معنى آية ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا

كتابة:
معنى آية ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا

سورة لقمان

سورة لقمان هي سورة مكية ما عدا الآيات 27-28-29 فمدنية، وعدد آياتها أربعٌ وثلاثون آية، وهي السورة الواحدة والثلاثين في ترتيب سور القرآن الكريم، وتقع في الجزء الحادي والعشرين، نزلت سورة لقمان بعد سورة الصافات، وبدأت بحروف مقطّعة وهي: {الم}،[١] وهي من السور المثاني[٢] أي السور التي تتُلى وتكثر قراءتها في الصلاة،[٣] وسبب تسميتها بسورة لقمان هو احتواء هذه السورة على قصة لقمان وليس لها اسم آخر غير هذا الاسم بين المفسرين والقرّاء،[٤] وقد كان لقمان رجلًا صالحًا وعابدًا، متصفًا بالحكمة العظيمة ويُقال أنّه كان يعمل قاضيًا في زمن النبي داود، وعُرف بالتفكّر وطول النظر، كما قيل أنّ النبوة قد عُرضت عليه فاختار الحكمة لأنّها أسهل عليه والمشهور كونه حكيم وليس نبي، وقد ذكره الله تعالى في قرآنه وأثنى عليه وذكر وصاياه لابنه التي اشتملت على مواعظ وفوائد جليلة، وسيتناول هذا المقال معنى آية: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا.

[٥]


معنى آية: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا

اشتملت سورة لقمان على مجموعة من الوصايا التي قاله لقمان لابنه وهو يعظه، وهذه الوصايا جامعة لأمر الدنيا والآخرة فمنها أنّ لقمان يحذّر ابنه من الشرك ويوصيه بإقامة الصلاة، كما أنّه قد وضع له من خلال هذه الوصايا منهجًا للتعامل مع الناس وفقًا لما يقتضيه الإحسان والحكمة، حيث قال تعالى على لسان لقمان: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}،[٦] وقد قال الطبري أنّ القرّاء قد اختلفوا في قراءة "تُصعّر" حيث قرأها بعض القرّاء الكوفيين والمدنيين بهذا الشكل على وزن "تُفعّل"، وقرأها بعض القرّاء المكيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة والمدينة "تُصاعر" على وزن "تُفاعل"، وهما قراءتان قد قرأ بهما أئمة الإقراء وأيّهما قرأ الإنسان فهو مصيب.[٧]


وعن معنى آية: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا، يقول الإمام الطبري أنّ تأويل هذا الكلام وتفسيره: أي لا تعرض بوجهك عن الإنسان الذي تخاطبه وتكلّمه استحقارًا له واستكبارًا عليه، وأصل الصعر هو مرض يصيب الإبل في العنق أو الرأس حتى تميل أعناقها عن رؤوسها، وهذا وجه تشبيه المتكبر الذي يلتفت عن الناس بالإبل المصابة بهذا الداء،[٧] وقد جاء في تفسير السعدي لقوله تعالى: "ولا تصعّر خدك للناس"، أي: لا تميله وتعبس في وجوه الناس، على سبيل التكبّر والعظمة والزهو بالنفس، وقوله: "ولا تمش في الأرض مرحًا"، أي: لا تسير في الدنيا وأنت مظهر للبطر ومفتخرًا بنعم الله مع الإعجاب بالنفس ونسيان شكر الله تعالى.[٨]


