معنى آية ولكل أمة جعلنا منسكًا ليذكروا اسم الله، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية ولكل أمة جعلنا منسكًا ليذكروا اسم الله، بالشرح التفصيلي

معنى آية: ولكل أمة جعلنا منسكًا ليذكروا اسم الله

مناسك الحج هي أحد الموضوعات الرئيسة في سورة الحج، فبعد أن تحدّثت السورة الكريمة عن نداء النبي إبراهيم في الناس للحج ذكرت الذبائح والقرابين التي يُقدّمها الحجّاج وقاصدي بيت الله الحرام، وبيّنت ما لهذه الذبائح من منافع في الدنيا والآخرة وعلى الفرد والأمة، وأرشدت إلى كيفية الذبح وما يجب قوله عند ذلك.

قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)،[١] فقد ربطت هذه الآية الكريمة ما بين إفراد الله تعالى بالعبادة والتوجّه وبين الذبح له وحده أيضًا، فالمؤمن إيمانًا خالصًا لا يُتصّور منه أن يذبح لغير الله سبحانه.

تفسير القرطبي للآية

جاء في تفسير القرآن للطبراني بأنّ معنى قوله: "ولكل أمة جعلنا منسكًا"، أي: لكل أمة مسلمة سبقتكم جعلنا لهم عيدًا، وجعلنا لكل أمة مُتعبّدًا يتعبدون الله فيه، وذكر اختلاف القرّاء في كلمة منسك؛ حيث قرأه أهل الكوفة بكسر السين، والمعنى: مذبحًا وهو موضع القربان والذبيحة، وقرأ الباقون منسكًا بفتح السين، والمعنى: إراقة الدماء بذبح القرابين والأضاحي.

كما ذكر القرطبي عند تفسيره لهذه الآية بأنّ الله تعالى لمّا ذكر الذبائح بيّن أنّها مشروعة في جميع الأمم والشرائع، والأمة هم القوم المجمعون على مذهب واحد، والمعنى أنّ الله تعالى جعل لكل جماعة مؤمنة منسك، والمنسك هو الذبح وإراقة الدماء، ونقل ذلك عن مجاهد، وقال إنّ الذبيحة يُقال لها نسيكة، والنسك يُطلق على الطاعة بشكل عام.[٢]

ونقل أيضًا قول الأزهري في أنّ المنسك هو موضع النحر ومكان الذبح، وقال الفرّاء: المنسك في لغة العرب هو الموضع المعتاد من خيرٍ أو شر، ومنها مناسك الحج، حيث يرتاد المسلمون أماكن مخصوصة ليقوموا بفريضة الحج، كالوقوف بعرفة ورمي الجمار، وقال ابن عرْفة: المنسك هو المذهب من طاعة الله تعالى.[٢]

وقيل أيضًا: المنسك هو العيد، وهذا قول الفرّاء، أمّا قتادة فقد قال إنّ المقصود هو الحج، ولكنّ القرطبي رجّح القول الأول؛ لأنّ قوله: "ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام" يدلّ على أنّ المراد هو الذبح، وقد أمر الله -جلّ وعلا- بذكر اسمه عند إرادة الذبح، وأن يكون الذبح خالصًا لوجهه لأنّه هو الرازق.[٢]

تفسير الجلالين للآية

جاء في تفسير الجلَالَين أنّ كلمة منسك بفتح السين هي مصدر، وبكسرها تصبح اسم مكان، ومعنى الآية: جعلنا لكل جماعة مؤمنة عبادة مشروعة، وهي ذبح القرابين أو مكان مخصّص للذبح، كي يذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام عند ذبحها.[٣]

تفسير الواحدي والبغوي للآية

جاء في الوجيز للواحدي بأنّ قوله تعالى: "ولكل أمة"، أي: جماعة سلفت قبلكم، وقوله: "جعلنا منسكًا"، أي: ذبحًا للقرابين، وقوله: "ليذكروا اسم الله"، أي: عند ذبحها، كما قيّد البغوي الجماعة السابقة بكونها مؤمنة، وذكر نحوًا ممّا ذُكر آنفًا في تفسير الآية، وعلّل قوله من بهيمة الأنعام بأنّ من البهائم ما لا يجوز ذبحها في القرابين؛ كالخيل والبغال والحمير، وسُميّت بهائم لأنّها لا تتكلم.[٤]

ومن المتشابهات مع هذه الآية قوله تعالى في نفس السورة: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ)،[٥] وفسّر الواحدي المنسك في هذه الآية بالشريعة التي يعملون بها، ونقل البغوي مثل هذا عن ابن عبّاس، بالإضافة إلى الأقوال التي ذكرها القرطبي عن أهل العلم في تفسيره للآية الأولى.[٦]

معاني المفردات في الآية الكريمة

تطرّق بعض المفسرون إلى معنى بعض المفردات في قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)،[١] مثل كلمة أمة ومنسك، وبيّنوا أوجه القراءات في كلمة منسك، واختلاف المعنى تبعًا لكل قراءة، وفيما يأتي بيانٌ لمعاني المفردات في هذه الآية الكريمة:

  • أمة: جماعة من الناس تجمعهم روابط مشتركة.[٧]
  • جعلنا: من الجعل، وهو الخلق والإنشاء والتصيير.[٨]
  • منسكًا: مكان تُذبح فيه الذبيحة، ويُراد به أيضًا الطريقة في الزهد والتعبّد، ومناسك الحج هي شعائره وعباداته.[٩]
  • ليذكروا: من الذكر، وهو حفظ الشيء، ويعني أيضًا جريان الشيء على اللسان وترديده.[١٠]
  • اسم الله: الاسم هو ما يُعرف به الشيء ويُستدلّ به عليه، وذكر اسم الله عند الذبح يعني نطق اسم الله باللسان وذكره بالقلب.[١١]

