معنى آية ولا تنسوا الفضل بينكم، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية ولا تنسوا الفضل بينكم، بالشرح التفصيلي

سورة البقرة

تُعَدُ سورة البقرة من أطولِ سورِ القرآن الكريم؛ إذ يبلغ عدد آياتها مائتان وستٌ وثمانونَ آية، وهي ثاني سورة في كتابِ الله بعد سورةِ الفاتحة، وقيل بأنها أول سورةٍ تتنزلُ في المدينةِ، إلا قولُهُ تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}،[١] فقد نزلت هذه الآية في مِنى بمكة المُكرمة، يوم حجة الوداع، وهي آخر آيةٍ نزلت من القرآن، وفي السورةِ أيضًا آيات الربا، التي قيلَ بأنّها أول ما نزلَ من القرآن الكريم، وتسمى سورة البقرة بفسطاط القرآن؛ وذلكَ لِعظمِ هذهِ السورةِ، وكثرةِ المواعظِ والأحكام التي جاءت بها، وفي سورةِ البقرة أعظمُ آيةٍ في القرآن؛ وهي آية الكرسي، وقد ذكرَ فضلها رسول الله في عدةِ أحاديثٍ، وفي سورةِ البقرةِ أطولُ آيةٍ في كتابِ الله وهي آيةُ الدين[٢]، فلسورةِ البقرةِ فضلٌ عظيم، فهي تطردُ الشيطان، وتُبطل السحر، وفيها الكثير من المعاني التي ينبغي على المسلم تدبرها والعمل بها، والمداومة على قرائتها.[٣]

معنى آية: ولا تنسوا الفضل بينكم، بالشرح التفصيلي

تنوعت الأحكام في سورة البقرة، وتحدثت السورة في العديد من المواضيع ومنها الطلاق، وقد جاء في آيات الطلاق في سورةِ البقرةِ، قول الله تعالى: {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}،[٤] فالآية جاءت تتحدثُ عن حكم المهر بعد الطلاق الذي ليس فيه دخول، فسابقُ الآيةِ هو قول الله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}،[٤] ومعنى آية {لا تنسوا الفضل بينكم}،فينبه الله تعالى الناس في هذه الآية، وهذا الأمرُ من الله تعالى يُحملُ على الندب، بأن لا يغفلوا عن الأخذِ بالفضل على بعضِهم، ففي الآية إشارةٌ إلى أن يتفضل الرجل الذي طلقَ زوجته من قبلِ أن يمسها، فيعطيها ما تبقى من مهرها، إذا كانَ لم يعطيها إياهُ سابقًا، وإن كانَ قد آتاها حقوقها التي فرضها الله تعالى لها، من مهرٍ وغيره، فليتفضل عليها بالعفو، عما وجبَ له، مع العلم بأنه يجوز له أن يأخذَ منها نصف المهرِ إن كان قد أعطاها إياهُ كاملًا، فإن لم يعفو عما تبقى لَهُ من مهرٍ، وكانَ شحيحًا معها، فلتكن المرأةُ المطلقةُ هي صاحبةُ الفضلِ، والعفو، وتَرّدُ عليه ما أخذت منه مهرٍ مقبوضٍ، فإن لم تكن قد أخذت منه شيئًا، فتعفو عن جميعه، فإن تركَ الزوجُ المُطلق، وطليقَتَهُ ما ندبَ الله إليه، ولم يتفضل أحدهما على الآخر بالعفو، فللمرأةِ المطلقةِ عندها نصفُ ما كُتب لها من مهرٍ في عقدِ الزواج، ولهُ النصفُ المتبقي.