وقد ذكر الطبري في تفسيره الأقوال المأثورة عن السلف في تفسير هذه الآية الكريمة، حيث نقل عن ابن عبّاس قوله في معنى "ولا تصعّر خدك للناس"، أي: لا تتكبر فتحتقر عباد الله وتعرض وتصد عنهم بوجهك عندما يكلمونك، كما نقل عن مجاهد أنّ معنى "لا تصعّر خدك للناس" أي: الإعراض بالوجه والصدود عن خلق الله، وفي أقوالٍ أخرى لأهل العلم قريبة ممّا سبق وجميعها يدلّ على أنّ معنى الآية هو لوي الوجه والتجبّر والتكبّر، وقد قال الضحّاك أنّ المعنى لا تعرض عن الناس بل أقبل عليهم بوجهك وحسن خلقك، وقال آخرون أنّ لقمان نهى ابنه عن تصعير خدّه لمن يكون بينهما خصام وعداوة فيعرض عنه، وفي تفسيرٍ آخر ذكره الإمام الطبري أنّ المراد هو التشديق أو التشدّق، ومعنى "لا تمش في الأرض مرحًا"، أي: لا تمش مختالًا متباهيًا.[٧]


معاني المفرادات في آية: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا

إنّ وصايا لقمان الحكيم لابنه قد ذُكرت في القرآن الكريم وفي ذكر هذه الوصايا بيانٌ لأهميتها وأنّ هذه الوصايا يجب أن يلتزم بها جميع الناس فهي تحسّن الأخلاق وتُقوّم العلاقات وتساعد على بناء مجتمع مترابط ومتماسك، وفيما يأتي بيان لمعاني المفرادات في آية: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا:

  • ولا تصعّر: إنّ الصعر هو ميلٌ في الوجه، وقيل هو ميلٌ في الخد خاصّة، وقيل أيضًا هو ميلان العنق وانقلاب الوجه نحو أحد الشقيّن، وقد يكون ذلك خلقةً في الإنسان، ومعنى صعّر خدّه، أي: أمال خدّه تيهًا وكبرًا، ويُقال تصعّر فلان، أي: تاه على الناس كِبرًا وإعجابًا.[٩]
  • خدّك: الخد هو: جانب الوجه وحدّه من مؤخر العين إلى نهاية الشدق.[١٠]
  • للناس: الناس اسمٌ للجمع من بني آدم، ومفرده إنسان، وقد يُراد بالناس أهل الفضل دون غيرهم لتحقّق معنى الإنسانية فيهم أكثر من غيرهم، وقد عبّر القرآان بكلمة الناس عن المؤمنين.[١١]
  • ولا تمش: من المشي وهو الانتقال من مكان إلى آخر سيرًا على الأقدام.[١٢]
  • في: حرف جر يُفيد الظرفية حقيقةً أو مجازًا.[١٣]
  • الأرض: هي أحد كواكب لمجموعة الشمسية وهي التي يسكن فيها الناس ويمشون على ظهرها.[١٤]
  • مرحًا: المرح هو شدة النشاط والفرح حتى يُجاوز حدّه، ومعناه في هذه الآية الاختيال والتبختر.[١٥]


إعراب آية: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا

هل لمفردات هذه الآية إعراب في اللغة العربية؟ إنّ إعراب القرآن الكريم يتعلّق بالجمل ومفردات الآيات فالكلمات لا تُعرب بمفردها ولا بدّ من معرفة السياق الذي جاءت ضمنه، وفي بعض الأحوال يتطرّق المؤلّف في حديثه عن الإعراب إلى الصرف والبلاغة، وفيما يأتي إعراب آية: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا، من كتب الإعراب المعتبرة في هذا المحال:

  • ولا تصعّر: الواو حرف عطف، وتُصعّر فعل مضارع مجزوم بلا الناهية.[١٦]
  • خدًّك: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.[١٦]
  • للناس: جار ومجرور متعلقّان بالفعل تُصعّر.ولا تمشِ: فعل معطوف على "ولا تُصعّر" فإعرابهما واحد.[١٦]
  • في الأرض: جار ومجرور .[١٦]
  • مرحًا: هي صفة مفعول مطلق محذوف،[١٦] كما جاء في كتاب إعراب القرآن وبيانه قول للزمخشري حول كلمة "مرحًا" حيث علّق قائلًا: "أراد ولا تمش تمرح مرحًا أو أوقع المصدر موقع الحال بمعنى مرِحٍا ويجوز أن يُراد لأجل المرح والأشر"، وقد بيّن المؤلف الأقوال في إعراب كلمة "مرحًا" وبيان موقعها وقال: مصدر وقع موقع الحال أو نعت لمصدر محذوف أي مشيًا مرحًا أو مفعول لأجله أي لا تمشِ لأجل المرح والأشر.[١٧]
  • جملة "لا تصعّر": جملة معطوفة على جملة النداء ولا محلّ لها من الإعراب ومثلها جملة "لا تمشِ".[١٨]


