معنى آية يسبحون الليل والنهار لا يفترون، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية يسبحون الليل والنهار لا يفترون، بالشرح التفصيلي

سورة الأنبياء

تُعدُ سورة الأنبياءِ من السُّورِ المكيَّةِ والتي يبلغ عددُ آياتِها مائة واثنا عشرَ آية، وهي في الجزءِ السابعِ عشر وترتيبها الحاديةُ والعشرون بين سُورِ المصحف، وسورةُ الأنبياء نزلت بعدَ سورةِ إبراهيم، وأمّا سببُ تسميةِ هذهِ السورة؛ هو أنها ذَّكرت العديد من أسماءِ الأنبياءِ والرُّسل، وبدأتِ السورةُ بفعلٍ ماضٍ،[١] حيثُ قالَ تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}،[٢] وتضمنت السورةُ مقاصدَ عديدةٍ منها الإنذار بالبعث وإقامةُ الحجةِ والدليل عليه والتحذير من التكذيب بالله تعالى وكتبِه ورُسلهِ، كما ذَّكرت الكثير من قصص الرُّسل وأخبارهِم وتعظيم القرآن وبيان شأنِهِ وشأن رسول الله، وتحذير العباد من الاغترارِ بالدنيا كما فعلت الأقوام السابقة فأخذهم الله تعالى على غفلةٍ، وإقامة الدلائل على وحدانية الله تعالى وتنزيهِهِ عن الشُركاء، وبيان مصير الخلائق جميعها وهو الفناء، وتذكيرِ الناس بنعم الله الكثيرة عليهم وأهمها نعمة حفظ الله والتأكيد على أن الرُّسل جميعهم جاؤوا بنفسِ الرسالةِ ونفسِ المضمون، والثناء على الله تبارك وتعالى وعلى عبادِهِ المؤمنين الصالحين.[٣]


معنى آية: يسبحون الليل والنهار لا يفترون، بالشرح التفصيلي

ومن الآياتِ التي جاءت في سورة الأنبياءِ والتي تحملُ العديد من المعاني التي تشحذُ همةَ المؤمن على عبادةِ الله وطاعتِهِ، وتبينُ قُدرة الله تبارك وتعالى وجلالِ شأنِهِ وعظيمِ سُلطانِهِ هي قول الله تبارك وتعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}،[٤] وسيأتي بيان معنى هذه الآية وتفسيرها كما ذكرَّهٌ علماءُ التفسير وهو على ما يأتي:[٥]

