محتويات
- ١ سورة البقرة
- ٢ معنى آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
- ٣ سبب نزول آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
- ٤ معاني المفردات في آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
- ٥ إعراب آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
- ٦ الثمرات المستفادة من آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
سورة البقرة
سورة البقرة سورة مدنية وهي أطول سورة في القرآن الكريم فعدد آياتها 286 آية، وهي السورة الثانية في ترتيب سور المصحف وتقع بعد سوررة الفاتحة، [١] واختلف في أنّها أول سورة نزلت في المدينة المنورة وبدأت بحروف مقطعة حيث قال الله تعالى في مطلعها: {الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }،[٢] كما ذُكر فيها لفظ الجلالة أكثر من 100 مرّة وبها أطول آية في القرآن وهي آية الدين، كما أنّها تقع في الجزء الأول الثاني والثالث وتأخذ أول خمسة أحزاب من المصحف، وقد سُميّت بسورة البقرة إحياءً لذكرى قصة بقرة بني إسرائيل التي حدثت لهم في زمن النبي موسى عليه السلام، كما اهتمت سورة البقرة بالجانب التشريعي والمعاملات وهذا حال جميع السور المدنية، التي تُعنى بالتشريعات التي يحتاج إليها المسلمون في حياتهم، ومن هذه التشريعات بعض المسائل التي تخصّ الصلاة، وسيبيّن هذا المقال: معنى آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله.[٣]
معنى آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
نزل القرآن الكريم على النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- في كل من مكة والمدينة وقد كانت الكثير من الآيات تنزل بعد حصول حدث معيّن أو إجابة عن سؤال، فطور التأسيس الذي مرّ به الإسلام في عهد الرسول الكريم هو طور مهم جدًا، حيث تمّ إرساء أصول هذا الدين العظيم وجميع ما يتعلّق بالجوانب العقدية والتشريعية من العبادات والمعاملات، ومن الآيات التي اهتمّ بها العلماء واستنبطوا منها الكثير من المسائل واعتنوا بتفسيرها ونقل أقوال السلف في بيان معناها؛ قول الله تعالى في سورة البقرة: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}،[٤] فالله -عزّ وجلّ- يُخبر عباده عن عظمة ملكه، وأنّ له مُلك الدنيا كلها بمشرقها ومغربها وما بين ذلك، فأينما حوّل العبد وجهه0 فسيكون وجه الله تعالى مقابلًا له وسيجده أمامه.[٥]
وقد قال الإمام الطبري عند تفسيره لهذه الآية أنّ معنى "ولله المشرق والمغرب"، أي: ولله ملكهما وتدبيرهما فهما له ملكًا وخلقًا، والمشرق هو موضع الشروق وهو مكان طلوع الشمس، والمغرب هو مكان الغروب ولله تعالى ما بين ذلك أيضًا فهو مالك وخالق ومتصرّف بكل شيء، كما أنّ الله تعالى قد خصّ ذكر المشرق والمغرب بالإخبار أنّهما في ملكه على الرغم من أنّ كل شيء هو في ملكه وتحت أمره ليُعلم المؤمنين من عباده أنّه له ملكهما وملك ما بينهما من الخلق، وأنّه من الواجب على جميع المخلوقات طاعة الله تعالى فيما أمر واجتناب ما نهى، وأداء ما فرض وأوجب عليهم من الفرائض، والتوجّه إلى الوجهة التي أخبرهم بالانصراف نحوها، فمن الواجب على المماليك طاعة مالكهم، فالإخبار عن المشرق والمغرب إشارة إلى الخلق بينهما، فيكون معنى هذه الآية: أنّ الله هو ملك المشرق والمغرب وله الحق في تعبّد الخلائق بما شاء، وأن يحكم عليهم بما أراد ويلزمهم بطاعته، وقد أمر عباده المؤمنين بأن يولوا وجوههم نحو وجه الله فإنّهم أينما وجهوها فهنالك وجه الله.[٦]
كما نقل الطبري جملة من أقوال السلف في تفسير هذه الآية، ومنها أنّ اليهود كانوا يتوجّهون في صلاتهم إلىى بيت المقدس وكان رسول الله يتوجّه إليه أيضًا، ثمّ أمره الله تعالى بالتحوّل إلى الكعبة فاستنكر اليهود ذلك فأنزل الله تعالى أنّ المشارق والمغرب كلّها له فهو يصرف عباده إلى أيّ جهةٍ شاء، وذكر آخرون أنّها نزلت قبل الأمر بالتوجّه إلى الكعبة وكان يمكن للإنسان أن يُصلي إلى أي جهة لأنّ الله تعالى في كل مكان، كقوله في سورة المجادلة: {وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ }،[٧] ثمّ نُسخت هذه الآية بوجوب التوجّه إلى البيت الحرام، وقيل أنّها تخصّ صلاة التطوّع في السفر وأداء الفرائض في أرض المعركة فأعلم الله نبيّه وأصحابه أنّهم إلى أي جهة توجّهوا فهو هنالك، وغير ذلك من الأقوال التي حكاها أهل العلم عند تفسيرهم لهذه الآية.[٦]