إعراب آية: ولكل أمة جعلنا منسكًا ليذكروا اسم الله

علوم الوسيلة هي العلوم التي يحتاجها المفسّر والفقيه لتفسير الآيات واستنباط الأحكام، ومن هذه العلوم علم المعاني والنحو وغير ذلك من العلوم، وفيما يأتي إعراب هذه الآية الكريمة من الكتب المعتبرة في هذا الفن:[١٢]

  • ولكل: الواو استئنافية، لكل: اللام حرف جر، كل: اسم مجرور والجار والمجرور متعلّقان بمفعول به ثانٍ مقدّم محذوف لجعلنا.
  • أمة: مضاف إليه مجرور.
  • جعلنا: فعل ماض، ونا الفاعلين ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • منسكًا: مفعول به أول لجعلنا.
  • ليذكروا: اللام لام التعليل، يذكروا: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل، والواو فاعل، واللام وما بعدها في تأويل مصدر متعلّقان بجعلنا.
  • اسم: مفعول به منصوب.
  • الله: لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور.
  • جملة "لكل أمة جعلنا منسكًا": جملة استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.

الثمرات المستفادة من آية: ولكل أمة جعلنا منسكًا ليذكروا اسم الله

بعد تفسير الآية الكريمة وذكر أقوال أهل العلم في بيان معناها لا بدّ من التطرّق لبعض الثمرات المستخلصة منها، وفيما يأتي بيانٌ لبعض هذه الفوائد والثمرات:

  • لفظ الأمة يُشعر المسلم بانتمائه لأمة الإسلام، فيتعزّز هذا الانتماء في نفسه، وينبذ كل الانتماءات الأخرى المتمثلة بالعصبية والعرقية والحزبية، فيشعر بالمسلمين على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وقومياتهم، ويحمل على عاتقه مسؤولية المجتمع والأمة، ويسعى للمصلحة العامة وليس المصلحة الشخصية فقط.[٢]
  • في الحج يستوي الفقير والضعيف القوي والغني، فيظهر عدل الإسلام وعدم اعتداده بالطبقية والعنصرية وغير ذلك، فيشكر المسلم ربّه على هذه النعمة أن جعله مسلمًا موحدًّا وأنّه يعتنق دين الله السليم، ويعتقد المعتقد الصافي الخالص من الضلال والانحراف.[١٣]
  • جعل الله تعالى الذبح لوجهه الكريم من المناسك والقربات التي ينال عليه العبد عظيم الأجر، وفي هذا كرم منه سبحانه، فالذي يذبح الذبيحة يشعر بفرح عظيم ويُجزى جزيل الثواب، والناس الذين ينتفعون بهذه الذبائح يفرحون بتنعّمهم بتلك الطيبات التي ساقها الله إليهم على أيدي إخوانهم من المؤمنين.[١٣]
  • الشرائع المنزلة من عند الله تعالى جميعها متفقة في الأصل، وهو ألوهية الله تعالى وإفراده بالعبودية وترك الشرك به سبحانه.[١٣]
  • الذبح مشروع في جميع الشرائع التي جاء بها أنبياء الله تعالى، والأضحية تكون من الأنعام، ولا بدّ من التسمية عند ذبحها.[١٣]
  • من سهولة الدين الإسلامي ويُسره وسماحته أن جعل مجرد التلفظ باللسان دليل على إيمان الإنسان، فالسرائر متروكة لله وحده، وتلفّظ الإنسان بالشهادتين يجعله مسلمًا وتجري عليه أحكام الإسلام، فيكون معصوم الدم والمال، وهذا مستفاد من قوله: ليذكروا.[١٤]
  • اختيار التعبير بـ "نا" الفاعلين يدلّ على عظمة الأمر وجلالته، فالله عظيم وقوله: "جعلنا"، يعني بعظمتنا التي لا يصحُّ أن تُخالف.[١٤]

التعريف بسورة الحج

سورة الحج هي سورة مدنية ما عدا الآيات من 52 إلى 55، فنزلت بين مكة والمدينة، وهي من السور المئين، فعدد آياتها 78 آية، وهي السورة الثانية والعشرون في ترتيب سور القرآن الكريم، وتقع في الجزء السابع عشر، وسُميّت سورة الحج تخليدًا لدعوة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- حين انتهى من بناء الكعبة المشرّفة ونادى في الناس بالحج.[١٥]

وقد تضمنّت السورة العديد من الموضوعات؛ منها ما يرتبط بالحج بشكل مباشر وواضح؛ مثل الحديث عن الذبائح والهدي والقرابين التي يسوقها الحجّاج، ومنها ما يرتبط بالحج بشكل غير مباشر؛ كالحديث عن البعث، فمشهد الناس في الحج شبيه بجمعهم يوم البعث.[١٥]

كما أذن الله تعالى في هذه السورة بالجهاد والحج فيه مشقة كالجهاد، ومن مقاصدها أيضًا بيان أنّ تعظيم حرمات الله من تقوى القلوب، والثناء على من يُقدّم القربات ويذبح الذبائح لوجه الله تعالى.[١٥]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة الحج، آية:34
  2. ^ أ ب ت ث شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن، صفحة 58-60، جزء 12. بتصرّف.
  3. جلال الدين المحلي، تفسير الجلالين، صفحة 438. بتصرّف.
  4. "تفسير: (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  5. سورة الحج، آية:67
  6. "تفسير: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  7. "تعريف و معنى أمة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى جعلنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى منسك في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى ليذكروا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى اسم الله في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
  12. "كتاب: إعراب القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت ث "سورةُ الحَجِّ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  14. ^ أ ب "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت "سورة الحج"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
3566 مشاهدة
للأعلى للسفل
×