَّعَ بَينَكُم وَضَلَّ عَنكُم ما كُنتُم تَزعُمونَ}،[٦] فالله -سبحانه وتعالى- الحساب عنده بمثقال الذرّ كما قال -سبحانه وتعالى-: {وَنَضَعُ المَوازينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا وَإِن كانَ مِثقالَ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ أَتَينا بِها وَكَفى بِنا حاسِبينَ}[٧]و قول الله -جلّ وعلا-: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلزَمناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتابًا يَلقاهُ مَنشورًا}،[٨][٩]


إذ تعدّ هذه الآية العظيمة أصلًا عظيمًا في بيان عدل الله تعالى وأنّه تعالى لا يعذّب أحد بذنب أحد ولو كان ذا قربًا قال الله -عزّ وجل-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ}،[١٠] فقوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلزَمناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتابًا يَلقاهُ مَنشورًا}،[١١] قال المفسرون: "وكلّ إنسان جعلنا عمله الصادر عنه ملازمًا له ملازمة القلادة للعنق، لا ينفصل عنه حتى يحاسب عليه ونخرج له يوم القيامة كتابًا فيه جميع ما عمل من خير وشر يجده أمامه مفتوحًا مبسوطًا".[١٢]


قال الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "يقول تعالى ذكره: وكلّ إنسان ألزمناه ما قضى له أنه عامله وهو صائر إليه من شقاء أو سعادة بعمله في عنقه لا يفارقه، وإنما قوله "ألْزَمْناهُ طائِرَهُ" مثل لما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها، فأعلمهم -جلّ ثناؤه- أن كلّ إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه نحسًا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر وشقاًء يورده سعيرًا أو كان سعيدًا يورده جنّات عدن". [١٣]


فالله تعالى قد جعل لكلّ إنسان كتاب يقرؤه يوم القيامة وهذا الكتاب بناه ربّ العزة والجلال على رحمته وفضله وعلى عدله وحكمته ولا يظلم ربنا أحدًا كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسيّ عن الله -تبارك وتعالى-: عنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قالَ: "يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا.."،[١٤] وقال ربنا -تبارك وتعالى- في سورة الزمر: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[١٥]


قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} للمفسرين في بيان معناها وجهان، الأول: ما سبق له في علم الله من شقاوة أو سعادة؛ لأن ما يطير له من العمل هو سبب ما يؤول إليه من الشقاوة أو السعادة، والوجه الثاني: أن المراد بالطائر: العمل، من قولهم: طار له سهم، إذا خرج له، أي: ألزمناه ما طار له من عمل، وكلا القولين متلازمين.[١٦]


معاني المفردات في آية: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه

من طرائق المفسّرين -رحمهم الله- في تفسيرهم القرآن الكريم أن يبيّنوا معاني المفردات للآيات الكريمة إذ هو أصل علم التفسير؛ فإنّ التفسير يدور على معرفغة مراد الله -تبارك وتعالى- للآيات ولا يتأتى ذلك إلا من خلال معرفة مفردات الكلمات القرآنية، فالله تعالى أنزل القرآن الكريم باللغة العربية قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}،[١٧] وفي الآتي بيان لمعاني هذه الآية الكريمة:

  • إنسان: اسم الجمع منه: أناسيّ و أُناس و المؤنث منه: إنسانة، وهو: الكائن الحيّ المفكر.[١٨]
  • ألزمناه: جعلنا له عمله ملازمًا له لا يفاترقه ولا يتحمّل أحد عنه عذابه، و لزم الشَّيْءُ: إذا ثَبَتَ و دَامَ.[١٩]
  • طائره: المراد بالطائر هنا: قيل هو عمله الصالح، وقيل هو علم الله السابق في الإنسان إمّا إلى الجنّة أو إلى النّار.[٢٠]
  • في: حرف جرّ يفيد الظرفيّة الحقيقيّة أو المجازيّة.[٢١]
  • عنقه: العنق: الرقبة، وهي وصلةٌ بين الرأس والجسد، والمراد بها هنا كناية على أنّ الإنسان يتحمّل عمله بنفسه وهو من يقيم الحجّة على نفسه بالإقرار على نفسه بالخير أو بالشّر.[٢٢]


إعراب آية: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه

هل لمفردات هذه الآية إعراب في اللغة العربية؟ بعد الانتهاء من تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}[٢٣] وبيان مفردات الآية وغريبها، يحسن حينئذ التطرق للجانب النحويّ للآية الكريمة؛ وذلك لما للنحو والإعراب للآيات من أثر في التفسير وفي الآتي إعراب لقوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}:[٢٤][٢٥]