وذكر الإمام الطبري اختلاف العلماء في كون الآية ناسخة أو منسوخة أم أنّها لا هذا ولا ذاك، كما ذكرت أقوال أهل العلم في تفسير بقية الآية، حيث اختلفوا في تأويل "وجه الله"، فقال البعض أنّ المراد قبلة الله والمعنى هو وجهه الذي وجّهكم إليه، وقال آخرون "فثمّ الله تبارك وتعالى"، وقال البعض أنّ المعنى هو أنّكم ستدركون بتوجّهكم هذا رضا الله الذي له الوجه الكريم، في حين قال آخرون أنّ المراد بالوجه صفته سبحانه، وعليه فإنّ معنى "فأينما تولّوا وجوهكم فثمّ وجه الله" أي: حيثما تتوجّهون وتصرفون وجوهكم فإنّ وجه الله هنالك،[٦] كما ذكر ابن كثير -رحمه الله- أنّ في هذه الآية تسلية لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه، الذين أُخرجوا من مكة وفارقوا مسجدهم ومصلّاهم، وقد كان رسول الله يُصلّي في مكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه، فلمّا هاجر إلى المدينة توجّه إلى بيت المقدس ستة أو سبعة عشر شهرًا، ثمّ صرفه ربّه للتوجّه نحو الكعبة.[٨]
سبب نزول آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
بالإضافة إلى عناية العلماء بتفسير قول الله تعالى: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله، فقد اعتنوا أيضًا ببيان أسباب نزول هذه الآية، وقد تمّت الإشارة إلى بعض ما عدّه أهل العلم سببًا لنزول هذه الآية عند الحديث في معناها، وفيما يأتي تفصيل لأسباب نزول آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله، كما جاء تفصيلها في كتاب أحكام القرآن لابن العربي حيث ذكر أنّ أهل العلم قد قالوا في سبب نزولها سبعة أقوال؛ وهي:[٩]
- القول الأول: أنّها نزلت في صلاة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى بيت المقدس، ثمّ عاد فصلّى إلى الكعبة المشرّفة فاعترض اليهود على ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ تكريمًا لرسول الله وحجةً على اليهود، وهذا القول منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما.
- القول الثاني: أنّها نزلت في تخيير رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والصحابة الكرام ليصلوا حيث شاءوا من النواحي والجهات، وهذا منقول عن قتادة رحمه الله.
- القول الثالث: أنّها نزلت في صلاة التطوّع حيث يتوجّه المصلي في السفر إلى حيث شاء فيها وهو راكب، وهذا منقول عن ابن عمر رضي الله عنهما.
- القول الرابع: أنّها نزلت فيمن صلّى صلاة الفريضة إلى غير القبلة في ليلةٍ مظلمة، وهذا منقول عن عامر بن ربيعة رحمه الله.
- القول الخامس: أنّها نزلت في النجاشي الذي آمن برسالة النبي محمد ولكنّه لم يُصلِّ إلى القبلة، وهذا منقول عن قتادة أيضًا.
- القول السادس: أنّها نزلت في الدعاء وتوجّه الداعي نحو أيّ جهة شاء.
- القول السابع: أنّ معناها أينما كنتم من مشرق أو مغرب وحيثما كنتم فلكم قبلةٌ واحدة تستقبلونها.
معاني المفردات في آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
تقدّم الحديث عن اختلاف العلماء وأهل التفسير في المراد بالوجه في قوله تعالى: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله، وفيما يأتي توضيح لمعناه اللغوي بالإضافة إلى معاني بقية مفردات الآية الكريمة:
- المشرق: جهة شروق الشمس وجمعه "مشارق".[١٠]
- المغرب: جهة غروب الشمس وجمعه "مغارب".[١١]
- تولوا: تصرفوا أو توجِّهوا.[١٢]
- وجه: القسم الذي يواجه الرائي من الرأس وفيه العينان والفم والأنف.[١٣]
إعراب آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
من فصاحة اللغة العربية أن تغيير الحركات ووجود التضعيف في كلمة والتخفيف في أخرى تماثلها بالحروف قد يُغيّر المعنى بشكل جذري، ويمكن أن تقتصر فائدة التضعيف وتغيير بعض الحركات أو زيادة حرف على زيادة معنى آخر على المعنى الأصلي، وتوضيح ذلك من خلال الأمثلة وأكثر ما تظهر هذه الدقّة في الكلمات والجمل القرآنية، فالحرف ثُمّ بضم الثاء هو حرف عطف، أمّا بفتح الثاء فله إعراب مختلف وعمل آخر ليس كعمل حروف العطف، وفيما يأتي بيانٌ لإعراب "ثَمّ" في آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله، بالإضافة إلى إعراب بقية مفردات وجمل هذه الآية:[١٤]
- ولله: الواو استئنافية، لله: اللام حرف جر، لفظ الجلالة اسم مجرور، والجار والمجرور متعلّقان بخبر مقدّم محذوف.
