محتويات
سورة العنكبوت
سورة العنكبوت هي سورة مكية ما عدا الآيات من 1 إلى 11 فمدنية، وهي من السور المثاني فعدد آياتها 69 آية، وهي السورة التاسعة والعشرين في ترتيب السور القرآنية وتقع في الجزء الحادي والعشرين قبل سورة الروم، ونزلت بعد سورة القصص، وهي من السور المبدوءة بحروفٍ مقطّعة، وسُميّت بسورة العنكبوت لورود ذكرها فيها، حيث ضربها الله مثلًا للأصنام المصنوعة بأيدي الكفار وآلهتهم المزعومة، فقال في ذلك: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}،[١] فالموضوع الرئيس في هذه السورة هو موضوع العقيدة والإيمان، ومن مقاصدها الحث على الاجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعاء الله تعالى وحده والتوجّه إليه بالحمد والشكر، وقد تعرّضت السورة للحديث عن قوة إيمان المؤمنين وثباتهم عند المحن وفي مواجهة الفتن، ويُقابل ذلك ضُعف الكافرين، وسيتناول هذا المقال معنى آية: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، بالشرح التفصيلي.[٢]
معنى آية: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، بالشرح التفصيلي
تدرّجت سورة العنكبوت في الحديث عن أنّ المعيار الذي يُعرف من خلاله مدى إيمان العباد وثباتهم هو كيفية تعاملهم مع الفتن ووقوفهم في وجه المحن بصبرٍ ويقين، وبعد ذلك كان الحديث عن قصص الأنبياء نوح -عليه السلام- الذي ظلّ يدعو قومه ألف سنةً إلّا خمسين عامًا، والنبي إبراهيم الذي حاجج قومه وبيّن لهم بُطلان عقائدهم وأنّ الأصنام التي ينحتونها فيعبدونها لا تملك من أمرها شيئًا حتى تملك من أمرهم، وقد أرشد سبحانه بني آدم للتفكّر في آياته وقدرته العجيبة، ثمّ أخبرهم بضعفهم بقوله: {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}،[٣] فهذه السورة توبّخ وتزجر الكفّار وتُبيّن لهم ضعف حجتهم وضلالهم بالالتجاء للأصنام وعبادة غير الله، وتُرغّب أهل الإيمان والتقوى بعظيم الفضل وجزيل الثواب.[٤]
تفسير الطبري
وقد قام الإمام الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، بنقل أثرٍ عن ابن زيد وهو أنّ الله تعالى لا يُعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماوات في السماوات إن عصوه، وقال بأنّ البعض فسرّ هذه الآية بأنّ هؤلاء لن يُعجزوا الله تعالى إن كانوا في الأرض ولن يعجزوه إذا استطاعوا الوصول للسماء،[٥] كما فسّر ابن كثير هذه الآية بأنّ الله تعالى لا يُعجزه أحد من أهل السماوات ولا من أهل الأرض، فهو القاهر فوق عباده وكل شيء يخاف منه ومفتقر إليه، أمّا هو فغنيٌّ عمّا سواه.[٦]
تفسير ابن عاشور
كما قال ابن عاشور عند تفسيره لمعنى المعجز أنّه الذي يجعل غيره عاجزًا عن فعلٍ ما، واستعماله في هذه الآية من باب المجاز في الغلبة والانفلات من التمكّن، ومعنى وما أنتم بمعجزين: أي، وما أنتم بمنفلتين من عذاب الله، وقوله "في الأرض": أي ليس لكم انفلات في الأرض ولن تجدوا موئلًا يُنجيكم ويحميكم من قدرة الله تعالى عليكم في أي مكان من الأرض كسهولها وجبالها وباديتها ومدنها، وقوله "ولا في في السماء": فيه تأييس لهم من الطمع بالنجاة، وإن كانوا يعلمون يقينًا بعدم قدرتهم على الوصول إلى السماء والاختباء فيها.[٧]
تفسير البغوي
وقد قال البغوي في تفسيره بأنّه قد يقول قائل ما وجه ذكر السماء والآية تتحدّث عن الآدميين، ويُجاب عن هذا التساؤل بجوابين، الأول وهو ما نُقل عن الفرّاء بأنّ المعنى أنّ الله لا يُعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء في السماء، والثاني وهو ما نُقل عن قُطرب في أنّ المعنى أنكم لستم معجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها، كقول الرجل: لن يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة، أي: حتى إذا وصل إلى البصرة،[٨] وفي معنى هذه الآية يقول ابن الجوزي في تفسيره المسمّى زاد المسير بأنّ المعنى لا تسبقون الله تعالى حتّى يجزيكم بأعمالكم السيئة، ونقل عن مقاتل قوله بأنّ الخطاب في هذه الآية موجّه لكفار مكة.[٩]
تفسير النسفي
ويقول النسفي في مدارك التنزيل بأنّ المعنى أنّكم لن تفوتوا الله تعالى إن هربتم من حُكمه وقضائه لا إلى الأرض الفسيحة ولا إلى السماء التي هي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها،[١٠] كما جاء في فتح البيان أنّ الخطاب لبني آدم من أهل الأرض ومن المعروف عجزهم عن الصعود إلى السماء ولكن في ذكرها مزيد من التعجيز لهم، فالهروب من الله ممتنع على جميع الأحوال فهو لا يعجز عن إدراك الخلق في أيّ مكانٍ كانوا،[١١] وحكا ابن عطيّة أنّ البشر ليس باستطاعتهم الانفلات في الأرض ولا في السماء، ومن المحتمل أن يكون المراد بالسماء الهواء العالي، أي: ليس للإنسان حيلة إن صعد أو نزل، بالإضافة إلى المعاني الأخرى التي ذُكرت في كتب التفسير كتفسير الطبري.[١٢]
تفسير البقاعي
