معنى آية وهم يصطرخون فيها، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وهم يصطرخون فيها، بالشرح التفصيلي

سورة فاطر

تُعدُ سورة فاطر من السور المكيةِ والتي يبلغُ عدد آياتِها 45، وهي السورةُ الخامسة والثلاثون في المصحف في الجزء الثاني والعشرين، وتعدُ سورة فاطر من السور المثاني، افتُتحت هذه السورة بالثناءِ على الله تبارك وتعالى وحمدِهِ حيثُ قال تبارك وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}،[١] وقد نزلت بعد سورة الفرقان،[٢] وقبل هجرة رسول الله ويدور موضوع السورة حولَ الدعوة إلى توحيد الله تعالى كما وتناولت قضايا العقيدة وأقامت الأدلة والبراهين على وجود الله تعالى وإبطالِ الشرك والحث على التحلي بالأخلاق الحميدة وترك الرذائل وفاطر هو اسمٌ منأسماءِ الله الحُسنى،[٣] ومن أسماءِ سورةُ فاطر سورة الملائكة؛ وذلك لوصفِ الملائكة في بداية السورة دون غيرها، وأما وجه تسميتها بفاطر فلأن هذا الوصف لله تعالى قد ذُكر في بدايتها دونًا عن باقي السور.[٤]

معنى آية: وهم يصطرخون فيها، بالشرح التفصيلي

تحدثت سورة فاطر عن بعض من أحداث اليوم الآخر وأهواله، وجاءت الآيات الكريمة تصف حال أهل النار وعذابهم حيثُ قال الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}،[٥] فهذه الآية تضع القارئ أمام مشهد من مشاهد العذاب الذي يكون لأهل النار يوم القيامة، فالآيات الكريمة تتضمن مشهدًا حركيًا يمتلئُ قلقًا وصُراخًا واضطرابًا وعدم استقرار، وهذا ما دلت عليه كلمة {يَصْطَرِخُونَ}، فنقلت صورة متكاملة وواضحة عن اضطرب الأجواء التي يعيشها أهل النار، فجاءت هذه الكلمة بدلالتها الصوتية لتعبر عن المشهد بوضوح، حيثُ إن دلالتها الصوتية نختلف عن كلمة يصرخون، فمعنى كلمة يصطرخون: "افتعال من الصراخ, وهو شدة الصياح, ويستعمل كثيرا في الاستغاثة يصطرخون تفيد الصياح بشدة وجهد, أي يصيحون من شدة ما حل بهم, ويستخدم اللفظ كثيرا في الاستغاثة"، وبيّنت الآيات بعد هذه الاستغاثة مطلبهم وهو إخراجهم من النّار حيثُ قال تعالى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا}، وشكّلت هذه الكلمة معجزة بلاغية من معجزات القرآن الكريم.[٦]

وأشارت الآيات الى استغاثة أهل النار عن طريقِ الاصطراخ وهو افتعالٌ من الصراخ كما تم بيانه وتم استخدامه في الاستغاثة لجهد المُستغيث صوته وإرهاقه في طلبه لربه بأنّ يخرجه من نارِ جهنم ليرجع للحياة الدنيا ويعمل صالحًا غير الذي كانَ يعمله في الحياة الدنيا، وقد قيّدت الآيات العمل الصالح بالوصف السابق الذكر ليفيد التحسّر على ما كانوا يعملون من عملٍ غيرِ صالح، واعترافهم بذلك، وللإشعار بأن طلبهم للخروج هو لتلافي ما كانوا يعملونه ويظنون أنّه صالح، وقد تبيّن لهم خلافه[٧]، وقال السعدي في تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}: "وهؤلاء الكفار يصرخون من شدة العذاب في نار جهنم مستغيثين: ربنا أخرجنا من نار جهنم, وردنا إلى الدنيا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمله في حياتنا الدنيا, فنؤمن بدل الكفر, فيقول لهم: أولم نمهلكم في الحياة قدرًا وافيًا من العمر, يتعظ فيه من اتعظ, وجاءكم النبي صلى الله عليه وسلم, ومع ذلك لم تتذكروا ولم تتعظوا؟ فذوقوا عذاب جهنم, فليس للكافرين من ناصر ينصرهم من عذاب الله".[٨]