ولما سُئل مجاهد عن آية {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: "إتمام الزوج الصداق , أو ترك المرأة الشطر"، وقد ضربَ السلفُ الصالحُ مثالًا يُقتدى بهِ في عفوهم، وفي تفضُلهم، وامتثالهم لأمرِ الله تعالى، وقال الضَّحاك في تفسيرِ قولهِ تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم}، قال: "المرأة يطلقها زوجها وقد فرض لها ولم يدخل بها , فلها نصف الصداق , فأمر الله أن يترك لها نصيبها, وإن شاء أن يتم المهر كاملا; وهو الذي ذكر الله"، فالله تعالى يُنبه الزوجين بأن لا ينسوا الإحسان إلى بعضهم، وختمَ الله تعالى هذه الآية بقولِهِ: {إن الله بما تعملون بصير}، أي أن ما تفعلونَهُ من عفوٍ وتفضُلٍ على بعضِكم، وامتثالكم لأمرِ الله الذي ندبكم إليه، ومسامحتكم لبعضكم بما وجبَ لكم من حقوق، بسبب الميثاق الغليظ الذي كانَ بينكم، وهو عقد الزواج، فهذا كُله يراه الله تعالى، الذي لا يخفى عليهِ أمرٌ في الأرضِ ولا في السماء، ويحفظُه لكم، ويجزيَ كُلٌ منكم عن إحسانِهِ[٥]، وقال بعضٌ من المفسرين في أن المقصود بالفضل، هو إتمامُ المهرِ للمرأةِ، أو ترك نصفه لها، وقيل بأنه الفضل، هو المعروف والإحسان، وقيلَ أنها ترغيبٌ للزوجين في الفضل، والصلةِ بينهم، وليتعاطفوا فيما بينهم.[٦]

وجاءت هذه الآية لِتؤكدَ على قداسةِ هذهِ العلاقةِ الإنسانيةِ بين الزوجين، فلل زواجِ أهميةٌ وقدَاسةٌ حرصَ الإسلامُ على احترامِها حتى في أصعبِ أوقاتِها، وهو وقت الطلاق، فأوصى الله الزوجين بأن لا ينسوا ما بينهم من فضلٍ، فهذه العلاقةُ لا تكونُ عابرةً، بل لها لحظاتٌ وأوقاتٌ يصعبُ نسيانها، وأوصاهم الله بالعفو، وهو لا تخفى عليهِ خافيةٌ في الأرض، ولا في السماء، ويجازيهم خيرًا عن عفوهم، والعفو أقربُ للتقوى، وهو من الصفات التي تُظهر سماحةَ ورأفةِ صاحبهِ، وفي الآيةٌ إشارةٌ إلى الزوجين، بأن يكون بعدَ طلاقهم تفاهمٌ على جميعِ الأمور، ولا ينسوا العشرةَ التي كانت بينهم، فيتسامحوا ويحسنوا لبعضهم، فساعةُ الخصومة لا تهدمُ ما كانَ بينهم من مودَّة، يقول السعدي في تفسيره: "الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف، وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة؛ لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب، وهو: أخذ الواجب، وإعطاء الواجب، وإما فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصًا لمن بينك وبينه معاملة أو مخالطة، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم".[٧]

معاني المفرادات في آية: ولا تنسوا الفضل بينكم

يحتاجُ كتابِ الله تعالى للوصولِ إلى فهمهِ، وتفسير آياتِه، أن يُعرفُ معنى مفردات كل آيةٍ منه؛ وهذا لِيُسهل فهمهُ وتفسيرَهُ، ووردَ في قولهِ تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم}، بعضُ المفرداتِ ما يأتي بيانها:[٨]

  • تنسوا: من النّسْيَان وهو الكثير الغَفْلة ونِسْيَانُ الْمَوْعِدِ وفُقْدَانُ ذِكرِهِ وَخلُوّ البَالِ مِنْهُ، أُصِيبَ بِمَرَضِ النِّسْيَان أي فُقْدَان الذَّاكِرةِ جزْئِيّاً أَوْ كُلِّيّاً.
  • الفضل: تأتي بمعنى الإحسانُ ابتداءً بلا علّة، والزيادةُ على الاقتصاد، والفَضْلُ :ما بقي من الشيءِ، وهو إحسان بلا مقابل، هِبة، نعمة، وهو مرادفٌ لمعنى الآيةِ.

