محتويات
أسماء الله الحسنى
شرف العلم متعلّق بشرف المعلوم فأعظم العلوم وأشرفها هو العلم بالله وبأسماءه وصفاته وما له -سبحانه وتعالى- من صفات الجلال ونعوت الكمال وهذا الباب يعدّ من أهمّ أبواب الإعتقاد لما فيه من أثر عظيم في سلوك العبد وعبادته لربه تعالى وأهل السنة والجماعة على ما قرّره علماء العقيدة في كتبهم يؤمنون في هذا الباب بإثبات لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته النبويّة من غير تحريف ولا تكييف ومن غير تمثيل ولا تعطيل، بل يؤمنون بجميع النصوص الشرعية الموجودة في الكتاب والسنة لا يتجاوزون في ذلك القرآن والحديث على نهج قول الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[١] فكلّ اسم من أسماء الله تعالى الحسنى يدل على الصفة وعلى لازم هذه الصفة، فمثلاً اسم الله الرحمن يدلّ على ذات الله واسمه، وعلى صفته؛ وهي الرحمة وعلى لازمها؛ وهي الحياة والقوة والعلم وعلى هذا النهج يؤمن أهل السنة.[٢]
معنى اسم الله الرزّاق
وقد ورد اسم الله الرّزّاق في موضع واحد من القرآن الكريم، وهو قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[٣] وورد بصيغة الجمع في مواضع مثل قول الله -تبارك وتعالى: {وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}،[٤] فالله تعالى هو الرّزّاق أي: المتكفّل بأرزاق العباد، القائم على كلّ نفس بما يقيمها من قوّتها، حيث قال الله تعالى: {وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ إِلّا عَلَى رزقها}[٥] ويقول تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّـهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}،[٦] ورزق الله للعباد نوعان:[٧]
رزق عام:
ويشمل هذا الرزق البرّ والفاجر والمؤمن والكافر والأوّلين والآخرين، وهو رزق الأبدان وهو المذكور في قول الله عزّ وجلّ: {وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ إِلّا عَلَى اللَّـهِ رِزقُها}[٨] وعلى هذا؛ فليس كثرة هذا الرزق في الدّنيا دليلًا على كرامة العبد عند ربّه، كما أنّ قلّته ليست دليلًا على هوانه.
حيث قال الله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا}[٩] أي: ليس كلّ من نعّمته في الدنيا فهو كريم علي، وليس كلّ من ضيّقت عليه رزقه فهو مهان لديّ، إنما الغنى والفقر والسّعة والضيق ابتلاًء من الله وامتحان، ليعلم الشّاكر من الكافر والصابر من الجازع.
رزق خاص:
وهو رزق القلوب وتغذيتها بالعلم والإيمان والرّزق الحلال المبارك الذي يعين على صلاح الدّين والدنيا وهذا خاص بالمؤمنين على اختلاف مراتبهم بحسب ما تقتضيه حكمته ورحمته، ويتمّم الله تعالى لهم هذا الرزق بإدخالهم يوم القيامة جنّات النعيم، حيث قال الله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّـهُ لَهُ رِزْقًا}.[١٠]
وتنوّع الأرزاق وكثرة فنونها لا يحصيها وصف الواصفين ولا تحيط بها عبارات المعبّرين، وقد سمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يصل إلى العبد من غيره من المال رزقًا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ فَلْيَقْبَلْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ".[١١]
ويقول ابن تيميّة رحمه الله: " لفظ الرّزق يطلق يُرَادُ بِهِ معنيان: مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَبْدِ وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ كَقَوْلِهِ: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ}،[١٢] وَيُرَادُ بِهِ مَا يَتَغَذَّى بِهِ الْعَبْدُ كقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[١٣][١٤]
الشواهد الدينية على اسم الله الرزّاق
ورد اسم الرّزّاق في القرآن في موضع واحد وهو في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[١٥] وبصيغة الجمع الرّازق في عدة مواضع كقول الله تعالى: {وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}،[١٦] وما أخرجه ابن حبّان من حديث أني بن مالك رضي الله عنه: "قال: غلا السِّعرُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالوا: يا رسولَ اللهِ غلا السِّعرُ فسعِّرْ لنا سعرًا، فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللهَ هو الخالقُ القابضُ الباسطُ الرَّازقُ وإنِّي لَأرجو ألَّا ألقى اللهَ بمظلمةٍ ظلَمْتُها أحدًا منكم في أهلٍ ولا مالٍ"،[١٧] وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُود -رضي الله عنه- قَالَ: "أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ".[١٨][١٩]
ثمرات معرفة معنى اسم الله الرزّاق
التفقّه في أسماء الله وصفاته أعظم ما يعين العبد على تحقيق التوحيد وبه يدرك المسلم سعادة الدارين، ففي حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: "مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وإنَّما أنا قاسِمٌ واللَّهُ يُعْطِي، ولَنْ تَزالَ هذِه الأُمَّةُ قائِمَةً علَى أمْرِ اللَّهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خالَفَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللَّهِ"،[٢٠] وأفضل الفقه هو فقه أسماء الله الحسنى؛ لما يترتب من آثار على العبد في سلوكه في عبادة ربه -تبارك وتعالى- ومن هذه الآثار المترتبة على معرفة اسم الله الرّزّاق:[٢١]
- تحقيق التوكل على الله تعالى؛ بأن يزداد المسلم ثقةً ويقينًا بربه فلا يتوكل إلا عليه ولا يتحقق التوكل على الله بدون أخذ الأسباب الشرعيّة والحسيّة المشروعة، فالتوكل على الله تعالى لا بدّ له من ركنين أساسيين: صدق الاعتماد على الله بتوحيد القلب لله تعالى وحده، وقطع الوسائط والأسباب التي تكون لسوى الله عزّ وجلّ، والثاني بأخذ السبب المشروع له.
- ترسيخ وحدانية الله باسمه الرزّاق.
- الدعاء باسم الله الرزاق، كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم اللهم اغفر لى إن شئت، وارحمنى إن شئت وارزقنى إن شئت، ليعزم مسألته إنه يفعل مايشاء لا مكره له"[٢٢]
المراجع
- ↑ سورة الشورى، آية:11
- ↑ "أسماء الله الحسنى"، ar.wikipedia.org، 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ سورة الذاريات، آية:58
- ↑ سورة الجمعة، آية:11
- ↑ سورة هود، آية:6
- ↑ سورة العنكبوت، آية:60
- ↑ "أنواع الرزق وكيفية الحصول عليه"، www.islamweb.net، 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية:6
- ↑ سورة الفجر، آية:15-17
- ↑ سورة الطلاق، آية:11
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7921، صحيح لغيره.
- ↑ سورة المنافقون، آية:10
- ↑ سورة هود، آية:6
- ↑ "كل ما يصل إلينا من خير ونعمة هو من رزق الله ، سواء اكتسبناه بأيدينا أو جاد به غيرنا علينا ."، islamqa.info، 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ سورة الذاريات، آية:58
- ↑ سورة الجمعة، آية:11
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1800، صحيح.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد بن مسعود، الصفحة أو الرقم:3993، صالح.
- ↑ "معنى اسم الله الرّزّاق"، www.alukah.net، 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن معاوية بن أبي سفيان، الصفحة أو الرقم:71، صحيح.
- ↑ "اسم الله الرزاق الرازق"، kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج شرح السنة، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1391، إسناده صحيح.