وجاء في تفسير الطبري أن قول الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}، أن الله تعالى يذكر حال الكافرين وهم يضجون ويستغيثون في نار جهنم بقولهم: "يا ربنا أخرجنا نعمل صالحًا"، أي: نعمل بطاعتك {غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، أي قبل دخولهم في النار ما كانوا يعملون من معاصي، وقول الله تعالى: {يَصْطَرِخُونَ} أي يفتعلون من الصراخ، وقُلبت التاء طاءً لقرب مخرجها من حرف الصاد لما ثَقُلت، واختلفَ أهل التفسير فيما جاءَ بعدها من قول الله تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}، فقال بعضٌ من أهل التفسير أن المدة أربعون سنة، حيثُ روي عن ابن عباس أنّه قال:  "العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}، أربعون سنة، وقال آخرون بأنّه ستون عامًا حيثُ نُقل عنابن عباس أنّه قال: "العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم ستون سنة"، وتقدير الكلام أنّ الله تعالى يسأل المشركين سؤالًا فيه إقرار فيقول لهم ألم نعمركم سنين يتذكر فيها من أراد أن يتذكر من أصحاب ِالعقول النيرة ويتعظ ويتوب ويحذر من عذاب الله تعالى في اليوم الآخر، ولكن لم تقبلوا هذه المواعظ ولا النذير الذي أرسله الله لكم من عنده.[٩]

وقيل أن معنى قول الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}، أي لا يخفف عنهم العذاب، وإن اضطربوا واصطرخوا لا يخفف الله ما هم عليه من عذاب حتى يطلبون من الله تعالى التخفيف ولا يجدونه ، والاصطراخ مأخوذٌ من الصراخ، والصراخ صوت المُعذَّب، وهم يصرخون ويطلبون من الله تبارك وتعلى أن يخرجهم من نار جهنم؛ فصراخهم عبارةٌ عن كلام وهو طلب الخروج من النار، وتُشير الآية الكريمة إلى أنهم يصرخون من التعذيب وليس التأديب؛ فالمؤَدب إذا قال لمن يؤدبهِ أنه ينوي الرجوع عن الفعل الذي يعاقب من أجلِهِ يتركه، بعكسِ التعذيب فإنَ المُعذِّب لا يرجع عن ذلك لأنه أعطاه فرصةً للتذكر[١٠]، وقال ابن كثير معنى قوله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}، أي يجأرون بأصواتهم لله تعالى ويسألونه الرجوع للحياة الدنيا ليعملوا غير ما عملوا في حياتهم، والله تعالى العالمُ بحالهم وهو يعلمُ بأنّهم كاذبون ولو ارجعهم للدنيا للجاؤوا بنفسِ الأعمال التي عملوها، ويعودوا لما نهوا عنه، فلهذا لم يجيبهم الله تعالى عن سؤالهم، كما ويذكّرهم الله تعالى بأنّهم عاشوا في حياتهم الدنيا أعمارًا يُدرك بها أصحاب العقول السليمة الطريق الصحيح ويختارونَه.[١١]

معاني المفردات في آية: وهم يصطرخون فيها

وكما تم بيانه فإن في الآية الكريمة إعجازٌ بلاغيٌ وبيانيٌ يتمثل في مفردات الآية كما أن الزيادة في المبنى في الفعل المذكور وهو قول الله تعالى: {يَصْطَرِخُونَ}، أفادت زيادةً في المعنى وبعد تفسير هذه الآيه وبيانها سيأتي بيان معاني المفردات في قول الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}، وهي كما يأتي:

  • يَصْطَرِخُونَ: يستغيثون و يصيحون بشدّة.[١٢]