  • تفسير ابن كثير لقولهِ تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، أي أنهم دائبونَ في العمل في الليلِ والنهار، يُطيعونَ الله تعالى قصدًا وعملًا قادرون عليه، والمقصود بذلك هم الملائكة،[٦] وهذه الآية مرادفةٌ لقولِهِ تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}،[٧] أي أنّهم ملائكةٌ مُسخرين لطاعةِ الله تعالى، لا يعصونَ أمره، ولا يفعلون إلا ما يأمرهم به الله تعالى.
  • تفسير الطبري لقوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، أنَّ الله تعالى سخَّرَ ملائكةً يسبحونَ الله في الليل، ولا يفترونَ عن تسبيحِهِ في النهارِ، ولا يسأمون من عبادتِهِ ولا يستكبرون، وروي عن عبد الله بن عباس أنّهُ سألَ كعبًا عن هذه الآيةِ فقال: "هل يئودك طرفك؟ هل يَئُودك نَفَسُك؟ قال: لا قال: فإنهم ألهموا التسبيح كما ألهمتم الطَّرْف والنَّفَس"، ورويَ عن عبد الله بن الحارث أنه سألَ كعب عن قولِهِ تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}،"أما يشغلهم رسالة أو عمل؟ قال: يا بن أخي إنهم جُعل لهم التسبيح، كما جُعل لكم النفس، ألست تأكل وتشرب وتقوم وتقعد وتجيء وتذهب وأنت تنفَّس؟ قلت: بلى قال: فكذلك جُعل لهم التسبيح"، أيّ أنّ التسبيح عند الملائكةِ أمر في طبيعتهم، ومن خِلقتهم، فالتسبيحُ عندهم كما يأخذُ الإنسان النفس، أي أنّهُ أمرٌ لا بُدَّ منه وتقتضيه طبيعتهم وكما رويَ عن عبد الله بن عمر أنه قال: "إن الله خلق عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء الملائكة ، وجزءًا سائر الخلق، وجزأَ الملائكة عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وجزءا لرسالته، وجزأ الخلق عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء الجنّ، وجزءا سائر بني آدم، وجزأ بني آدم عشرة أجزاء، فحمل يأجوج ومأجوج تسعة أجزاء وجزءا سائر بني آدم".[٨]
  • تفسير السعدي لقوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، أيّ أنّ الملائكةَ المُسخرين مُستغرقينَ في عبادةِ الله تعالى وتسبيحِهِ في كُلِ أوقاتِهم، فلا يوجدُ لديهم وقتٌ يخلو من ذكرِ الله تعالى وتسبيحِهِ وذكره، وجميعُ الملائكةِ الذين سخرَّهم الله تعالى وبكثرتهم يمتلكونَ صفةَ تسبيحِ الله تعالى دون أن يملوا أو يفتروا عنها؛ وهذا يدلُ على عظمةِ الله تعالى وجلالةِ سُلطانِهِ، وكمالِ حكمتِهِ وعلمِهِ، فلا يُعبدُ إلّا إيّاه ولا مُستحقٌ للعبادةِ غير الله تباركَ وتعالى.
  • تفسير البغوي لقوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، أي لا يضعفون ولا يسأمون من تسبيحِ الله تعالى وذكره.
  • تفسير القرطبي لقوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، أيّ أنّ الملائكةَ يصلونَ ويذكرونَ الله تعالى وينزهونَهُ في جميعِ أوقاتِهم، من غيرٍ فتورٍ ولا ضعفٍ ولا سأمٍ أو ملل، فقد ألهمهم الله تعالى تسبيحَهُ وتقديسَهُ كما ألهمَ عبادَهُ النفس، والله تعالى هو المُستحقُ للعبادةِ والتنزيه وهو الجديرُ بالعبادة.
  • تفسير الطنطاوي لقوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، أي أنهم يحمدونَ الله تعالى ويكبرونَهُ ليلًا ونهارًا من غيرِ تراخٍ أو فتورٍ أو تقصيرٍ في ذلك، فتسبيحهم لله تعالى هو طبيعةٌ وسجيَّةٌ ويجري منهم مجرى النفس من البشر، وكما أنَّ انشغالِ البشر بالكلام لا يمنعهم من التنفس، فكذلك ذِّكر الملائكة لله تعالى وتسبيحِهم لهُ لا يمنعهم من سائرِ أعمالهم التي كلَّفهم الله تعالى بها.


معاني المفردات في آية: يسبحون الليل والنهار لا يفترون

ما هي معاني مفردات آية {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}؟ وبعدَ تفسير قول الله تباركَ وتعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، وذِّكر ما قالَهُ أشهر علماء التفسير، وبيانِ أن المقصود بهذه الآية هم الملائكة سيأتي بيان معاني المفردات في الآية الكريمةِ؛ وذلك ليزدادَ معنى الآيةِ وضوحًا وبيانًا وهي على ما يأتي:[٩]

  • يسبحون: من الفعلِ سبَّحَ أي أنَّهُ قال: سبحان الله ومعنى سَبَّحَ لله: أي عَظَّمَهُ وَمَجَّدَهُ وَنَزَّهَهُ.
  • الليل: وهو ما يَعقُب النهارَ من الظَّلام، وهو من مَغرِب الشمس إِلى طلوعها واللَّيْلُ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ من مَغرِبِ الشمس إلى طلوع الفجر والليلُ هو ما يقابل النَّهارَ.
  • النهار: وهو ضِيَاءُ ما بينَ طلوع الفجر إِلى غروب الشمس.
  • يفترون: والفتورُ هو السُكونُ بعد حدَّة ونشاط، والضعفُ والفتَور عن العمل يعني التقصّير، والتراخي.


إعراب آية: يسبحون الليل والنهار لا يفترون

ولبيانِ الإعجازِ البياني في القرآن الكريم والإحساس بجمال كتاب الله تعالى، والوقوف على ما فيهِ من بيانٍ وفصاحةٍ وجمالٍ لا بُدَّ من الوقوفِ على بيانِ الجانبِ اللُّغوي، فإنّ اللغةُ العربيةُ هي لُّغةُ القومِ الذينَ نزلَ القُرآنُ بلسانِهم، ومن هذهِ العلوم علمُ النحوِ والإعراب[١٠]، وسيأتي إعراب آية قول الله تباركَ وتعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، وهي كما يأتي:[١١]