- المشرق: مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- والمغرب: الواو حرف عطف، المغرب: اسم معطوف على المشرق0.
- فأينما: الفاء عاطفة لربط المسبّب بالسبب، أينما: اسم شرط جازم مبني في محل نصب على الظرفية المكانية.
- تولوا: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون من آخره لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
- فثمّ: الفاء رابطة لجواب الشرط، ثمّ: ظرف مكان مبني على الفتح في محل نصب، متعلّق بخبر مقدّم محذوف.
- وجه: مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- الله: لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور.
- جملة "لله المشرق": جملة استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
- جملة "تولوا": جملة معطوفة على الجملة الاستئنافية.
- جملة "ثمّ وجه الله": جملة اسمية في محل جزم جواب الشرط المقترن بالفاء.
الثمرات المستفادة من آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
إنّ الآيات القرآنية المتضمنة لذكر بعض من صفات الخالق العظيم هي محل خلاف بين علماء العقيدة فمن المعلوم أنّ نظرة الفرق الإسلامية لمسألة الصفات تختلف باختلاف الانتماء العقائدي، ومن الآيات التي كانت محط دراسة لعلماء العقيدة المهتميّن بهذا الشأن، آية: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله، وقد تمّ بيان معنى هذه الآية وسبب نزولها وفيما يأتي ذكر لبعض الثمرات المستفادة منها:
- إنّ إحاطة الله تعالى بالمخلوقات وبملكوت السماوات والأرض هي إحاطة علم وقدرة وليست إحاطة ذات فالله تعالى منزّه عن ذلك.[١٥]
- إنّ الله -عزّ وجلّ- محيط بالمخلوقات والعباد إحاطة تامّة وشاملة فأينما ولّى الإنسان وجهه فإنّ الله مطلع عليه ومحيط به وبعمله.[١٥]
- إنّ معرفة مدى قرب الله تعالى من العبد وإحاطته بجميع شؤونه توقظ في النفس مزيدًا من الشعور بمراقبته سبحانه.[١٥]
- إنّ العبد الصالح هو الذي يستحي من فعل المعاصي مع علمه باطلاع الله عليه أينما ذهب وتوجّه.[١٥]
- إنّ من الواجب على أهل الإيمان والتقوى ألّا يقيسوا صفات الله -جلّ وعلا- بصفات المخلوقين ولا يشبّهوه بأحدٍ من خلقه فهو منزّه عن ذلك وله من صفات الجلال والكمال ما يقتضي التقديس وعدم التمثيل والتشبيه.[١٦]
- إنّ من عظمة هذه الآية الكريمة أنّه على الرغم من تعدّد أسباب نزولها إلّا أنّ لكلّ سبب من هذه الأسباب وكل قول من هذه الأقوال ما يقويّه ويدعمه فهذه الأقوال والأسباب تتضافر جميعها لتزيد من الأحكام المستفادة من الآية وفي ذلك بيان لسعة الشريعة الإسلامية.[١٧]
- إنّ أهل الفقه قد اختلفوا في بعض الأحكام الفقهية الخاصّة بمسألة التوجّه إلى القبلة في الصلاة استنادًا إلى هذه الآية، ولكنّهم متفقون على عدم جواز تعمّد التوجّه إلى غير القبلة في صلاة الفرض ما عدا في حالة الخوف الشديد.[١٨]
- إنّ إضافة المشرق والمغرب لله تعالى هو من باب التعظيم والتشريف لهما.[١٧]
- إنّ إدراك المصلّي أنّه يستقبل وجه الله تعالى عند توجّهه في صلاته يستلزم مزيدًا من الخشوع والثبات والاهتمام بأمر الصلاة.[١٧]
المراجع
- ↑ "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:1-2
- ↑ "سورة الْبَقَرَة 2/114"، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:115
- ↑ "سُورَةِ البَقَرَةِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية:7
- ↑ "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ ابن العربي، أحكام القرآن، صفحة 52. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى المشرق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى المغرب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ "معنى تُوَلُّوا في القرآن الكريم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الوجه في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ "الموسوعة الشاملة"، islamport.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "تفسير قول الله تعالى: ولله المشرق والمغرب فأينما تولو فثم وجه الله"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ "تفسير ( فأينما تولوا فثم وجه الله )"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
- ↑ "ولله المشرق والمغرب"، islamona.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.