محتويات
سورة الأحزاب
سورة الأحزاب من السّور المدنيّة أي التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، وهي من السور المثاني، ويبلغ عدد آياتها ثلاث وسبعين آية، أمّا ترتيبها في سور القرآن الكريم فهي السورة الثالثة والثلاثين، في الجزء الثاني والعشرين، وقد نزلت سورة الأحزاب بعد نزول سورة آل عمران، واسم الأحزاب هو الاسم الآخرلغزوة الخندق، عندما اجتمع المشركون وتحزّبوا لمحاربة المسلمين في المدينة، وقد كان المشركين من قبل عدّة كغطفان وقريش، كما اجتمع معهم يهود بني قريظة وثلّة من أوباش العرب، وقد عادوا لديارهم مدحورين مهزومين[١]، وقد تناولت سورة الأحزاب جانبًا تشريعيًا لحياة الأمة الإسلامية حالها كحال جميع السور المدنية، فتناولت الأحكام التشريعية التي تكفل السعادة والهناء للمجتمع المسلم، وأبطلت العديد من العادات والتقاليد الموروثة كالتبني والظهار وغيرها، وسيكون في هذا المقال معنى آية من سورة الأحزاب وهي قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}[٢]، بالشرح التفصيلي.[٣]معنى آية: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، بالشرح التفصيلي
جاء في كتاب التفسير الكبير عن معنى الآية: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}[٤]، والآية من سورة الأحزاب وجاء في التفسير أن استثناء نساء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من نساء العالمين هو لما لهنّ من المكانة، فجاء بأنّ عذابهنَّ هو ضعف عذاب غيرهنَّ من النساء في حال اقترفنَّ ذنب ما، وأجرهنَّ مثل أجر غيرهنَّ فهنَّ كالحرائر بين الإماء، ولهنّ صفةً لن تكون لغيرهنَّ من النساء وهي أنّهن أمهات المؤمنين وزوجات رسول الله -عليه الصلاة والسلام- خير الأنبياء والمرسلين، والذي ليس كغيره من الرجال كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم: "لسْتُ كأحدِكم" [٥]لذلك فإن كلّ من كان من خاصّة رسول الله وأقربائه وآل بيته لن يكونوا كغيرهم من الناس.[مرجع]
وجاء في تفسير القرطبي أنّ قوله تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ}، قيل فيه كأحد وليس كواحدة من النساء؛ لأنّ في نفي أحد نفيٌ عام للمؤنث والمذكر والواحد والجماعة والمثنى، وقد اقترن هذا الفضل والاستثناء لنساء النبيّ الكريم بقوله تعالى في تتمة الآية الكريمة: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}، فكانت هذه الفضيلة مقرونة أيضًا بتقوى الله تعالى.[٦]
وجاء في كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير أنّ الآية الكريمة تخاطب نساء النبيأمهات المؤمنين بأنّهن لسن كجماعات النساء بل هن صاحبات شرف ومكانة فهمن زوجات خاتم الأنبياء ولا بدّ لهنّ من زيادة قدرهنَّ ومنزلتهنَّ بطاعة الله ورسوله فجاءت التتمة في الآية الكريمة: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}، أي أنّ شرفهنَّ ومنزلتهنَّ قد حصلت ولكن بتقوى الله تعالى، فلا بدّ من ملازمة التقوى، فبدون التقوى لا يعلو شأنهنَّ بين النساء، وجاء بعدها النفي عن الخضوع بالقول أمام الرجال.[٧]
كما جاء في تفسير الحاوي الكبير في فقه مذهب الشافعي عن معنى آية: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}، أنّ الآية أبانت نساء النبي بين نساء العالمين، كما قال الماوردي أنّ الله تعالى خصّ نبيه بالكثير من الكرامات وهذه منهن حيث فضّل نساء الرسول على نساء العالمين ويأتي هذا التفضيل لأربعة أمور أولها أنّ الله خصّهن بخلوة رسول الله وأنّ الوحي نزل بينهم، وثانيها أنّ الله اصطفاهن لرسوله الكريم زوجات في الآخرة وفي الدنيا، وثالثهما أنّ الله ضاعف لهنّ الثواب من الحسنات والعقاب من السيئات، ورابعها أنّ الله تعالى جعل نساء النبيّ أمهات للمؤمنين محرمات عليهم، فكان ذلك كلّه سببًا لكونهن أفضل نساء العالمين.[٨]
معاني المفردات في آية: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن
مما لا شكّ فيه أنّ مفردات القرآن الكريم جميعها اختيرت بعناية إلهية وحكمةٍ بالغةٍ بالغة، فهي في ترتيبها وتنسيقها معجزة للعرب بكلّ ما يملكونه من فصاحة وبلاغة وتحكم بحبال اللغة والكلام، فمن غير الممكن استبدال آية بسواها، وهذا ما يثبت الإعجاز البياني والبلاغي لكتاب الله، وفيما يأتي معاني المفردات في الآية الكريمة يا نساء النبي لستن كأحدٍ من النساء إن اتقيتن:
- نساء: اسم، وهي جمع كلمة امرأة، وفي حال أضيفت كلمة النساء إلى كلمة النبي لتصبح "نساء النبيّ" فهنّ زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمهات المؤمنين.[٩]
- النبي: هو إنسان يصطفيه اللهُ من خلقه ليوحى إليه بشريعة أو دين سواء كُلِّف بالإبلاغ أم لا.[١٠]
- اتقيتن: اسم من اتقى ويقال ذاك شخص شديد التقوى أي؛ شديدَ التنسك وَالعبادة وَمخافَة اللَّه وَاحترام الشريعة.[١١]
إعراب آية: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن
يعتمد الإعراب في اللغة العربيّة على الفهم الدقيق لمعنى الكلام أولًا، وعلى علوم النحو والإعراب والتمكّن منها تاليًا، وقد اجتهد الكثيرون في إعراب آيات القرآن الكريم الذي يعدّ المرجع الأول للنحو والبلاغة وجلّ علوم اللغة العربيّة، وفيما يأتي إعرابٌ تفصيليّ لمفردات الآية الكريمة يا نساء النبي لستن كأحد من النساء، وجملها:[١٢]
- يا: هو حرف من حروف النداء، وهي أداة لنداء البعيد حكمًا أو حقيقةً كما يمكن نداء القريب بها للتوكيد، وهي حرف تنبيه، وذلك في حال كان ما جاء بعدها لا يصلح كونه منادى كما في القول "يا رعاك الله".[٩]
- نساءَ: منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- النبيّ: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة على آخره.
