محتويات
معنى آية: أمن يجيب المضطر إذا دعاه، بالشرح التفصيلي
من أعظمِ آيات الرجاء، والتي تُعدُ مظهرًا من مظاهر اللجوء لله تعالى، هي قول الله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}،[١] فيُنبه الله تعالى في الآية إلى أنّهُ هو المدعو عندَ وجودِ الشدائد، وهو من يُرجى عند النوازل، أي أنَّهُ هو الملجأ للمُظطرين، وكاشفُ الضُر عمن وقعَ به الأذى والضرر، حيثُ قالَ تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}.[٢]
قال الإمام أحمد أنَّهُ رويَ عن رجل من بلهجيم قال: "يا رسولَ اللَّهِ إلامَ تدعو قالَ أدعو إلى اللَّهِ وحدَهُ الَّذي إن مسَّكَ ضرٌّ فدعوتَهُ كشفَ عنكَ والَّذي إن ضللتَ بأرضٍ قفرٍ دعوتَهُ ردَّ عليكَ والَّذي إن أصابتْكَ سَنةٌ فدعوتَهُ أنبتَ عليكَ قالَ قلتُ فأوصِني قالَ لا تسبَّنَّ أحدًا ولا تزهدنَّ في المعروفِ ولو أن تلقى أخاكَ وأنتَ منبسِطٌ إليهِ وجهكَ ولو أن تُفرِغَ من دلوِكَ في إناءِ المستسقي وائتزِر إلى نصفِ السَّاقِ فإن أبيتَ فإلى الكعبينِ وإيَّاكَ وإسبالَ الإزارِ فإنَّ إسبالَ الإزارِ منَ المخْيَلةِ وإنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لا يحبُّ المخْيَلةَ"[٣].
وقد ذكرَ المفسرون العديد من القصص، التي تُظهر عظِمَ هذهِ الآية، ومنها ما ذكرَهُ الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل فقيل "أن هذا الرجل كنت أكاري على بغلٍ لي من دمشقَ إلى بلدِ الزبداني ، فركِبَ معي ذات مرة رجل ، فمررنا على بعضِ الطريق ، على طريق غير مسلوكةٍ ، فقال لي: خذ في هذه ، فإنها أقرب، فقلت: لا خبرة لي فيها، فقال: بل هي أقرب، فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعرٍ ووادٍ عميقٍ، وفيه قتلى كثير، فقال لي: أمسك رأس البغل حتى أنزل فنزل وتشمر، وجمع عليه ثيابه، وسل سكينا معه وقصدني.[٤]
ففررت من بين يديه وتبعني، فناشدته الله وقلت: خذ البغل بما عليه، فقال: هو لي، وإنما أريد قتلك فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل، فاستسلمت بين يديه وقلت: إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين ؟ فقال: صَلِّ وعجل، فقمت أصلي فأرتج علي القرآن فلم يحضُرني منه حرف واحد، فبقيت واقفا متحيرًا وهو يقول: هيه، افرغ فأجرى الله على لساني قوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}، فإذا أنا بفارسٍ قد أقبل من فم الوادي ، وبيده حربة ، فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده، فخر صريعًا، فتعلقت بالفارس وقلت: بالله من أنت؟ فقال: أنا رسول من الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالمًا" فالله تعالى في الآية يخاطب عبادهُ في الآية، ويظهر قُدرتهَ على إجابةِ دعاءِ عبادِهِ، وهو المتفردُ بذلك.[٤]
وذكرَ المفسرون في قوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}، أن المضطّر هو ذو الضرورة المجهود، وقيل أنّهُ الذي لا حول له ولا قوة، وقيل هو الذي قطع العلائق عما دون الله، وقيل هو المفلس، وهو الذي إذا رفع يديه إلى الله داعيًا لم يكن له وسيلة من طاعةٍ قدمها، وقيل أن رجلًا جاءَ إلى مالك بن دينار فقال: "أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر; قال: إذا فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه".[٥]
وقد تعهدَ تعالى بإجابة المضطر إذا دعاه، وأبلغ عبادَهُ بذلك، فالضرورةُ إلى الله واللجوء إليه لا يأتي إلا من إخلاصٍ من العبدِ وقطع القلب عن غيرِ الله تعالى، والمضطر قد يكون مظلومًا، وقد حذّر رسول الله من دعوة المظلوم، فليسَ بينها وبين الله حجاب، وهناك صورٌ عديدةٌ لدعوةِ المضطر. [٥]
والخلاصةُ أن الآية تنبهُ العباد، وتُعلمهم اللجوء لله تعالى، فهو وحدهُ القادر على إجابةِ الدُعاء، وكشفِ الضُر، وإبعاد الأذى، وهو الذي يبقى ناصرًا للعبد، حتى لو تركَهُ كُل الناس، وهو القادر على إخراجِهِ من جوفِ الخطر، وهو القوي القادرُ على إبعادِ كل ما يؤذيه.[٥]
معاني المفردات في آية: أمن يجيب المضطر إذا دعاه
من أبرزِ المفردات التي وردت في الآيةِ الكريمةِ وتحتاجُ إلى بيان في قوله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه}، ما يأتي:[٦]
- يجيبُ: أجاب سؤالَه، أجاب على سؤاله، وردّ عليه وأفاده عمّا سأل، أجَابَ دَعَوْةَ الدَّاعي: قَضَى، لَبَّى الدَّعوةَ حَتَّى لاَنَ وَأجَابَ الدَّعْوَةَ.
