معنى آية وليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرِين، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرِين، بالشرح التفصيلي

سورة آل عمران

سورة آل عمران من السّور المدنيّة الطّوال، حيث يبلغ عدد آياتها مائتا آية وترتيبها في المصحف الثالثة بعد سورة البقرة، وأمّا ترتيبها من حيث النّزول فهي تقع بعد سورة الأنفال، ومن الجدير بالذّكر أنّها تناول العديد من الموضوعات؛ كغزوة أحد والحديث عن وفد نصارى نجران الذي يُعدّ سببًا رئيسًا في نزول هذه السّورة الكريمة، حيث يُقال أنّ وفد نجران خاصموا الرّسول -عليه السّلام- في أمر المسيح عيسى ابن مريم ووردت هذه الأحداث من بداية السّورة إلى الآية الثّمانين وما بعدها بقليل، ومن الجدير بالذّكر أنّ هذه السّورة لها فضل عظيم؛ كالشّفاعة يوم القيامة، وتحدّثت بشكل رئيس عن المنافقين وتعاملهم، كما أنّه ورد فيها الحديث عن قدرة الله ووجوده، بالإضافة إلى صبر المؤمنين وهذا لا يتأتّى إلاّ باختبار من الله، لذلك سيتمّ في هذا المقال شرح قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[١]، شرحًا دقيقًا؛ وسيتم التّعرف على معاني المفردات والإعراب والثّمرات التي تعود على الإنسان.[٢]

معنى آية: وليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرِين، بالشرح التفصيلي

يقول الله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}،[٣] والمقصود في هذه الآية أنّ الله تعالى جعل الأيّام مداولة بين الناس، ليمحّص المؤمنين، ويمحق الكافرين، وفي تفسير قوله: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ...}، ثلاثة أقوال: أحدها: أنّ الله تعالى يختبر ويبتلي المؤمنين وهذا قول جمهور المفسرين؛كابن عبّاس وقتادة وغيرهم، والقول الثاني هو: أنّ الله تعالى يُطهّر المؤمنين؛ أي يخلّصهم من ذنوبهم، فالآية فيها مضاف محذوف وتقديره "الذّنوب"، والقول الثالث أنّ التّمحيص يُراد به: تخليص المؤمنين من كذب المنافقين وخداعهم، كقول: محّص الحبل محصًا؛ أيْ إزالة الوبر منه حتى يتخلّص، ويجدر بالذّكر أنّ بعض النّاس تدعوا الله تعالى بأن يمحّصهم عن ذنوبهم؛ أيْ يُذهب عنهم خطيئاتهم وسيئاتهم، ممّا يعني أنّ القرح الذي يُصيب المؤمنين يخلصهم الله منه وممّا كان يشوب قلوبهم من أعراض الدنيا، ويخلصهم أيضًا ممّا كانوا يخالطونهم من ضعاف الإيمان والمنافقين عندما يتبين خبثهم وكذبهم وخداعهم حيث لا يجدون لقولهم سامعًا، ولا لدعوتهم إلى التردد والهزيمة مجيبًا.[٤]


وأمّا بالنّسبة لقوله تعالى في تتمّة الآية الكريمة: {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، أيضًا في تفسيرها أربعة أقوال وهي: الهلاك الشّديد في الدّنيا والآخرة وهذا قول ابن عبّاس، وثانيها: يذهب دعوتهم ولا يستجيبها وهذا قول مقاتل، وثالثها وهو قول الفراء: إنقاص قدر الكافرين وتقليل قيمتهم، والقول الرّابع: إحباط عملهم، أيْ مهما حاولوا أن يعملوا فإنّ قلوبهم غلف ومنكرة للعقيدة الإسلاميّة، فلا فائدة من عملهم وتقرّبهم إلى الله ما لم يتوبوا، والخلاصة واضحة في الآية التي سبقتها وهي: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}،[٥] المقصود هنا أنّ الله تعالى جعل القرح للفئتين: المؤمنة والكافرة، ولكن السّبب مختلف، فللمؤمن يكون فضيلة واختبار بدليل قوله تعالى في الآية التّابعة لها: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، حيث يُعدّ في جانب المؤمنين وسيلة لتزكية نفوسهم وتطهيرهم من الذّنوب حتى يلقوا الله تعالى يوم القيامة بلا ذنوب، والنّتيجة تكون لصالحهم بفوزهم في جنّاته ونعيمه، وأمّا بالنّسبة للقرح الذي يجعله الله تعالى للكافرين، فيكون في حقّهم رزية: أيْ عذابًا وهلاكًا لهم في الدّارين، والدّليل قوله تعالى: {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، أيْ إعطائهم جزاءهم لما فعلوه، وتعقيبًا على ذلك: فإنّ العقاب الذي نالوه في غزوة بدر هو: الانتصار الكبير من قِبَل المُسلمين ممّا جعلهم يتناسوا هذا الأمر، ويُضاف إلى ذلك العقاب غير المباشر الذي نالوه في غزوة أحد وهو ازدياد قوّة المُسلمين بعد انتصار الكفّار عليهم، ففي يومها زاد تواكل الكفّار وثقتهم، ولكن هذا لم ينقص من ثقة المسلمين على الرّغم من إنقاص عددهم، فقد حققوا انتصارات جليلة بعد غزوة أحد.[٦]


