محتويات
سورة يونس
سورة يونس سورة مكية، ومرويّ عنابن عباس أن الآيات من قوله تعالى: {فَإِن كُنتَ في شَكٍّ مِمّا أَنزَلنا إِلَيكَ} [١] إلى قوله: {حَتّى يَرَوُا العَذابَ الأَليمَ}[٢] مدنية، سميت باسم سورة يونس لانفرادها بذكر إيمان قوم سيدنا يونس بعد أن توعدّهم الله بالعذاب الأليم، وعفا الله عنهم لما آمنوا، وذلك في قوله تعالى: {فَلَولا كانَت قَريَةٌ آمَنَت فَنَفَعَها إيمانُها إِلّا قَومَ يونُسَ لَمّا آمَنوا كَشَفنا عَنهُم عَذابَ الخِزيِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَمَتَّعناهُم إِلى حينٍ}،[٣] يبلغ عدد آياتها 109 آيات، ترتيبها 51 في نزول السور، وفي المصحف 10، نزلت سنة 11 بعد البعثة، بعد سورة الإسراء وقبل سورة هود،[٤] وتضمنّت السورة الحديث عن أصول العقيدة الإسلامية وعن توحيد الله تعالى، وعن الوحي وبما أوحى إلى الرسل، والملائكة، والبعث والجزاء، وتحدثت السورة عن الوعد والوعيد، وفي هذا المقال سيتم شرح قول الله تعالى:{ وَلَقَد بَوَّأنا بَني إِسرائيلَ مُبَوَّأَ صِدقٍ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اختَلَفوا حَتّى جاءَهُمُ العِلمُ} بشيء من التفصيل.[٥]
معنى آية: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق، بالشرح التفصيلي
ورد في سورة يونس الآية الكريمة الآتية: {وَلَقَد بَوَّأنا بَني إِسرائيلَ مُبَوَّأَ صِدقٍ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اختَلَفوا حَتّى جاءَهُمُ العِلمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقضي بَينَهُم يَومَ القِيامَةِ فيما كانوا فيهِ يَختَلِفونَ}[٦] والتي جاءت في سياق عطف على الآيات التي قبلها، التي كان يضرب الله فيها لكفار العرب الأمثال من الأمم السابقة، التي كفرت بالله وأنعمه، فأذاقهم الله عذابه وجعلهم نسيًا منسيًا، وأتبع الله مثل السوء بمثل صالح في هذه الآية، ليبين الفرق بين حال الذي آمن وحال الذي كفر، وليرغب الذين كفروا بالإيمان وليبشّر الذين آمنوا بالخير والنجاة.[٧]
قال تعالى: {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوّأ صدق وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ} أي أن الله أنزل بني إسرائيل الذين جاوزا البحر ونجوا بعد حادثة غرقفرعون وجنده في صحراء التيه فعكفوا على تزكية نفوسهم وعبادة ربهم، وأتبعوا شريعة أنبيائهم، فبدّل الله خوفهم أمنًا، وبوّأهم {مبوّأ صدق} أي المكان الخالص في نوعه المليء بالثمرات والنعم،[٤] واختلف المفسرون في موقع منازل الصدق، فمنهم من قال: أنها مصر والشام، وهناك قول أنها الشام وحدها، وقيل: الشام وبيت المقدس، والله أعلم.[٨] وقوله: {ورزقناهم من الطيبات} أي الرزق الحلال وسعناه عليهم من النخل والثمار.[٨]
وقوله تعالى: {فما اختلفوا حتى جاءهم العلم}، المراد بهم اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال ابن عباس: هم بنو النضير وقريظة وبنو قينقاع، كانوا مصدقين بأن نبيّا سيبعث، فلما جاءهم العلم الذي الأصل فيه أن يجمعهم ويؤلف بينهم، اختلفوا -والاختلاف ورد على صيغة افتعال- أي التخالف الشديد، في تصديق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبغى بعضهم على بعض، والمراد بالعلم هو القرآن، ومراد قوله تعالى أن اليهود بقوا في مبوّأهم منعمين مترفين يأتيهم الخير من كل مكان، إلى أن اختلفوا في القرآن فسلبهم الله ما أنعمه عليهم من الأمن والخيرات والأوطان.[٤]
وقوله تعالى: {إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}، وهنا يردّ الله الأمر إلى علمه وحكمته، ويتوعد بأنه هو الذي سيفصل في اختلافهم يوم القيامة، فيثيب المؤمن، وينتقم من الكافر، وفي الآية إشارة إلى معضلة أصابت أمم كثيرة وهي أن الشيطان إذا عصيّ عليه أن يترك الناس الدين بالكلية، أنشأ يحدث بينهم الفتنة والتفريق حتى يحقق مراده، من تفريق شملهم وإضعاف وحدتهم وحلّ رابطتهم، بعد أن كانوا أمة واحدة، يعبدون رب واحد ودينهم واحد ورسولهم واحد.[٤]
معاني المفردات في آية: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق
بعد أن تمّ التطرق لأقوال أهل العلم في تفسير وتوضيح المجمل في قول الله تعالى: {وَلَقَد بَوَّأنا بَني إِسرائيلَ مُبَوَّأَ صِدقٍ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اختَلَفوا حَتّى جاءَهُمُ العِلمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقضي بَينَهُم يَومَ القِيامَةِ فيما كانوا فيهِ يَختَلِفونَ}،[٩] سيتم في هذه الفقرة شرح معاني مفردات الآية، وذلك فيما يأتي:
- بوّأنا: جذرها بوأ، وهي بمعنى بوّأ المنزل له، أي أعدّه له وهيّأه جهزه.[١٠]
- بني إسرائيل: هو لقب أطلق على ابناء وذرية سيدنا يعقوب بن إسحاق عليه السلام، وكانوا اثني عشر سبطًا.[١١]
- مبوّأ: اسم المفعول من بوّأ، وهو المسكن والمنزل.[١٢]
- صدق: اسم، جذرها صدق، وهي الكامل من كل شي الذي لا يغشاه نقص.[١٣]
- رزقناهم: جذرها رزق، وهي بمعنى أعطاهم وأكسبهم ومنحهم، والرزق: ما ينتفع به من مال أو ثمر وغيره.[١٤]
- الطيبات: جمع طيبة، و هي الخيرات واللذائذ.[١٥]
- اختلفوا: بمعنى اختلف الشيئان أي لم يتفقان.[١٦]
- العلم: جذرها عَلِم، وجمعها علوم، وهو: إدراك حقيقة الشيء، ويطلق اسم العلوم الشرعية على علم الحديث والفقه والتفسير وغيرها، والعلم اللدنّي يطلق على العلم الذي يلهمه لأحد من البشر، والعلوم الحقيقية هي التي لا تتغير بتغير الملل والأديان، ووردت في الآية بمعنى القرآن.[١٧]
- ربك: وهو الله تعالى، ولا تقال الرب في غير حق الله إلا بالإضافة.[١٨]
- يوم القيامة: يوم جمعها أيام، وهو زمن مقداره من طلوع الشمس إلى مغربها، ويوم القيامة: هو اليوم الذي يبعث الله فيه الخلائق للحساب.[١٩]
- يختلفون: ورد ذكرها آنفا.[١٦]
إعراب آية: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق
للإعراب صلة قوية بالمعاني فهو يساعد في إيضاحها، وبعد أن تم في الفقرات السابقة شرح قول الله تعالى: {وَلَقَد بَوَّأنا بَني إِسرائيلَ مُبَوَّأَ صِدقٍ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اختَلَفوا حَتّى جاءَهُمُ العِلمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقضي بَينَهُم يَومَ القِيامَةِ فيما كانوا فيهِ يَختَلِفونَ}[٢٠] بشيء من التفصيل وبيان معاني مفرداتها، سيتم في هذه الفقرة إعراب المفردات والجمل الواردة فيها، وذلك فيما يأتي:
- ولقد: الواو: استئنافية لا محل لها من الإعراب، اللام في لقد: لام قسم لقسم مقدر، قد: حرف تحقيق.[٢١]
- بوّأنا: بوّأ: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا الدالة على الفاعلين، نا: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.[٢١]
- بني: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء وهو مضاف.[٢١]
- إسرائيل: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الفتحة عوضًا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف.[٢١]
- مبوّأ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.[٢١]
- صدق: مضاف إليه مجرور بتنوين الكسر الظاهر على آخره.[٢١]
- ورزقناهم: الواو: حرف عطف مني على الفتح لا محل له من الإعراب، رزقناهم: رزقنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم، نا: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، هم: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.[٢١]
- من الطيبات: من: حرف جر، الطيبات: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة وهو جمع مؤنث سالم، والجار والمجرور في من الطيبات متعلقة برزقنا.[٢١]
- فما: الفاء عاطفة، ما: ما النافية.[٢١]
- اختلفوا: اختلف: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو: واو الجماعة، ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.[٢١]
- حتى: حرف جرّ.[٢١]
- جاءهم: جاء: فعل ماض مبني على الفتح الظاهر على آخره، هم: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.[٢١]
- العلم: فاعل مرفوع وعلامة رفعة الضمة الظاهرة على آخره.[٢١]
