معنى آية وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، بالشرح التفصيلي

سورة الأنبياء

إنَّ سورة الأنبياء من سور القرآن الكريم المكية، التي نزلت بعد سورة إبراهيم، وتقع هذه السورة في الجزء السابع عشر في آخر حزب المئين، وعلى ذلك يكون ترتيبها في المصحف الشريف السورة الواحد وعشرون، ويبلغ عدد آياتها مئة واثنا عشرة آية، ويرجع سبب تسميتها بهذا الاسم إلى ذكر معظم أسماء الأنبياء والمرسلين فيها،[١] وقد وردت فيها آية عظيمة تنفي دوام البقاء لأيِّ أحدٍ من الخلق،[٢] وهذه الآية هي قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}،[٣] وسيتم تخصيص هذا المقال لبيان معنى الآية الكريمة ثمَّ بيان معنى مفرداتها كما سيتم إعراب كلماتها، وفي الختام سيتم تدبِّر هذه الآية لاستنباط الثمرات المستفادة منها.

معنى آية: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، بالشرح التفصيلي

إنَّ المعنى الإجمالي لقول الله تعالى في سورة الأنبياء: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}،[٣] أنَّ الله -عزَّ وجلَّ يخاطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقول له: أنَّ دوام البقاء في الحياة الدنيا لم نجعله لأحدٍ من البشر من قبلك وعلى ذلك فلن نجعله لك، بل إنَّ الموت سيكون سبيلك كما كان سبيل من قبلك من الأنبياء والرسل، وغيرهم من الأولياء، ثمَّ تُختَم الآية بسؤال إنكاري فيقول الله تعالى في سورة الأنبياء: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}، ومعنى ذلك إن مِتَّ أيها الرسول هل سيبقى المشركين من بعدك؟ كلا فإن مِتَّ فهم كذلك سيموتون في الوقت المحدد لانقضاء أعمارهم، وفي ذلك دفعٌ لشماتة المشركين بالنبيِّ فما الذي يؤكد لهم أنَّهم سيموتون بعد رسول الله؟ أو ما الذي يؤكد لهم أنَّهم خالدون باقون ولن يشمت بهم أحد؟ أمَّا بالنسبة لسبب نزول الآية الكريمة فيرجع إلى دفع المشركين نبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقولهم: شاعرٌ نتربص به ريب المنون، ولعله يموت كما مات غيره من الشعراء،[٤] وقد ذكر العلماء لهذه الآية ثلاثة وجوه من أسباب النزول، وفيما يأتي ذكرها:[٥]

  • أنَّ الآية نزلت لأنَّ بعض النَّاس كانوا ينفون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الموت.
  • أنَّ جماعة من الكفار والمشركين كانوا يقدِّرون موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم فيشمتون به، فنزلت هذه الآية الكريمة لتنفي الشماتة عنه حيث أنَّها أخبرت بعدم الخلود والبقاء لأحدٍ من البشر سواء أكان رسولٌ أو وليٌ أو مسلمٌ أو كافر.
  • أنَّه قد يُحتمل عدم إدراك الموت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك لأنَّه خاتم النبيين وأنَّ بموته قد يتغير الشرع، فنزلت الآية للتنبيه على أنَّ حال رسول الله كحال غيره من الأنبياء في الموت.


والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، هل رفع عيسى -عليه السلام- إلى السماء وبقائه على قيد الحياة إلى الآن يتعارض مع قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ}، وكيف يتم التوفيق بين الآية الكريمة ووجوده الآن، والإجابة على ذلك تكمُن في أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- رفع نبيَّه عيسى -عليه السلام- إليه، وطهره من أعدائه الذين كفروا، ولا شكَّ أنَّه حيٌ في السماء الآن، لكنَّه سيأتي عليه اليوم الذي يموت به قبل يوم القيامة وهذا أمرٌ مؤكدٌ لا شكَّ به ولا ريب، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}،[٦] والآية واضحة في الإخبار عن موت عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان وإن كانت حياته طويلة بالنسبة لغيره من البشر إلَّا أنَّها تبقى مدة محدودة وقصيرة بالنسبة للحياة الآخرة، وسيكون مصيره كمصير غيره من البشر والمخلوقات، حيث لن يبقى إلَّا الله الحيِّ الذي لا يموت.[٧]

معاني المفردات في آية: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد

يعدُّ القرآن الكريم هو أصل الأصول وقاعدة الدين الأساسية، كما أنَّ به صلاح دين المسلم في الدنيا والآخرة، وإنَّما نزل القرآن الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُعمل به، وحيث لا يستطيع الإنسان أن يعمل بشيءٍ لا يفهمه كان لا بدَّ عليه أن يقوم بتعلِّم اللغة المكتوب بها، وحيث إنَّ القرآن الكريم نزل بلسان عربيٍ مبين فإنَّ من أركان فهمه معرفة المسلم باللغة العربية، وبناءً على ذلك لا بدَّ عند الحديث عن تفسير آيةٍ من آيات القرآن الكريم أن يتمَّ بيان معنى مفرداتها،[٨] ومن هذا المنطلق سيتم تخصيص هذه المساحة لبيان معاني مفردات قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}، وفيما يأتي ذلك:

  • البشر: الإنسان أنثى وذكرًا.[٩]
  • الخلد: الدوام والبقاء في دار لا يستطيع الخروج منها.[١٠]
  • متَّ: من الموت وهو زوال الحياة عن كلِّ كائن حي.[١١]

إعراب آية: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد

يعدُّ علم النحو والإعراب من العلوم المهمة في علم تفسير القرآن الكريم، لِما له من عظيم الأثر في اختلاف معنى الآية عند اختلاف الحركات الإعرابية لمفرداتها،[١٢] كما أنَّ علم النحو والإعراب يعدُّ مفتاح الإحساس بحلاوة القرآن الكريم وجماله، وحيث إنَّه السبيل لمعرفة الإعجاز البياني في القرآن الكريم والوقوف عليه، ولذلك فإنَّه لمن المهم والضروري أن يكون المفسِّر على علمٍ بعلوم اللغة العربية، ومن هذا المنطلق فإنَّه لمن المهم أن يتمَّ بيان إعراب مفردات الآية الكريمة المراد تفسيرها،[١٣] ولذلك سيتم تخصيص هذه الفقرة لبيان إعراب مفردات قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}، وفيما يأتي ذلك:[١٤]

  • وما: الواو هنا استئنافية، أمَّا ما هنا فهي نافية.
  • جعلنا: جعل فعل ماضي مبني على السكون، والضمير المتصل (نا) في محل رفع فاعل.
  • لبشرٍ: اللام هنا حرف جر وبشرٍ اسم مجرور وعلامة جره تنوين الكسر الظاهر على آخره، والجملة من الجار والمجرور في محل نصب مفعول به ثانٍ.
  • الخلدَ: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد: جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.
  • مِتَّ: فعل ماضي مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • إن متَّ: جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.
  • فهم الخالدون: جملة في محل جزم جواب الشرط.

الثمرات المستفادة من آية: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد

إنَّ في تدبر كلام الله -عزَّ وجلَّ- لخيرٌ كثيرٌ وعظيم، إذ به يتمُّ استخراج واستنباطٌ معانٍ جديدة وحلولًا لما استجدَّ ويستجدُّ من قضايا في كافة العصور والأزمنة، ممكا يؤكد على أنَّ هذا الدين صالحٌ لكل زمانٍ ومكان، كما أنَّ في التدبر تغييرٌ طفيفٌ على حياة البشر، وأكبر دليلٌ على ذلك هو تحول الصحابة الكرام من الكفر إلى الإيمان، إذ ما الذي يجعلهم يتيقنون أنَّ هذا الكلام لا يُمكن أن يكون من عند أحدٍ من البشر إلا التأمل والتدبر في آيات كتاب الله، بالإضافة إلى أنَّ الالتصاق بكتاب الله وفهمه وحسن تدبره يعدُّ رفعة من الله -عزَّ وجلَّ- ودليل ذلك ما رُوي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث قال: "إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ"،[١٥] ولهذه الأسباب أمر الله -عزَّ وجلَّ- المسلمين بقراءة القرآن الكريم وتدبره حيث قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}،[١٦] ومن هذا المنطلق سيتم تخصيص هذه الفقرة لتدبر الآية الكريمة: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}، مع العلم أنَّ التدبر هو "هو التفكر والتأمل بآيات القرآن الكريم والتوصل إلى معانٍ جديدة يحتملها النص القرآني ومما يتوافق مع اللغة العربية وربط الآيات والسور وإضفاء الأئسلة حول هذا الترابط ومناسبته"،[١٧] وفيما يأتي الثمرات المستفادة من الآية السابقة المذكورة:[٤]

  • أنَّ كل كائن حي في هذا الكون نهايته الموت مهما طال به الزمن أو قصُر.
  • أنَّ عيسى -عليه السلام- وإن كان الآن في السماء إلَّا أنَّ الموت سيدركه أيضًا.
  • أنَّ الإنسان إن علم أنَّه سيغادر هذه الدنيا لا محالة، فإنَّ ذلك يجعله لا يعطي الدنيا أكثر من حجمها.
  • إن علم الإنسان أنَّ مآله الموت، وأنَّ هذه الدنيا ليست إلا وسيلة للوصول إلى الخلد في الحياة الآخرة فإنَّ ذلك يجعله يتزود من الأعمال الصالحة لينال الخلود في جنة الآخرة.
  • على المرء أن يترك الشماتة في الأمور كلها، والأولى والأحرى أن يتركها عند علمه بأنَّ المصاب نفسه سيصيبه بلا خلاف.

المراجع

  1. "سورة الأنبياء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  2. "تفسير: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة الأنبياء، آية:34
  4. ^ أ ب "الأنبياء 34"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  5. "التفسير الكبير"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية:159
  7. "هل وجود عيسى عليه السلام يتعارض مع قوله تعالى : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ) ؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  8. "كيف نفهم القرآن الكريم؟"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى البشر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى الخلد في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى مِتَّ في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  12. "أثر اختلاف الإعراب في تفسير القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  13. "أهمية علم النحو في فهم القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  14. "(الأنبياء - 34)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-11. بتصرّف.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:817، حديث صحيح.
  16. سورة النساء، آية:82
  17. "أهمية التدبر في القرآن العظيم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
4840 مشاهدة
للأعلى للسفل
×