معنى آية ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت، بالشرح التفصيلي

سورة البقرة

إنَّ سورة البقرة تعدُّ من سور القرآن الكريم المدنية، وهي أطول سور القرآن، حيث يبلغ عدد آياتها مئتان وستة وثمانون آية في المصحف الشريف الموافق لرواية حفص عن عاصم، ويرجع سبب تسميتها بهذا الاسم إلى ذكر قصة بقرة بني إسرائيل في عهد نبيِّ الله موسى -عليه السلام- فيها، وقد ورد في فضلها عدة أحاديث نبوية،[١] ومنها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ"،[٢] وقد وردت في هذه السورة آية كريمة تتحدث عما حدث لأصحاب السبت، ألا وهي قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}،[٣] وسيتم تخصيص هذا المقال لبيان معنى الآية وإعراب مفرداتها واستنباط الثمرات المستفادة منها.

معنى آية: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت، بالشرح التفصيلي

قبل البدأ ببيان معنى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}،[٣] سيتم الحديث عن أصحاب السبت والتعريف بهم، وأصحاب السبت هم جماعة من بني إسرائيل، عاشوا في قرية من قرى بني إسرائيل المطلة على البحر، وعلى ذلك فمن الطبيعي أن يكون عمل أغلب أهلها في صيد الأسماك، وتبدأ قصتهم من حيث إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- حرّم عليهم الصيد يوم السبت ثمَّ ابتلاهم بكثرة الحيتان في هذا اليوم حتى أنَّه كان باستطاعتهم صيدها باليد؛ وكان نتيجة ذلك أن أصرَّ بعض أهل هذه القرية على الصيد فقاموا بعمل حيلة وهي وضع الشباك يوم الجمعة لتمتلئ بالحيتان يوم السبت، ثمَّ يقومون بإخراج ما تمَّ اصطياده يوم الأحد، وعندما قاموا بشوائها تسائل النَّاس فقاموا بإخبارهم، وحينها انقسم المجتمع إلى ثلاثة أقسام، قسمٌ أعجبتهم الحيلة وقاموا بتطبيقها، وقسمٌ كرهها، وقسمٌ أغضبهم ما فعل القسم الأول فقاموا بنصحهم وإرشادهم واستمروا على ذلك، لكن عندما أصرَّ القسم الأول على عنادهم قام أهل الإصلاح بمغادرة القرية وبناء سورٍ بينهم وبين العصاة، وعندها عاقب الله -عزَّ وجلَّ- هؤلاء العصاة بمسخ شيوخهم إلى خنازير، وشبابهم إلى قردة.[٤]

وعلى ذلك فإنَّ المعنى الإجمالي لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يخاطب اليهود قائلًا لهم: لقد علمتم وأدركتم ما حلَّ بأهل القرية التي عصت -الله عزَّ وجلَّ- عندما خالفوا العهد والميثاق الذي أخذه الله منهم بتعظيم يوم السبت، فكان نتيجة هذا العصيان أن أنزل الله -عزَّ وجلَّ- بهم العقوبة حيث إنَّه مسخهم إلى قردة ذليلين مهانين، [٥] ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ القردة والخنازير الموجودة الآن ليست من نسلهم، وذلك لأنَّ الله لم يجعل لممسوخٍ نسلًا،[٦] ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ تعالَى لم يجعلْ لمسخٍ نسلًا ولا عقبًا وقد كانت القردةُ والخنازيرُ قبلَ ذلك"،[٧] ولا بأس في هذا المقام من ذكر أقوال بعض العلماء في تفسير الآية الكريمة، للمزيد من الفائدة، وفيما يأتي ذلك:

  • تفسير البيضاوي: أنَّ الآية الكريمة تتحدث عن قومٌ من بني إسرائيل في زمن داوود -عليه السلام- كانوا مشتغلين بالصيد، فحرَّم الله -عزَّ وجلَّ- عليهم الصيد يوم السبت وأمرهم بالانقطاع للعبادة فيه، ثمَّ ابتلاهم بكثرة الأسماك في هذا اليوم، حتى لجأ بعضهم إلى عمل حيلة لصيد الأسماك فيه، وكان نتيجة ذلك أن مسخهم الله إلى صورة قردة صاغرين مطرودين، وقيل أنَّ المسخ كان لقلوبهم وليس لصورهم.[٨]
  • تفسير ابن عاشور: في الآية الكريمة تذكيرٌ لليهود بما حلَّ بسلفهم من عقوبة بسبب استخفافهم بأوامر الله -عزَّ وجلَّ- واعتدائهم على العهد الذي أخذوه على أنفسهم بالتفرغ للعبادة في يوم السبت وتفريغ قلوبهم من الدنيا، وسبب هذه العقوبة هو انشغال تفكيرهم بما تحصَّل لهم في هذا اليوم أو لأنَّهم احتالوا بالعمل في اليوم المحرَّم به العمل عليهم، وقد ذكر ابن عاشور أنَّ في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ}، إعجازٌ غيبي إذ إنَّ هذه القصة غير مسطورة عندهم بالتوراة بل هي معروفة عند علمائهم وأحبارهم وقاموا بإخفائه.[٩]