- إن ربك: حرف نسخ يفيد التوكيد والنصب، ربك: اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف، والكاف: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.[٢١]
- يقضي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها التعذر، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.[٢١]
- بينهم: بين: ظرف، مفعول فيه منصوب، متعلق ب"يقضي"وهو مضاف، هم: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.[٢١]
- يوم: ظرف زمان، مفعول فيه منصوب وهو مضاف.[٢١]
- القيامة: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة على آخره.[٢١]
- فيما: في: حرف جر، ما: اسم موصول مبني في محل جر اسم مجرور متعلق ب"يقضي".[٢١]
- كانوا: كان: فعل ماض ناقص، الواو: ضمير متصل مبني في محل رفع اسم كان.[٢١]
- فيه: في: حرف جر، الهاء: ضمير متصل مبني في محل جرّ اسم مجرور.[٢١][٢١]
- يختلفون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعة ثبوت النون لأنه من الإفعال الخمسة، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.[٢١]
- المصدر المؤول" أن جاءهم": في محل جرّ متعلق ب"اختلفوا".[٢١]
- جملة:"بوّأنا": لا محلّ لها جواب قسم مقدّر.[٢١]
- جملة: "رزقناهم": لا محلّ لها من الإعراب معطوفة على جملة جواب القسم.[٢١]
- جملة: "ما اختلفوا": لا محلّ لها معطوفة على جملة رزقناهم.[٢١]
- جملة" إن ربك يقضي": لا محل لها من الإعراب اسئنافية بيانية.
- جملة: "يقضي": في محلّ رفع خبر إنّ.[٢١]
- جملة: "يختلفون": في محلّ نصب خبر كانوا.[٢١]
الثمرات المستفادة من آية: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق
لعلّ أهم ما يستفاد من قول الله تعالى في الآية الكريمة السابقة، أن الله سبحانه لا يؤاخذ الناس إلا بظلمهم، وأن الله سنّ سنة على جميع خلقه وهي أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فهؤلاء بنو إسرائيل، أغرق الله فرعون ومن تبعه من جنده، بعد أن أرسل الله عليهم نبيهموسى- عليه السلام- فأمره أن يقول له قولًا ليّنًا يرشده إلى توحيد الله، ولكن فرعون اتبع هواه فضلّ عن سبيل الله، فأهلكه سبحانه، ولم يؤاخذ الله الصالح منهم بجرّة الطالح فجاوز ببعضهم البحر وأنجاهم لأنهم آمنوا به وبرسوله وأنزلهم منازل صدق وأغدق عليهم نعيمه، وحينما اختلفوا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين جاءهم سلبهم ما أنعمه عليهم، ووعدهم أن يوم القيامة هو يوم الفصل، وليعلم خلقه أنه سبحانه غفور رحيم ولكنه في ذات الوقت شديد العقاب وهو العليم الحكيم.
المراجع
- ↑ سورة يونس، آية:94
- ↑ سورة يونس، آية:97
- ↑ سورة يونس، آية:98
- ^ أ ب ت ث "لتحرير والتنوير سورة يونس"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
- ↑ "سورة يونس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19.
- ↑ سورة يونس، آية:93
- ↑ " التحرير والتنوير سورة يونس قوله تعالى ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ^ أ ب "تفسير: (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:93
- ↑ "تعريف و معنى بوأ في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى بني إسرائيل في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21.
- ↑ "تعريف و معنى مبوّأ صدق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21.
- ↑ "تعريف و معنى صدق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى رزق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الطيبات في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ^ أ ب "تعريف و معنى اختلفوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى العلم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الرب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى يوم القيامة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:93
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و ي أأ "إعراب الآية رقم (93):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.