محتويات
سورة الحج
القرآن الكريم إحدى معجزات النبيّ الخالدة، ويحوي بين دُفّتيه العديد من السّور الكريمة، ومن بينها سورة الحج؛ وهي سورةٌ مدنيّةٌ ما عدا الآيات 52-55 التي نزلت بين مكّة والمدينة، وسميّت باسم أحد أركان الإسلام الخمسة وهو الحجّ؛ وسُميت بذلك الاسم تلبيةً لنداء القيام بفريضة الحجّ بعد بناء الكعبة مِن قبَل إبراهيم عليه السّلام، وقد بدأت السّورةُ بموقفٍ عنيفٍ يتحدّث عن أهوال يوم القيامة؛ حيث قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}،[١] فاجتماع النّاس في الحجّ وتوجّههم لمكانٍ واحدٍ يشبه اجتماع الناس يوم القيامة؛ وذلك ما يُفسّر ابتداء السورة بتلك الآية، ثمّ ينتقل اللهُ تعالى إلى الحديث عن أدلّة البعث، ثمّ الحديثِ عن انتقال الإنسان إلى دار الجزاء؛ حيث ينال كلٌ إنسانٍ جزاءَ عمله في الحياة الدنيا، ثمّ بيّن اللهُ الحكمة من جواز قتل الكفّار، وفي ختام السورة دلّ على مدى عجز الأصنام عن خلق أيّ شيء، ثمّ ختمها بآية سجدة.[٢]
معنى آية: ولهم مقامع من حديد، بالشرح التفصيلي
كانت الغاية من سورة الحجّ هي الحديث عن أهوال يوم القيامة ودار الحساب، كما وتحدّثت عن مدى عجز الأصنام والأوثان عن فعل أصغر ما يمكن فعله؛ ألا وهو خلق ذبابةٍ أو حتى أصغر منها، مع تبيين قدرة الله على خلق كلّ شيءٍ مهما صغر حجم ذاك الشيء أو كبُر، كما بيّنت وشرحت مراحل خلق اللهِ للإنسان، ومن بين آيات سورة الحجّ العظيمة قوله تعالى: {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}،[٣] وهي التي ورد في تفسيرها أكثرُ من قولٍ يمكن استعراض بعضها وأهمها، حيث جاء في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحديّ: المقامع تعني: السّياط، وحدّدالقرآن الكريم مادّة تلك السياط؛ حيث قال تعالى: مقامع من حديد؛ أي: سياطٌ من حديد، فهي طريقةٌ من طرق تعذيب الكفّار الذين يجادلون في الله بغير علم،[٤] كما جاء في تفسيرها: مفرد مقامع: مقمعة، والمقمعة أداةٌ تشبه الجرز، مصنوعةٌ من الحديد، ويُقال قمعتُ رأسه؛ أي: ضربته ضربًا شديدًا وعنيفًا،[٥] ومن الدلائل على قوّة تلك الأداة المذكورة في سورة الحجّ: مقامع من حديد ما جاء في حديث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في وصف قوة المقامع قوله: "لو أنَّ مِقْمَعًا من حديدٍ وُضِعَ في الأرضِ فاجْتَمَعَ له الثَّقَلَانِ ما أَقَلُّوهُ من الأرضِ، ولو ضُرِبَ الجبلُ بمِقْمَعٍ من حديدٍ كما يُضْرَبُ أهلُ النارِ، لَتَفَّتَتَ وعاد غُبَارًا"،[٦] وقد قالابن عباس في الآية: "يُضربون بها، فيقع كلُّ عضوٍ على حِياله، فيدعون بالثبور"، وفي ذلك دليلٌ على مدى قوّة المقامع.[٧]
معاني المفردات في آية: ولهم مقامع من حديد
بعد تفسير الآية بشكلها العام، لا بدّ من المرور على بعض معاني كلمات الآية، بالإضافة إلى شرحِها شرحًا لغويًّا دقيقًا كما ورد في معاجم اللغة العربية؛ حيث ورد لكلّ كلمةٍ عدّة معانٍ بحسْب السياق الذي سترد فيه، وسيذكر المقالُ بعضًا منها، ومن المعاني الواردة في بعض مفردات الآية الكريمة:
- المقامع: اسم جمع مفرده مِقمَعة، والمقمعة هي عبارةٌ عن خشبةٍ أو حديدةٍ معوجَّة الرَّأس، يُضرب بها رأسُ الإنسان أو الحيوان بغرض إهانته وإذلاله، والفعل منها: قَمَعَ، ويُقال: قَمَعَ الشّخص: أبعدَه عمَّا يُريد وقهره وزجره، وقيل أيضًا: قَمَعَ الولدَ: أي ضربه بالمِقمَعة أو ضربه أعلى رأسه، ويقال: قمعت المرأة بنانها بالحنّاء: خضبت أطراف بنانها بالحِنَّاء، وقَمَعَ فيِ البيت: أي دَخَلَهُ هارباً، وقَمَعَ الإِناء: أدخل فيه القميع ليصبَّ فيه السّائل، وقمَعَ ما في الإِناء: شربه وتناوله، ويُقال: قَمَعَ البلح: أي قلعَ قِمعَه، وقَمَعَ سَمْعه لفلان: أنصتَ له، وورد أيضًا: قمعَ البردُ النبات: أحرقه.[٨]
- حديد: اسمٌ مفرد، الجمع منه: حدائد، والحديد: فلزٌ يجذبه المغناطيس، قابلٌ للصدأ، ومن أنواعه: الحديد الزّهر والحديد المطاوع والحديد الصّلب، ويُقال: أصلبُ من الحديد؛ أي: عنيد، وقلبه كالحديد؛ أي بقساوة الحديد، وورد أيضًا: يضرب بالحديد والنّار؛ أي: بقوّة السلاح، وضربَ بيدٍ من حديد: بحزمٍ وشدّة، وضرب في حديدٍ بارد: كنايةً عن العمل بلا جدوى؛ أي: بذل جهدًا ضائعًا، والحديدُ المطاوع: هو الحديد القابلُ للطرق والتشكيل، أمّا الحديدُ الزَّهر فهو: نوعٌ من أنواع الحديد الغنيّ بالكربون والسيليكون والمنغنيز، ذو صلابةٍ عالية، يُشكَّل بالصّبّ في القوالب، وهو نوعٌ قابلٌ للضّغط، وتصنَع منه أجسام الماكينات، ويقال أيضًا: مكبّلٌ بالحديد: مكبّلٌ بالأغلال والسلاسل، كما يُقال: الحديدُ بالحديد يُفْلَحُ: أَي لا يَقْطَعُ ما هو معدنيٌّ إلا المعدن، ويُقال: أمرٌ حَدَد: أي ممتنعٌ باطل، وما لي عن هذا الأمر حَدَدٌ: أي ما لي عن هذا الأمر بدّ.[٩]
إعراب آية: ولهم مقامع من حديد
بعد الحديث عن شرح الآية الكريمة، وتناول بعض معاني مفرداتها والوقوف عليها، يصبح أمرُ الإعراب من السهولة واليسر بمكان؛ ولا سيما آية: {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}؛[١٠] فهي من الآيات البسيطة السهلة على الرغم من هول معناها، وفهمُ المعنى كان دائمًا أولُ خطوات الإعراب وحجر الأساس في إعراب أي كلامٍ عربيّ، والعكس من هذا صحيح؛ فإنّ للإعراب دورٌ في فهم المعاني، وإعرابُ الآية كما بيّنه علماءُ النّحو هو كالآتي:[١١]
- الواو: استئنافيّة، لا محلّ لها من الإعراب.
- لهم: اللام: حرف جرّ، هم: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرٍ بحرف الجرّ، والجار والمجرور متعلقان بخبرٍ محذوفٍ تقديره "كائن".
- مقامعُ: مبتدأ مؤخّر مرفوعٌ وعلامة رفعه الضّمة الظّاهرة على آخره.
- من: حرف جرّ.
- حديد: اسمٌ مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظّاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفةٍ لمقامع.