معاني المفردات في آية: وليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرِين

إنّ علم تفسير القرآن من أهمّ العلوم على الإطلاق، كونه يسهَم في إزالة الإشكال في فهم الآية، ولا سيّما إن ورد لفظ يحتمل أكثر من معنى، ويكون ذلك من خلال الرّجوع إلى قواميس موثوقة المصدر لاستخراج المعاني، فمن الجدير بالذّكر أنّ معرفة معاني المفرادت تُعين الباحث على استنباط الأحكام الشّرعيّة والإفتاء بها إن كان أهلاً لذلك، ومن ثمّ يؤدّي هذا إلى اهتداء الأمّة لطريق الصّلاح، لذلك لا بُدّ من التّعرُّف على معاني مفردات قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}:

  • حرف الواو: هو حرف من حروف الهجاء وترتيبه السّابع والعشرون، وهو حرف مرقق ومجهور أيْ متوسّط، ويخرج عند ضمّ الشّفتيْن مع فتحهما.[٧]
  • يمحّص: من محّص ومعناه: يختبر أو يقلب فكرة تدور في الذّهن، والمقصود بها هنا الاختبار من قِبَل الله تعالى.[٨]
  • الله: لفظ الجلالة، وهو اسم علم يُطلق على الذّات الإلهيّة الجامعة لصفات الألوهيّة، ولهذا السّبب لا يجوز التّسمية به؛ لأنّه مختصّ بالإله الخالق والمعبود.[٩]
  • الذين: حرف أو أداة تُستخدم في اللّغة العربيّة للتعبير عن الجمع المذكّر السّالم، ولا يتمّ إلا باتّصاله بالكلام فالأداة وحدها لا معنى لها، لذلك هو اسم موصول مبهم.[١٠]
  • آمنوا: فعل مأخوذ من الإيمان، ومعناه: الاعتقاد الجازم بأنّ الله تعالى هو خالق الكون وهو القادر على كلّ شيء.[١١]
  • ويمحق: المقصود بهذا الفعل هو: جعل الشيء ناقصًا، أو يُقصد به الإحباط والهلاك وذهاب البركة.[١٢]
  • الكافرين: مأخوذ من الفعل كَفَرَ، ومعناه: الإنكار والجحود، والمقصود هنا: الذين جحدوا الدّين الإسلامي وألقوا التّهمة عليه وحاولوا محاربته.[١٣]


إعراب آية: وليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرِين

يعدّ الإعراب معلم رئيس من معالم اللّغة العربيّة، وهو ضرورة من ضروريّات الحياة كونه يسهَم في تحليل الأصول واستنتاج المنهج الصّحيح ولا سيّما في آيات القرآن الكريم، فلولا إعراب الآيات لوقع النّاس في الالتباس والخلط بين شرح الآيات والأحكام الواردة فيها، ومن الجدير بالذّكر أن الإعراب يُعرف من الحركة، فحركة الفاعل تختلف عن حركة المفعول به، فلو قرأ القارئ لفظ بحركة خاطئة لوقع في محظور بسبب تغيّر المعنى وكذلك تغيّر الحكم، وفيما يأتي سيتمّ إعراب قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}؛ ليصبح الشّرح أكثر دقة:[١٤]

