محتويات
سورة يس
سورة يس هي من السور المكيّة باتّفاق، وقد ورد اسمها هذا عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث المشهور: "قلبُ القرآنِ {يس} لا يقرؤُها رجلٌ يريدُ اللهَ والدَّارَ الآخرةَ إلَّا غفر اللهُ له اقرؤُوها على موتاكم"،[١] ومن هنا سمّاها بعض السلف قلب القرآن، سُمّيت بها نسبة إلى الحروف المُقطّعة الواردة في بدايتها، وترتيبها من حيث النزول 41، وقد نزلت بعد سورة الجن وقبل سورة الفرقان، وعدد آياتها عند جمهور الأمصار 82 آية، وعند أهل الكوفة 83 آية،[٢] وهي من السور المثاني في القرآن الكريم وترتيبها في المصحف 36 في الجزء 23، تقع بين سورة فاطر وسورة الصافات، وقد ورد في هذه السورة آية يقول فيها الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}،[٣] وهذا المقال سيقف مع تفسير هذه الآية وشرحها وإعرابها بشيء من التفصيل.[٤]
معنى آية: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون
تقف هذه الفقرة فيما يأتي مع تفسير قوله تعالى في سورة يس: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}،[٥] فإنّ هذه الآية ترتبط بما جاء قبلها في الآيات التي يقول فيه تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ}،[٦] وهو حديث على أحداث الساعة وما سيكون فيها من النفخات التي يُصعق الخلق فيها تارة ويُبعثون من موتهم تارة أخرى، والنفخة المقصودة هي النفخة في الصُّور، والصور هو قرنٌ عظيمٌ قد خلقه الله تعالى -كما جاء في الحديث الشريف- بعد أن فرغ من خلق السماوات والأرض وأعطاه للمَلَك إسرافيل عليه السَّلام، فهو شاخصٌ ببصره إلى العرش ينتظر أن يؤمر، فإذا جاء الأمر لإسرافيل -عليه السلام- فإنّه ينفخ فيه ثلاث نفخات: نفخة الفزَع، وهي التي يفزع منها أهل السماوات والأرض، ويُطيلها إسرافيل ويديمها بأمر من الله سبحانه، وهي التي يقول فيها تعالى في سورة ص: {وَمَا يَنظُرُ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ}،[٧] ثمّ نفخة الصَّعق، فيُصعق من في السماوات والأرض إلّا من شاء الله تعالى.[٨]
ثمّ يقول تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}،[٩] وهذه النفخة هي نفخة القيام لرب العالمين، وهي آخر النفخات، وروى بعض المفسّرين أنّ بينها وبين النفخة السابقة أربعين سنة، يقوم فيها الناس من موتهم من قبورهم التي كانوا فيها، فالأجداث هي القبور كما ذهب العلماء وواحدها جَدَث، وأمّا قوله ينسلون فقيل إنّ المقصود به هو خروجهم أحياء من قبورهم، فإذًا المعنى هو الخروج، ولذلك قيل للوَلِيد الذي يخرج من بطن أمّه نسل، وقيل النسلان هو الإسراع في المشي، وذلك أنّ الناس يخرجون من قبورهم سِراعًا، ومن ذلك قوله تعالى في سورة القمر: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ}،[١٠] بمعنى أنّهم في سرعة انتشارهم كالجراد المنتشر، وكذلك قال تعالى في سورة المعارج: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ}،[١١] فهذه الآية تحكي خروج الناس من قبورهم مسرعين يجيبون داعي الله تعالى لموقف الحساب، وفي سورة لقمان يكنّي الله تعالى عن سرعة البعث بقوله: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}،[١٢] وفي الحديث الشريف الذي يرويه جابر بن عبد الله "أنَّ قومًا شكَوا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المشيَ فدعاهم فقال: عليكم بالنسلانِ فنسَلْنا فوجَدْناه أخفَّ علينا"،[١٣] والله تعالى أعلم.[١٤]
فعندها يعلم الكافر يقينًا أنّ هذا هو اليوم الموعود، فيقول تعالى واصفًا حديثهم عند البعث: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}،[١٥] فعندما يُبعثُ الكافرون يُذهلون لهول ما يرَون، فيقولون: {يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}، فقال أهل العلم -ومنهم ابن كثير الدمشقي- إنّهم يقولون ذلك لأنّ ما عاينوه من عذاب القبر إن هو إلّا كالرّقاد بالنسبة لما يَرَون من أهوال يوم القيامة، وقال غيرهم من أهل التأويل كالإمام ابن عبّاس وجماعة من السلف -رضي الله عنهم- إنّ الله تعالى لمّا يأمر إسرافيل بنفخة الصّعق فإنّه يرفع العذاب عن الكافرين حتى تأتي نفخة البعث، وبين النفختين أربعون سنة، فيظنّ الكافرون أنّ العذاب قد رُفِعَ عنهم وأنّهم لن يُبعثوا من رقادهم، فلمّا تأتي نفخة البعث يجزعون ويقولون: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}، فيردّ عليهم المؤمنون: {هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}، وقيل بل إنّ ذلك تتمّة قول الكافرين أنفسهم، أي إنّهم يتساءلون ثُمّ يُجيبون أنفسهم، والله أعلم.[١٦]
معاني المفردات في آية: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون
بعد الوقوف مع تفسير قوله تعالى في سورة يس: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}،[١٧] فإنّ هذه الفقرة تقف مع معاني المفردات في هذه الآية الكريمة من أجل زيادة إيضاح معنى الآية الكريمة عند القارئ لها، وذلك فيما يأتي:
- نفخ: إخراج الهواء من الفم، وله في اللغة معانٍ أخرى، ومنه حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم نهى عن النَّفخِ في الشَّراب، فقال رجلٌ: القَذاةُ أَراها في الإناء؟ فقال: "أَهْرِقْها"، فقال: فإني لا أَرْوَى من نَفَسٍ واحدٍ؟ قال: "فأَبِنِ القَدَحَ إذًا عنْ فِيكَ"،[١٨] والله أعلم.[١٩]