معاني المفردات في آية: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت

إنَّ من الأسباب المعينة على معرفة المراد من آيات كتاب الله -عزَّ وجلَّ- أن يكون المرء عالمًا باللغة العربية متقنًا لها، وذلك لأنَّ القرآن الكريم نزل بلسانٍ عربيٍّ مبين، حيث قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}،[١٠] لذلك لا بدَّ للمفسر أو من لمن أراد فهم آية من الآيات، أن يقوم بالاطِّلاع على معاني مفرداتها،[١١] ومن هذا المنطلق سيتم تخصيص هذه الفقرة لبيان معاني مفردات قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، وفيما يأتي ذلك:

  • علمتم: حصلت لكم حقيقة العلم وأدركتموه.[١٢]
  • اعتدوا: تجاوزوا الحد.[١٣]
  • السبت: أول أيام الأسبوع ويسبقه يوم الجمعة ويليه يوم الأحد، وهو يومٌ ينقطع به اليهود عن العمل والمعيشة والاكتساب.[١٤]
  • قردة: جمع لكلمة قرد، والقرد عبارة عن حيوانٌ عاقب الله به أصحاب السبت بأن جعلهم قردة.[١٥]
  • خاسئين: المطرودين والمبعدين عن الناس.[١٦]

إعراب آية: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت

من العلوم التي لا بدَّ من مراعتها عند تفسير آيات كتاب الله -عزَّ وجلَّ- علم النحو والإعراب؛ حيث قد يحدث في تركه لبسٌ وغموضٌ في فهم كثيرٍ من الآيات وضياعٌ لمعانيها، بالإضافة لما لاختلاف الحركة الإعرابية أثرٌ في تغيير المعنى،ومن هذا المنطلق سيتم إعراب مفردات قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، في هذه الفقرة، وفيما يأتي ذلك:[١٧]

  • ولقد: "الواو" هنا عاطفة، "واللام" لام القسم لقسم مقدّر، أمَّا "قد" فهو حرف تحقيق.
  • علمتم: "علم" فعل ماضي مبني على السكون الظاهر على آخره، والضمير المتصل "التاء" في محل رفع فاعل، وجملة "علمتم" جواب قسم مقدر لا محل لها من الإعراب.
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتحة الظاهرة على آخره في محل نصب مفعول به.
  • اعتدوا: فعل ماضي مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة، "والواو" واو الجماعة ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • منكم: "من" حرف جر، "كم" ضمير متصل مبني في محل جر، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال.
  • في: حرف جر.
  • السبتِ: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "اعتدوا".

الثمرات المستفادة من آية: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت

إنَّ تدبر آيات القرآن الكريم يعدُّ مطلبًا شرعيًا وهدفًا حقيقيًا من أهداف نزول القرآن الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودليل ذلك قول الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}،[١٨] وهذا أمرٌ عام للمسلم والكافر والعالم والجاهل والذكر والأنثى والغني والفقير،[١٩] ولأهمية التدبر سيتم تخصيص هذه الفقرة لتدبر قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، واستنباط الثمرات المستفادة منها، وفيما يأتي ذلك:[٨]

  • نقض المرء لعهد الله -عزَّ وجلَّ- يعدُّ كبيرة من الكبائر التي يستحق عليها العقوبة.
  • الاحتيال على شرع الله -عزَّ وجلَّ- يعدُّ كبيرة من كبائر الذنوب، وليس أمرًا سهلًا كما يظنُّه البعض، لذلك على المرء الحذر من التحايل في المحرمات.
  • إنَّ الاحتيال في الشرع وتسمية المحرمات بغير اسمها لا يغيِّر من حكمها.
  • أنَّ الجزاء من جنس العمل، فكما أنَّهم تحايلوا بوضع الشباك يوم الجمعة واستخرجوا الصيد يوم الأحد، فكان فعلهم في الظاهر حلال وفي الحقيقة حرام، لذا عاقبهم الله -عزَّ وجلَّ- أن مسخهم إلى حيوانٍ في ظاهره أشبه بالإنسان وفي باطنه ليس بإنسان.
  • على المسلم عدم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث به النجاة في الدنيا والآخرة.
  • على المسلم المصلح ألَّا يسمح للمثبطين من تثبيط عزائمه في الإصلاح.
  • أنَّ القرآن الكريم نزل لعموم النَّاس، ودليل ذلك أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- خاطب اليهود ببعض آياته.
  • أنَّ صدق إيمان المرء يظهر من خلال الابتلاءات، لذلك على المسلم أن يثبت على الحقِّ مهما مهما كانت المغريات.

المراجع

  1. "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:804، حديث صحيح.
  3. ^ أ ب سورة البقرة، آية:65
  4. "أصحاب السبت"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  5. "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  6. "هل القردة والخنازير الموجودة الآن بشر مسخوا"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  7. رواه العيني، في عمدة القاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:267، حديث صحيح.
  8. ^ أ ب "تفسير البيضاوي"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  9. "تفسير ابن عاشور"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  10. سورة الشعراء، آية:193-195
  11. "اللغة العربية والتفسير"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى علمتم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى اعتدوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى السبت في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى قردة خاسئين في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  16. "تعريف و معنى قردة خاسئين في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  17. ".إعراب الآية رقم (65):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  18. سورة ص، آية:29
  19. "الخطوات الأربع للتدبر " تمام ""، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
4455 مشاهدة
للأعلى للسفل
×