إعراب آية: ولا تنسوا الفضل بينكم

بعد بيان مفردات الآية الكريمة وتفسيرها، وبيان مراد الله من هذه الآية، وهو أن يحتفظ الزوجين بما بينهم من ودٍ، فيتفضل أحدهما على الآخر في حالِ وقوعِ الطلاقِ، كانَ لا بُدَ من من إعرابها، بشكلٍ مُفصل، ليظهر معنى الآياتِ بشكلٍ جليٍ وواضح، وأما إعراب الآية الكريمة، {ولا تنسوا الفضل بينكم}، فهو ما يأتي:[٩]

  • لا: الناهية والجازمة.
  • تنسوا: فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون من آخرِهِ، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • الفضل: مفعول به منصوب.
  • بينكم: ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف حال من الفضل، وكم ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
  • إنّ: حرف مشبّه بالفعل للتوكيد.
  • اللّه : لفظ الجلالة، وهو اسم إنّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • بما: الباء حرف جرّ وما، اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ببصير.
  • تعملون: فعل مضارع مرفوع، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • بصير: خبر إنّ مرفوع، وجملة: لا تنسوا، جملة لا محلّ لها استئنافيّة.

الثمرات المستفادة من آية: ولا تنسوا الفضل بينكم

لا تَمرُ آيةٌ في كتابِ الله من غيرِ هدفٍ أو ثمرةٍ يجنيها القارئ، وسورةُ البقرةِ من أعظمِ السور التي تتضمنُ أحكامًا، ومواعظَ للمُسلمين، والآيةُ الكريمة التي تُعدُ محورَ المقالِ، وهي {ولا تنسوا الفضل بينكم}، جاءَت تُشيرُ إلى حُكمٍ معين، وفيها إشاراتٌ عديدةٌ أراد الله تعالى إيصالَها للمُسلمين، ومن الثمار المستفادة من آية {ولا تنسوا الفضل بينكم}، هي ما يأتي:[٦]

  • تضمنت الآيةُ حُكمًا شرعيًا، وفعلهُ مندوب؛ وهو العفو عن الصداق أو المهر المسمى، في حالِ وقوعِ الطلاقِ قبل الدخول، وسماه الله تعالى من الزوجين تفضيلًا، ويكون العفو إما من الزوج بأن يعطيها كل ما كُتبَ لها من صداق، أو من الزوجةِ بأن تترك ما تبقى لها من مهرٍ، أو تعفو عنه جميعه.
  • للمطلقة قبل الدخول نصف المهر المُسمى لها في العقد.
  • ينبغي على الزوجين المُطلَقين، أن يتعاملا بعد طلاقهما بمعروفٍ وإحسان.[٥]
  • الصفح والعفو بين الزوجين، ليسَ ضعفًا ولا استكانةً، وإنما هو كرمُ أخلاقٍ، وأمرٌ يحبهُ الله تعالى، ويجزي المُتفضل على الآخر، بأحسن جزاء.
  • لا تنسوا الفضل بينكم، لا تقتصرُ فقد على العفو في المهر، وإن كانت خاصةً به، فالعبرةُ بعمومِ اللفظ، لا بخصوص السبب، وإنما هي إشارةٌ للزوجين بأن لا ينسوا ما كان بينهم، فلا يتكلمان على بعضهما بأقبحِ الكلام بعد الطلاق، ولا يشتمان بعضهما، ولا يتمُ افتعالُ أي مشكلةٍ، وغيره مما يكثرُ في المجتمعات من نزاعاتٍ بعدَ الطلاق، فالله تعالى سمّى ما كانَ بينهم فضلًا، أي إحسانًا ومعروفًا.[٥]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:281
  2. "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، 2020-06-05. بتصرّف.
  3. "أحاديث صحيحة في فضل سورة البقرة"، islamweb.net، 2020-06-05. بتصرّف.
  4. ^ أ ب سورة البقرة، آية:237
  5. ^ أ ب ت "{ ولا تنسوا الفضل بينكم }"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-05. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "القول في تأويل قوله ( ولا تنسوا الفضل بينكم )"، islamweb.net، 2020-06-05. بتصرّف.
  7. ""وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ" "، ar.islamway.net، 2020-06-05. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى تنسوا في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، 2020-06-07. بتصرّف.
  9. ".إعراب الآية رقم (237)"، www.al-eman.com، 2020-06-07. بتصرّف.
2679 مشاهدة
للأعلى للسفل
×