  • الواو: حرف عطف.
  • كل: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره لفعل محذوف، وهو مضاف.
  • إنسان: مضاف إليه وعلامة جره تنوين الجرّ.
  • ألزم: فعل ماضي مبني على السكون.
  • نا: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • الهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.
  • طائر: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • الهاء: ضمير متصل في محل جر المضاف إليه.
  • في: حرف جر.
  • عنق: اسم مجرور ب في وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة في آخره وهو مضاف.
  • الهاء: ضمير متصل في محل جر المضاف إليه.


الثمرات المستفادة من آية: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه

ما هي الثمرات المستفادة من هذه الآية؟ في بيان الثمار والفوائد المستنبطة يحسن ذكرها بعد الانتهاء من بيان تفسيرها لكي يستنبط الفوائد من خلال دراستنا لتفسير الآية الكريمة وبيان مفرداتها وفي الآتي ذكر لأهمّ الفوائد المستنبطة من قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلزَمناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتابًا يَلقاهُ مَنشورًا}:[٢٦][١٦]

  • أنّ الله تعالى سيحاسب كلّ إنسان بعمله ولن يتحمّل أحد عن أحد ولو كان ذا قربى.
  • في قوله تعالى: {أَلزَمناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ} شبّه الله تعالى عمل الإنسان بالطائر وذلك لأنّ ذلك كان مشهورًا عند العرب في الجاهليّة كانوا يتطيّرون ويتشاءمون بالطائر؛ حيث إذا انطلق إلى جهة اليمين أقدموا وإذا انطلق لليسار أحجموا وكانوا يسمونها "السوارح والبوارح"، وقد حرّم الإسلام ذلك كلّه بالتوكل وتفويض الأمور وصدق الاعتماد على الله -عزّوجلّ-.
  • وفي قوله تعالى: {طائِرَهُ} قيل العمل، وقيل هو علم الله -تبارك وتعالى- السابق للإنسان إن كان من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "جَاءَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعْشُمٍ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأنَّا خُلِقْنَا الآنَ، فِيما العَمَلُ اليَومَ؟ أَفِيما جَفَّتْ به الأقْلَامُ، وَجَرَتْ به المَقَادِيرُ، أَمْ فِيما نَسْتَقْبِلُ؟ قالَ: لَا، بَلْ فِيما جَفَّتْ به الأقْلَامُ وَجَرَتْ به المَقَادِيرُ قالَ: فَفِيمَ العَمَلُ؟ قالَ زُهَيْرٌ: ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزُّبَيْرِ بشيءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَسَأَلْتُ: ما قالَ؟ فَقالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ".[٢٧]

المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:1
  2. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم:3406، حسن غريب.
  3. "سورة الإسراء"، holyquran.net، 2020-06-29. بتصرّف.
  4. "سورة الإسراء آية رقم (13)"، ar.wikipedia.org، 2020-06-29. بتصرّف.
  5. سورة الأنعام، آية:115
  6. سورة الأنعام، آية:94
  7. سورة الأنبياء، آية:47
  8. سورة الإسراء، آية:13
  9. " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 )"، islamweb.net، 2020-06-29. بتصرّف.
  10. سورة فاطر، آية:18
  11. سورة الإسراء، آية:13
  12. " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 )"، islamweb.net، 2020-06-29. بتصرّف.
  13. "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13)"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-28. بتصرّف.
  14. رواه مسلم، في صحسح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2577، صحيح.
  15. سورة الزمر، آية:7
  16. ^ أ ب "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه"، www.alukah.net، 2020-06-28. بتصرّف.
  17. سورة الشعراء، آية:192-195
  18. "تعريف و معنى إنسان في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-29.
  19. "تعريف و معنى ألزمناه في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-29. بتصرّف.
  20. "تعريف و معنى طائر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-29. بتصرّف.
  21. "تعريف و معنى في في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-29.
  22. "تعريف و معنى العنق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-29. بتصرّف.
  23. سورة الإسراء، آية:13
  24. سورة الإسراء، آية:13
  25. "إعراب آية رقم (13)"، www.al-eman.com، 2020-06-29. بتصرّف.
  26. "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13)"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-29. بتصرّف.
  27. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2648، صحيح.
2806 مشاهدة
للأعلى للسفل
×