- مُضطرّ: وهي في الآية الكريمةِ اسم فاعل، ومُضطرّ: فاعل من إِضطَرَّ، ومعنى اضْطَرَّهُ إِليه: أي أَحْوَجَهُ وأَلْجَأَهُ عند الاضطرار، وفي حالات الاضطرار: عند الضرورة القصوى ، أو في حالاتِ الضرورةِ الشديدة، ومُضطَرّ: مُكْرَهٌ، اضطَرَّه إلى الانسحاب أحوجه وألجأه إليه وأرغمه عليه، اضطرَّ الشَّخصُ إلى الاعتراف: أُلجئَ إليه وأُكره عليه، ومنها قول الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}[٧]
- دعاه: ساقَهُ، ودَعَاهُ لِلْحُضُورِ عَاجِلاً: أي فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ، دعاه إلى الأمر:ساقَه إليه.
إعراب آية: أمن يجيب المضطر إذا دعاه
وهو على النحو الآتي:[٨]
- أم: حرف إضراب بمعنى بل.
- من: اسم موصول مبتدأ خبره محذوف والجملة مستأنفة لا محل لها.
- يُجِيبُ: مضارع فاعله مستتر.
- الْمُضْطَرَّ: مفعول به والجملة صلة.
- إِذا: ظرف زمان.
- دَعاهُ: فعل ماضٍ ومفعوله الهاء والفاعل مستتر والجملة في محل جر بالإضافة.
- وَيَكْشِفُ: الواو حرف عطف ومضارع فاعله مستتر.
- السُّوءَ: مفعول به والجملة معطوفة على ما قبلها.
- وَيَجْعَلُكُمْ: الواو حرف عطف ومضارع ومفعوله الأول والفاعل مستتر.
- خُلَفاءَ: مفعوله الثاني مضاف إلى الأرض.
- أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ: أَإِلهٌ الهمزة حرف استفهام توبيخي ومبتدأ، مَعَ ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، اللَّهِ لفظ الجلالة مضاف إليه والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها.
- قَلِيلًا: نائب مفعول مطلق لفعل محذوف.
- ما تَذَكَّرُونَ: ما زائدة والفعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة تعليلية لا محل لها من الإعراب.[٩]
الثمرات المستفادة من آية: أمن يجيب المضطر إذا دعاه
في الآية الكريمةِ عدةُ ثمراتٍ ينبغي أن لا يغفل عنها المسلم، ومنها ما يأتي:[١٠]
- اليقين والإخلاص عند الدعاء لله تعالى، من أهم أسباب الاستجابة.
- للدعاء بركةٌ خصَّ بها الله عباده، فالدعاء هو الصِلة ما بينَ العبدِ وربِهِ.
- كل ما يُصيب الإنسان هو مما قدرَّهُ الله عليه.
- الله تعالى واحدٌ لا إله غيرهُ، ولا ربَّ سواه.
- للمضطر دعوةٌ مستجابةٌ عند الله تعالى.
- الإنسان يعرفُ الله تعالى بالفطرة.
- ليس للمضطر من أحدٌ يدعوه سوى الله تعالى، وجاء التقييد في الآية {إذا دعاه}، وفي حالِ لم يدعوه فأمرُه إلى الله فقد يرفع عنه ما أصابَهُ وقد لا يرفعه.
- خلفاء الله في الأرض هم من صَلُحَ من عبادِهِ.
- لا تصحُ الاستغاثةُ ولا السؤال لغير الله تعالى.
- كشف السوء، وإجابة المضطر، وجعل بعض من خصَّهم الله تعالى خلفاء في الأرض، هذا كُله لايملكه إلا الله تعالى.
- في الآية عدة دلائل على وجوب عبادة الله تعالى، منها أنه يجيب المضطر ويكشف السوء ويجعل الناس خُلفاء لبعضهم.
المراجع
- ↑ سورة النمل، آية:62
- ↑ سورة الإسراء، آية:67
- ↑ رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن رجل من بلهجيم، الصفحة أو الرقم:1520، حديث صحيح.
- ^ أ ب "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-04. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "تفسير ابن كثير"، islamweb.net، 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى مضطر في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، 2020-06-07. بتصرّف.
- ↑ سورة القرة، آية: 173.
- ↑ ".إعراب الآية (62)"، www.al-eman.com، 2020-06-07. بتصرّف.
- ↑ "إعراب الآية (62)"، www.al-eman.com، 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "أمن يجيب المضطر إذا دعاه "، www.alukah.net، 2020-06-05. بتصرّف.