  • يُسَبِّحُونَ: يُسبحُ فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعِهِ ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية استئنافية لا محل من الإعراب.
  • اللَّيْلَ: ظرف زمان منصوب وعلامة نصبِهِ الفتحة الظاهرة على آخرهِ، وهو متعلق بالفعل يسبحون.
  • وَالنَّهَارَ: الواو حرف عطف، النهار اسم معطوف، وهو ظرف زمان.
  • لَا: لا النافية.
  • يَفْتُرُونَ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعِهِ ثبوت النون، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل والجملة الفعلية في محل نصب حال لفاعل يسبحون.[١٢]


الثمرات المستفادة من آية: يسبحون الليل والنهار لا يفترون

لا تَمرُّ آيةٌ في كتاب ِالله تعالى من غيرِ ثمارٍ يجنيها القارئُ لآياتِ القرآن الكريم فينبغي على القارئ أن يتأمل في كتاب الله ويتدبر ما جاءَ فيه من بيانٍ وبلاغةٍ وإعجازٍ وفصاحة ويعرفَ أهميةَ ذلك، والقرآن الكريم هو النهجُ الذي ينبغي أن يتَّبِعَهُ المسلم ويُطبقَهُ في حياتِهِ، ويكونَ مرجعَهُ الأول في حياتِهِ كُلها ومن الآيات التي تحملُ عدةَ ثمارٍ يجنيها القارئُ في كتاب الله تعالى هي قول الله تبارك وتعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} ومن الثمراتِ المستفادة من هذهِ الآيةِ ما يأتي:

  • جميع الخلائق في السماواتِ والأرض هم عبيدٌ عند الله تعالى.
  • اتخاذ الله تعالى للملائكةِ الذين يُسبحونَّهُ ليل نهار بلا مللٍ أو فتورٍ أو تراخٍ عن ذلك، فيهِ دلالةٌ على قُدرةِ الله تعالى وعَظَمتِهِ، وجلالةِ سُلطانِهِ، وعلى كمالِ حكمةِ الله وعلمِهِ، فلا يُعبدُ إلا إياه ولا مُستحقٌ للعبادةِ غير الله تباركَ وتعالى.
  • لله تعالى في سماءهِ ملائكةٌ لا يعلمُ عددهم إلا هو مُسخرين بأمرِهِ لعبادتِهِ وتسبيحِهِ وتنزيهِهِ، متفرغين لطاعةِ الله تعالى وعبادتِهِ يطيعونَ أمر الله ولا يعصونهَ أبدًا ولا يملون من تقديسهم إياه ولا يفترون أو يسأمون عن هذه العبادةِ فتسبيح الله عندهم كأخذِ النَّفس عند البشر، وهم مستمرون في عبادتِهِ وتقديسِهِ على الدوام.
  • في الآيةِ إشارةٌ إلى أهميةِ ذكرِ الله تعالى، وأهميةِ التسبيح والتقديس لله؛ فهي عبادةٌ يُحبها الله تعالى وسخَّرَ من أجلها ملائكةً تُسبحهُ ليلَ نهار، وقد بيَّنَ الله تعالى في عديد من آياتِهِ أن جميع المخلوقات من ملائكةٍ وإنسٍ وجن والطيور والوحوش وجميع ما على الأرض يسبحون الله تعالى وإن كانَ البشر لا يفقهون تسبيحهم إلّا أنّ هذه إشارةٌ إلى أهميةِ التسبيح فكل ما في الكون يسبحَ الله تعالى فالتسبيح شرفٌ عظيمٌ وخيرٌ كثير وأُجورٌ كبيرةٌ، فيجب على المؤمن الإكثار من تسبيح الله تعالى في جميعِ أوقاتِهِ.

المراجع

  1. "سورة الأنبياء"، ar.wikipedia.org، 2020-06-09. بتصرّف.
  2. سورة الأنبياء، آية:1
  3. "مقاصد سورة الأنبياء"، www.islamweb.net، 2020-06-09. بتصرّف.
  4. سورة الأنبياء، آية:20
  5. "يُسَبِّحُونَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (الأنبياء - 20)"، www.quran7m.com، 2020-06-09. بتصرّف.
  6. "يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-09. بتصرّف.
  7. سورة التحريم، آية:6
  8. "يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-09. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى يفترون في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، 2020-06-09. بتصرّف.
  10. "أهمية علم النحو في فهم القرآن"، www.alukah.net، 2020-06-09. بتصرّف.
  11. "إعراب القرآن : يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ"، www.quran7m.com، 2020-06-09. بتصرّف.
  12. ".إعراب الآيات (19- 20)"، www.al-eman.com، 2020-06-09. بتصرّف.
3819 مشاهدة
للأعلى للسفل
×