  • الواو: معطوفة على قوله تعالى في الآية السابقة: {...وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ...}.[١٥]
  • ليمحّص: اللّام هنا تفيد التّعليل، يمحّص: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتح بسبب أنْ المحذوفة، والأصل هو: لأن يمحصَ.
  • الله: لفظ الجلالة في مع رفع فاعل.
  • الذين: اسم موصول في محل نصب مفعول به، والجملة معطوفة.
  • آمنوا: فعل ماضٍ مبني على الضمّة المقدّرة لاتّصاله بالواو، والفعل هنا متعلّق بصلة الموصول.
  • ويمحق: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتح، وهو معطوف على "وليمحّص"، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
  • الكافرين: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء.


الثمرات المستفادة من آية: وليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرِين

إنّ القرآن الكريم نزل ليكون شفاءًا للنّاس ورحمة لهم، فهو النور الذي يُهتدى به وهو الرّابط الرّئيس بين العبد وربّه كونه يتضمّن دستور الحياة الذي تسير عليه الأمّة الإسلاميّة، وهذا كله لا يتأتّى إلاّ من الإنسان المُدرك لمعاني الآيات والمتدبّر لألفاظها وأحكامها وأسباب نزولها، ممّا يعني أن جميع الآيات القرآنيّة لها حكمة من الله تعود ثمرتها على العبد، لذلك سيتمّ فيما يأتي بيان الثمرات المستفادة من آية: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}:[١٦]

  • ورد في الآية الكريمة لفظ التّمحيص الذي معناه: الاختبار، ممّا يعني الصّبر على جميع العقبات التي يمرّ بها الإنسان.
  • وقوع الابتلاء على العبد يستلزم اللّجوء إلى الله وطلب المغفرة والرّحمة منه وإحسان الظّنّ فيه.
  • المؤمن العائد لربّه بالدّعاء والطّاعات واجتناب المنكرات، سينال الأجر الوفير، وستُمحى ذنوبه وتنقلب إلى حسنات وصولاً إلى الدّرجات العليا في الدّنيا والآخرة.
  • المؤمن الصّالح يؤيّده الله وينصره في كلا الدّاريْن.
  • القرح أو المصيبة تكون اختبارًا واقعًا للمؤمن وهي فضيلة له ووسيلة للفوز يوم الحساب، لكن تكون ضنكًا للكافر وعذابًا أليمًا في الدّنيا والآخرة.
  • الثواب للمؤمن يُنال بسبب الحرص على الطّاعات والملازمة للقربات بلا تقصير، والخلاصة أنّ الإيمان الذي تُلازمه صفة التّقوى سيرتفع قدر صاحبه في الدّارين، ولا سيّما إن نزل به الابتلاء وصابر عليه وزاد من التّقرّب إلى الله.
  • المُنكر للدّين الإسلامي والجاحد له جحودًا متعمّدًا سينال عقابه في الدّنيا؛ كعدم العيش بهناء، والعقاب في الآخره يكون بدخوله إلى النّار مخلّدًا فيها.
  • من جحد أمرًا من أمور العقيدة خرج من رحمة الله تعالى، ولم يُقبل دعاءه ولم يؤخذ بعمله، فكأنّه هباءًا منثورًا إلاّ إذا تاب توبة نصوح وألحقها بالأعمال الصّالحة.

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:141
  2. "سورة آل عمران"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  3. سورة آل عمران، آية:141
  4. "التأويل في قوله تعالى: {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين}"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  5. سورة آل عمران، آية:140
  6. "القول في تأويل قوله: {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} "، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  7. "تعريف وشرح حرف الواو"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  8. "تعريف وشرح يمحص"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  9. "تعريف وشرح لفظ الجلالة: الله"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  10. "تعريف وشرح الذين"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  11. "تعريف وشرح الإيمان"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  12. "تعريف وشرح يمحق"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  13. "تعريف وشرح الكافرين"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  14. "إعراب آيات سورة آل عمران"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  15. سورة آل عمران، آية:40
  16. "تأويل قوله تعالى: {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين}"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
3568 مشاهدة
للأعلى للسفل
×