إعراب آية: وهم يصطرخون فيها

للإعراب أهميةٌ كبيرةٌ في اللّغة العربية فهو تطبيقٌ لما جاءَ في اللّغةِ العربيةِ من قواعد، وهو من الطُرق القديمة لدى علماء اللّغة العربية لمعرفةِ مواضعِ الكلامِ وإبرازِهِ مُعتمدين على القواعد التي بُنيت عليه، كما يُعدُ الإعراب وسيلةً لمن أراد أن يتعلّم تركيب الجمل[١٣]، وعليه فلا بُدَّ من إعراب قول الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}، ليَسهُلَ فهم الآيات وتفسيرها، وإعراب الآية الكريمة كما يأتي:[١١]

  • وَهُمْ: الواو حرف عطف، هم ضمير متصل مبني في محل رفع مبتدأ.
  • يَصْطَرِخُونَ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ.
  • فِيهَا: في حرف جر، ها ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل الذي سبقهما.

الثمرات المستفادة من آية: وهم يصطرخون فيها

لا بُدَّ من الوقوف عند كُلِّ آيةٍ في كتاب الله تعالى لتدبرها وفهمها ومعرفة ما جاءت به من مواعظ وحكمٍ وأحكام، وبعد تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}، وبيان معناها بشكلٍ تفصيلي، وذكر معاني المفردات بها وإعرابها، سيأتي بيان ما انطوت عليه هذه الآية من ثمرات، وهي كما يأتي:[١١]

  • أن للدعاء أهمية كبيرة وهو ينفع العبد إن أراد الله تعالى ذلك، ولم ينفع الدعاء أهل النار شيئًا، لأنّهم أدركوا أهميته بعدما فاتَ الأوان، وحلَّ بهم العذاب، وكانَ الله تعالى قد أرسل إليهم الرُّسل لِتنذرهم.
  • أن للنصيحة والوعظ أهميةٌ بارزة، حيثُ إن هذه المهمة تُعدُ من أعمال الرّسل والأنبياء والدعاة إلى الله تعالى وإلى طريق الحق.
  • أن للحوار أهميةٌ كبيرةٌ في إقامة البيان والحجة على الطرف الآخر، حتى أنَّ الله تعالى يحاور أهل النار ويجاوب على ما سألوه.
  • أن للعلم الشرعي أهميةٌ كبيرةٌ تنفع المسلم في حياتِهِ وآخرته، ويظهر أيضًا أهمية العمل الصالح للإنسان وكيفَ يُنجيه من عذاب الآخرة.
  • أن الإنسان ينبغي أن يتفكر ويتدبر، ويعرف قيمة إرسال الرّسل وأهمية طاعتهم وتنفيذ ما جاؤوا به.
  • أن الدنيا دار عمل والآخرةُ هي دار الحساب، وما يزرع الإنسان في حياته الدنيا يراه في آخرته. 

المراجع

  1. سورة فاطر، آية:1
  2. "سورة فاطر"، ar.wikipedia.org، 2020-07-24. بتصرّف.
  3. "سورة فاطر 35/114"، www.e-quran.com، 2020-07-24. بتصرّف.
  4. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 247. بتصرّف.
  5. سورة فاطر، آية:37
  6. مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الفصيح. بتصرّف.
  7. محمد بن محمد بن مصطفى العمادي، تفسير أبي السعود، صفحة 155. بتصرّف.
  8. "سورة فاطر - تفسير السعدي"، ar.islamway.net، 2020-07-25. بتصرّف.
  9. "وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ"، quran.ksu.edu.sa، 2020-07-25. بتصرّف.
  10. الرازي، التفسير الكبير، صفحة 27. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت " وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا "، www.quran7m.com، 2020-07-25. بتصرّف.
  12. "معنى يَصْطَرِخُونَ في القرآن الكريم"، www.almaany.com، 2020-07-25. بتصرّف.
  13. " أهمية الإعراب في اللغة"، www.t-elm.net، 2020-07-25. بتصرّف.
4972 مشاهدة
للأعلى للسفل
×