- جملة "ولهم مقامع": فهي جملة استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب،[١٢] وبذلك يكون قد تمّ إعراب الآية بتمامها بإذن الله، وسيتحدّث المقالُ فيما يأتي عن الثمرات المُستخلصة من الآية.
الثمرات المستفادة من آية: ولهم مقامع من حديد
تقوم كلّ السور القرآنية عادةً على ثلاث نقاطٍ مهمةٍ لا بدّ من وجودها داخل هذه السورة؛ حيث في كلّ سورةٍ لا بدّ من ذكر بعضٍ من صفات الله -عزّ وجلّ- فيها بالإضافة إلى قدرته -تعالى- على خلقه وعباده، وثاني نقطةٍ لا بد من التطرق إليها هي الحديث عن الرسائل الموجّهة إلى البشر والخلق عن طريق الأنبياء والرّسل، والحديثِ عن البعث والآخرة والجنّة والنّار والحساب، الأمر الذي ورد كله متضمَنًا في سورة الحجّ وكان مثالًا جليًّا عن تلك الرسائل، فيها من تلك النقاط كغيرها من السور، وفيها من العِبر والثمرات المُستفادة الكثير، ومن أبرز تلك الثّمرات:
- أكدّت سورة الحجّ فيما سبق آية: {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}،[١٣] أنّه لا ينبغي للعبد الاستهانة بالله تعالى وعبادته؛ فمن استهان بالله أهانه الله وأخزاه في الدارين؛ وقد جاءت عبارة مقامع من حديد كدليلٍ صارخٍ على إذلال الكفّار عن طريق ضربهم بتلك الآلة؛ فكما أنهم استهانوا بعبادة الله أهانهم الله -نتيجة كفرهم- وذلك بضرب الملائكة لهم على رؤوسهم بالمقامع، فهي سميّت بالمقامع لأنّها تقمع المضروب؛ أي: تذلّه وتهينه، فهي بذلك من أقوى الصور الدّالة على الإهانة.[١٢]
- في سورة الحجّ تأكيدٌ على أنّ العبودية خالصةٌ لوجه الله وحده؛ حيث يتوجّه جميعُ النّاس في الحجّ إلى وجهه الكريم، ولا مقصد لهم إلاه إلهًا واحدًا لا شريك له ولا معقّب عليه، وذلك تأكيدٌ منهم على وحدانيّة الله تعالى، وأنّ كلّ ما في الكون من إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ يسبّحون الله في الغدوّ والآصال؛ فقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩}،[١٤] وأنّ للكفار عذابًا شديدًا أعدّ لهم يوم القيامة؛ حيث وصف الله تعالى هذا العذاب في سورة الحج وذكره بشكلٍ شبه تفصيليّ.[٢]
- وفي حديث السورة عن أهوال يوم القيامة وما فيها من عذابٍ للكفّار، فإنّ آية: {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}،[١٥] وما قبلها: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}،[١٦] نزلت في غزوة بدر الكبرى تتحدث عن الفريقين المتخاصمَين: الكفّار والمسلمين؛ فبيّن الله تعالى أنّ لكل عملٍ في الدنيا ما يقابله من عقابٍ في الآخرة، وكان من بين أنواع عقاب المشركين ضربهم بالمقامع، وفي ذلك دليلٌ على شناعة أعمالهم واستحقاقها للعقاب، فنالوا جزاء ما اقترفوا وحاق بهم عملهم السيء.[١٧]
المراجع
- ↑ سورة الحج، آية:1
- ^ أ ب "سورة الحج"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-01. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:21
- ↑ "تفسير: (ولهم مقامع من حديد)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
- ↑ " تفسير البغوي سورة الحج تفسير قوله تعالى ولهم مقامع من حديد"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:7399، صحيح.
- ↑ "وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ "، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى مقامع في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى حديد في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:21
- ↑ "إعراب آيات سورة الحجّ"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ^ أ ب "وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنْ حَدِيدٍۢ (الحج - 21)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:21
- ↑ سورة الحج، آية:18
- ↑ سورة الحج، آية:18
- ↑ سورة الحج، آية:19-20
- ↑ "غزوة بدر"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.