كما فسّر البقاعي هذه الآية وربطها بما حولها من الآيات فقال أنّه بعدما بيّن الله تعالى عدم وجود مانع من بعثهم وإحيائهم بعد الموت، وأنّ ما بقي هو ممانعتهم وعنادهم هم فقط، أخبرهم بأنّهم جميعًا العرب وغيرهم لن يُعجزوا الله في بعثهم وتعذيبهم، كيفما تقلّبوا في الأرض ظاهرها وباطنها، أو على فرض تمكنّهم من الوصول إلى السماء بعد الحشر أو قبله، لأنّ جميع هذا هو من ملكوت الله فكيف يُعجزه شيءٌ في ملكوته وتحت قدرته، ومن المحتمل أن يكون في هذه الآية إشارة لصرح النمرود الذي بناه ليرقى إلى السماء حيث إنّ الآيات السابقة تحدّثت في قصة إبراهيم عليه السلام.[١٣]
معاني المفردات في آية: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء
الله -عزّ وجلّ- هو الذي أعجز عباده فلا أحد يخرج عن قدرته ويخفى على علمه، وقد تحدّى البشر بالإتيان بكتاب مثل القرآن الكريم ولكنّهم عجزوا عن ذلك فقدرتهم قاصرة وقوّتهم محدودة، وهم لا يعجزون الله تعالى إينما ذهبوا، حيث قال تعالى: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، وفيما يأتي بيانٌ للمعاني اللغوية لمفردات هذه الآية الكريمة:
- أنتم: ضمير رفع منفصل للمخاطبين.[١٤]
- معجزين: جمع معجِز، وهو اسم الفاعل من الفعل أعجز، ويعني الذي يُعجز غيره ويثنيه عن طلبه وإدراكه واللحاق به.[١٥]
- الأرض: الجمع أرَضون وأرْضون، وهي أحد كواكب المجموعة الشمسية وهو الكوكب الذي يسكنه بنو آدم.[١٦]
- السماء: الجمع سماوات، وهي الفضاء المحيط بالأرض، وأعلى كل شيء يُقال له سماء.[١٧]
إعراب آية: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء
اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم والإعراب هو علم لصيق باللغة وقائم عليها ومنبثق عنها، فهو العلم الذي يهدف إلى تحديد هوية الكلمات والحروف والأدوات في الجمل والعبارات، وبالتالي معرفة معنى الكلمة بشكل صحيح، بالاعتماد على الموقع والحركة الإعرابية، وفيما يأتي بيانٌ لإعراب آية: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء:
- وما: الواو استئنافية، ما: نافية عمل ليس.[١٨]
- أنتم: اسم ما.[١٩]
- بمعجزين: الباء زائدة،[١٨] معجزين: اسم مجرور لفظًا منصوب محلًّا على أنّه خبر ما.[١٨]
- في الأرض: في: حرف جر، الأرض: اسم مجرور، والجار والمجرور متعلقّان بحال من الضمير في معجزين.[١٨]
- ولا: الواو حرف عطف،[١٩] لا: زائدة لتوكيد النفي.[١٨]
- في السماء: في: حرف جر، السماء: اسم مجرور، والجار والمجرور متعلقّان بما تعلّق به "في الأرض" بسبب العطف.[١٨]
- جملة "ما أنتم بمعجزين": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.[١٨]
الثمرات المستفادة من آية: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء
يخبر القرآن البشر بحقيقتهم ويضرب لهم الأمثال ويحكي لهم القصص ويستخدم معهم جميع طُرق الإقناع، فهو الكتاب المُنزل لهداية البشرية ووضعها على الصراط المستقيم والمتأمل لسور القرآن وآياته يظهر له هذا بكل جلاء ووضوح، ومن الآيات التي تخاطب بني آدم وتخبرهم بعجزهم، قوله تعالى: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض الثمرات المستفادة من هذه الآية الكريمة:[١٣]
- قدرة الله تعالى شاملة لكل شيء فهو الذي لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وعلمه محيط بكل شيء وهذا يجعل الإنسان يشعر بعظمة الخالق الذي يعبده ويلجأ إليه، فالعبودية للخالق العظيم تجعل الإنسان في أرقى مستويات الإنسانية، بينما العبودية للكائنات الضعيفة والحجارة الصمّاء تجعله ذليلًا مهانًا.
- ضُعف الإنسان وقلّة حيلته فمهما حاول الهروب من قدر الله وقوته فلن يستطيع ذلك، حتى وإن ملك القوّة العظيمة فتبقى قوّته هذه بشرية ضعيفة لا يمكن مقارنتها بقوة الله تعالى وجبروته.
- الكِبر يودي بالمرء إلى المهالك فكِبر النمرود وظنّه بأنّه ملك الأرض وباستطاعته الصعود إلى السماء جعله مثلًا في سوء العاقبة، فالعاقل يعتبر بقصص هؤلاء وكلّما شعر من نفسه كِبرًا وغرورًا سعى إلى تهذيبها وتذليلها في عبودية الله وطاعته.
المراجع
- ↑ سورة العنكبوت، آية:41
- ↑ "سورة العنكبوت"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:22
- ↑ "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "قوله تعالى وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "معالم التنزيل"، tafsir.app، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "زاد المسير"، tafsir.app، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "مدارك التنزيل"، tafsir.app، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "فتح البيان"، tafsir.app، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "المحرر الوجيز"، tafsir.app، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ^ أ ب "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أنتم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى معجز في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الارض في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى السماء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.
- ^ أ ب "(العنكبوت - 22)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-22. بتصرّف.