الثمرات المستفادة من آية: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا

ماذا يُستفاد من هذه الآية؟ حوت سورة لقمان على الكثير من الحكم والفوائد، ففي وصية لقمان لابنه بقوله: "ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحًا"، نهيٌ عن العبوس بوجوه الناس والتعاظم والتكبّر والبطر عليهم، وفيه نهيٌ عن التفاخر والاختيال على الخلق، فهذه الطباع والتصرفات تبعد الإنسان عن الله تعالى وتزرع البغض والكراهية في نفوس الناس للشخص المتكبّر والمختال، فالله هو المعطي للنعم جميعًا وهو القادر على أن يسلبها للعبد، فالإنسان يجب أن يشكر لله على نعمه لأنّ الله هو المنعم وهو الخالق ولا يجدر به أنّ هذه النعم الموجودة لديه قد استحقّها استحقاقًا وأنّها ستدوم فإن هذا من الغبن والغرور،[٨] كما أنّ الله تعالى لا يحبّ الاختيال والتكبّر فهما غير محمودان،[١٩] أمّا عن الفوائد التربوية والثمرات المستفادة من آية: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا، فهي كثيرة وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:[٢٠]

  • وصية لقمان لابنه هذه قد جاءت بعد الوصايا التعبدية والإيمانية، فهذه الوصية تخصّ معاملة الناس وهو ما يُسمّى بفن المعاملة.
  • استخدام كلمة "الصعر" والنهي عن تصعير الخد للناس هو منهج تربوي عظيم، فلقمان شبّه الذي يتكبّر على الناس بالإبل المصابة بداء الصعر وكأنّه يريد أن يبيّن لابنه أنّ هذا تصرّف حيواني لا يليق بالإنسان فعله، حيث نفّره من هذا الفعل بأسلوب أدبي رائع.
  • التربية بالتشبيه هي أسلوب تربوي فعّال لأنّه يجمع بين مخاطبة النفس والقلب ويوجّه للخير وينهى عن الشر بطريقة ضمنية غير مباشرة، بعكس الأساليب الأخرى التي قد تثقل على النفس لأنّها مباشرة وعبارة عن أوامر موجهة بشكل جامد.
  • الكبر والغرور هو داء نفسي واجتماعي يُصيب الإنسان فيجعله يتصرّف لما يُمليه عليه إعجابه بنفسه، فيزرع الحقد والكراهية في نفوس الآخرين له، بينما التواضع والبشاشة فتزرع المحبّة وتورث الأخوة والإخلاص.
  • إنّ تفشّي الأمراض الاجتماعية من كِبرٍ وغرور وحسدٍ وطبقية هادم لهذه المجتمعات ومزعزع لأركانها، فكلّما كان الأفراد متحابين ومتعاونين كان لذلك تأثيرٌ واضح على سلامة المجتمع واستقراره.

المراجع

  1. سورة لقمان، آية:1
  2. "سورة لقمان"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  3. "مثاني (قرآن)"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  4. "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  5. "قصة لقمان"، kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  6. سورة لقمان، آية:18
  7. ^ أ ب ت "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  8. ^ أ ب "مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى تصعر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى الخد في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى الناس في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى تمشي في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى في في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى الأرض في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى مرحا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  16. ^ أ ب ت ث ج "كتاب: إعراب القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  17. "إعراب القرآن وبيانه"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  18. "كتاب الجدول في إعراب القرآن"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  19. "تحليل تُصَعِّرْ من سورة لقمان آية 18"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  20. "وصايا لقمان التربوية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
2804 مشاهدة
للأعلى للسفل
×