- لستن: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرّك، والتاء: تاء الفاعل المتحركة ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم ليس، والنون: علامة جمع المؤنث، حرف لا محلّ له من الإعراب وهي حرف أو أداة، وهي أحد الأفعال الماضية الناقصة والتي تسمى أخوات كان، والتي تدخل على الجملة الأسميّة فترفع المبتدأ ويسمى اسمها، وتنصب الخبر ويُسمى خبرها، كما أنّ ليس تفيد النفي، وليس لها فعل مضارع أو أمر، كما يمكن أن تفيد الاستثناء في بعض الحالات.[١١]
- كأحدٍ: الكاف حرف جر، أحدٍ اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بخبر ليس المحذوف وهو اسمٌ جمعه آحاد: وأحد بالتنكير هو اسم لما يمكن مخاطبته، فيقال "ليس في لبيت أحد" كدليل على المفردة أو المفرد وما تفرّع عنهما.
- من النساء: من حرف جر ويفيد ابتداء الغاية المكانيّة أو الزمانيّة، كما يفيد التبعيض كالقول "منهم من أحسن ومنهم من أساء، النساء اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة أحد.
- جملة "يا نساء النبي": جملة استئنافية لا محلّ الله من الإعراب.
- جملة "لستن كأحد من النساء": جملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب.
الثمرات المستفادة من آية: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن
في ختام الحديث عن معنى الآية يا نساء النبي لستن كأحد من النساء، فمن الجدير ذكره أنّ الآية الكريمة حملت الكثير من الثمرات والتي لا بدّ للمسلم أن يستفيد منها[١٣]، ومن هذه الثمرات ما يأتي:[٧]
- وضّحت الآية الكريمة فضل ومكانة نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشرفهن، فهنّ أمهات المؤمنين وزوجات رسول الله خير الأنبياء والمرسلين، وليس كمثلهنَّ أحد من النساء أو الرجال أو أيّ أحد إطلاقًا.
- أمر الله تعالى نساء النبي بالتقوى وعدم الخضوع بالقول أمام الرجال الأجانب على الرغم من طهارة نساء الرسول الكريم وطهارة المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت، وذلك كلّه في سبيل صلاح المجتمع، ولم يكن الأمر الإلهي خاصًّا بزوجات رسول الله، بل هو معمم على كل نساء المسلمين، وذلك بالنهي عن مخاطبة الرجال بصوت فيه لين أو خضوع قد يثير شهوة الرجال ويقوم بتحريك غرائزهم فيطمع من كان في قلبهم مرض ويهيج فيه الرغبات ، ولا شكّ بأنَّ نساء النبي هنّ أهل الشرف والتقوى ولكن جاء هذا النهي للتنبيه على مزيد من التقوى فسيكون لنساء النبي عليه الصلاة والسلام دورٌ مهمّ في تبليغ تعاليم الشريعة الإسلامية بعد رسول الله حيث يقول الله عزّ وجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}.
- تعدّ هذه الآية الكريمة من إحدى الآيات التي خاطب الله تعالى فيها نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعبارات لطيفة ومناسبة في سبيل إرشادهنَّ لأمر أو نهيهنَّ عن أمر آخر، فبيّن أولًا مكانتهنَّ الرفيعة بين جميع الناس ثم نهاهنَّ عن فعل منكر لا يصح القيام به، وذلك تربية لهنَّ ولكل نساء المسلمين.
المراجع
- ↑ "سورة الأحزاب"، ar.wikipedia.org، 2020-06-30. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:32
- ↑ "سورة الأحزاب"، holyquran.net، 2020-06-30. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:32
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أم أيوب بنت قيس بن سعد ، الصفحة أو الرقم:1810، حديث حسن صحيح غريب.
- ↑ "تفسير القرطبي"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-30. بتصرّف.
- ^ أ ب "تفسير سورة الأحزاب"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-08-2020. بتصرّف.
- ↑ "تفسير الحاوي سورة الأحزاب"، www.al-eman.com، 2020-06-30. بتصرّف.
- ^ أ ب "تعريف و معنى نساء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-30. بتصرّف.
- ↑ "تعريف ومعنى نبي في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
- ^ أ ب "تعريف و معنى تقوى في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-07-01. بتصرّف.
- ↑ "إعراب آية يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن"، al-maktaba.org. بتصرّف.
- ↑ "توجيهات قرآنية لأمهات المؤمنين وللنساء المسلمات"، www.alukah.net، 2020-07-01، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.