- الصور: الصور هو القرن العظيم، والمقصود به هنا القرن الذي ينفخ فيه الملك يوم القيامة، يقول تعالى في سورة النبأ: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}،[٢٠] والله أعلم.[٢١]
- الأجداث: الأجداث جمع جدث، وهو القبر.[٢٢]
- ينسلون: هذا الفعل له عدّة معانٍ في اللغة، فمنه الخلق ومنه الذرية ومنه تكاثر البشر، فيُقال تناسل بنو كذا إذا كثر أبناؤهم، ومن معانيه كذلك الإسراع في المشي المعنى الذي ذهب إليه أكثر المفسّرين، والله أعلم.[٢٣]
إعراب آية: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون
إنّ في الإعراب زيادة في البيان والإيضاح، فربّ كلمة ما تزال مبهمة تتّضح بعد الإعراب أكثر من ذي قبل، ولذا فهذه الفقرة تقف مع إعراب قوله تعالى في سورة يس: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}،[٢٤] وذلك فيما يلي:
- ونُفِخَ: الواو استئنافيّة، ونفخ فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح الظاهر على آخره.[٢٥]
- في الصور: في حرف جر، والصور اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل نفخ،[٢٥] وقيل بل الجار والمجرور سدّا مسد نائب الفاعل.[٢٦]
- فإذا: الفاء عاطفة، وإذا فُجائيّة.[٢٥]
- هم: ضمير رفع منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.[٢٥]
- من الأجداث: من حرف جر، والأجداث اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل اللاحق "ينسلون".[٢٥]
- إلى ربّهم: إلى حرف جر، وربهم اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والميم للجمع، والجار والمجرور متعلقان بالفعل اللاحق "ينسلون" أيضًا،[٢٥] وقال بعضهم إنّما متعلّقان بحال محذوفة من فاعل ينسلون.[٢٧]
- ينسلون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لانّه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.[٢٥]
- جملة {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[٢٥]
- جملة {هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}: معطوفة على الجملة السابقة فهي مثلها لا محل لها من الإعراب.[٢٧]
- جملة {يَنسِلُونَ}: في محل رفع خبر للمبتدأ "هم".[٢٧]
الثمرات المستفادة من آية: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون
ختامًا تقف هذه الفقرة مع الثمرات التي يمكن إفادتها من قوله تعالى في سورة يس: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}،[٢٨] فيمكن للمتبصّر أن يأخذ من الآية ثمرات يقتطفها من كتب أئمّة التفسير، ومن تلك الثمرات:
- قدرة الله تعالى العظيمة التي لا يطيق فهمها عقل بشر، منها أنّ النفخة في الصور التي ينفخها الملك هي واحدة في الأحوال الثلاثة، ولكن الفاعل الذي يقف وراء تأثيرها هو واحد -وهو الله تعالى- وقد جعل لكلّ منها مهمّة فواحدة تُميت وأخرى تُحيي.[١٤]
- سرعة أمر الله تعالى إذا جاء؛ فتصوير الناس وهم يخرجون مسرعين من قبورهم يدلّ على فاعل متصرّف بيده كلّ شيء، فهو تعالى يصف قدرته على إماتة الناس وإحيائهم بأنّها كقدرته على إماتة وإحياء نفس واحدة، فهو -تعالى- يقول في كتابه العزيز: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}،[٢٩] فهذا دليل إضافيٌّ على قدرة الله تعالى التي لا يحدّها شي.[١٤]
- عقاب الله تعالى يوم القيامة وفي القبر لا يكون إلّا لمن عصاه، والعاقبة تكون للمتّقين، والويل والثبور لمن كفر بالله وأشرك به، والله أعلم.[١٤]
المراجع
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم:2، حديث إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
- ↑ "التحرير والتنوير - سورة يس"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة يس، آية:51
- ↑ "سورة يس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة يس، آية:51
- ↑ سورة يس، آية:48-50
- ↑ سورة ص، آية:15
- ↑ "تفاسير الآية 49 من سورة يس"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة يس، آية:51
- ↑ سورة القمر، آية:7
- ↑ سورة المعارج، آية:43
- ↑ سورة لقمان، آية:28
- ↑ رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:3، حديث رجاله ثقات.
- ^ أ ب ت ث "تفاسير الآية 51 من سورة يس"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة يس، آية:52
- ↑ "تفاسير الآية 52 من سورة يس"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة يس، آية:51
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:1887، حديث حسن صحيح.
- ↑ "تعريف و معنى نفخ في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة النبأ، آية:18
- ↑ "تعريف و معنى الصور في قاموس مختار الصحاح"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أجداث في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى ينسل في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة يس، آية:51
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د "وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (يس - 51)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ محمد علي طه الدرة (2009)، تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه (الطبعة 1)، دمشق:دار ابن كثير، صفحة 752، جزء 7. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة يس، آية:51
- ↑ سورة لقمان، آية:28