محتويات
سورة البقرة
إنَّ سورة البقرة هي السورة الثانية من سور القرآن الكريم من حيث ترتيب المصحف الشريف، وتعدُّ أطول سورة منه حيث يبلغ عدد آياتها مئتنان وستة وثمانون آية، ويرجع سبب تسميتها بهذا الاسم إلى ذكر قصة البقرة وبني إسرائيل في عهد نبيِّ الله موسى -عليه السلام- وقد ورد في فضلها الكثير من الأحاديث،[١] ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ"،[٢] وقد وردت في سورة البقرة آية كريمة وهي قول الله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}،[٣] سيتم تخصيص هذا المقال لبيان معناها وإعرابها واستنباط الثمرات المستفادة منها.
معنى آية: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة، بالشرح التفصيلي
إنَّ موضوع الآية في قول الله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}،[٣] هو دين الله -عزَّ وجلَّ- وفطرته التي فطر النَّاس عليها، فيقول: أنَّ الدين الإسلامي الذي آمن به المسلمون واتَّبعوه هو دين الله -عزَّ وجلَّ- وفطرته التي فطر النَّاس عليها وشرح صدورهم لها، لذلك يا أيُّها الناس الزموا هذا الدين واستقيموا عليه حيث لا أحسن ولا أفضل مما رضيه الله -عزَّ وجلَّ- لكم وأرشدكم إليه، وفي الآية إشارة إلى أنَّ ما يقوم به النصارى من تغميس أولادهم بالماء الأصفر لمدة سبعة أيام على اعتبار أنَّ هذا الماء يقوم بتطهيره وهو عندهم مكان الختان عند المسلمين يعدُّ باطلًا ولا ينتمي إلى الإسلام بشيءٍ، أمَّا عن مناسبة تسمية دين الله بالصبغة وذلك لأنَّ دين الله يظهر أثره على المتدين كما يظهر لون الصبغة على الثوب وقيل لأنَّ المتدين يلزم شرع الله كما يلزم الصبغ الثوب،[٤] وهذا التفسير الإجمالي للآية هو ما تمَّ التوصل إلى من خلال قراءة عددٍ من التفاسير، ولا بأس في هذا المقام من ذكر قول العلماء في تفسير الآية الكريمة كلٌّ على حدة، وفيما يأتي ذلك:
- البغوي: أنَّ دين الله -عزَّ وجلَّ- هو الإسلام وما جاء به من الختان هو ما يُوافق فطرة الله، وليس ما يقوم به النَّصارى من المعمودية وهي تغميس أولادهم لسبعة أيامٍ في الماء الأصفر ظنَّا منهم أنَّ هذا الماء يطهِّر أولادهم كما يطهِّر الختان أولاد المسلمين، وفي ذلك نصبٌ على الإغراء، بمعنى إلزموا دين الله.[٥]
- الطبري: أنَّ صبغة الله -عزَّ وجل- الإسلام، وليس ما يقوم اليهود والنصارى بصبغ أولادهم عليه، واعلموا أنَّ لا صبغة أفضل وأحسن من الإسلام؛ الدين الذي بعث به جميع أنبيائه ورسله، وبهذا يكون المسلمون متَّبعون ملة الخاضعين لله والمستكينين له من الأنبياء والرسل غير مستكبرين عن ذلك كما استكبر اليهود والنَّصارى عن اتِّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.[٦]
معاني المفرادات في آية: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة
إنَّه لمن المهم والضروري عند تفسير آيةٍ من آياتِ القرآن الكريم أن يتمَّ التطرق إلى بيان معاني مفرداتها، وذلك لأنَّ القرآن الكريم نزل بلسانٍ عربي مبين، حيث قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}،[٧] كما أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أنزل هذا الكتاب ليعمل المسلمون بما جاء فيه، وحيث إنَّ الإنسان لا بدَّ أن يفهم الكتاب ليستطيع العمل بما جاء فيه، فكان لا بدَّ من العلم والمعرفة باللغة التي كُتب بها،[٨] ومن هذا المنطلق لا بدَّ من ذكر معاني مفردات قول الله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}، وفيما يأتي ذلك:
- صبغة: إنَّ كلمة صبغة في اللغة العربي تأتي بعدة معاني، لكن المعنى المقصود في قول الله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}، هو الفطرة التي خلق الله النَّاس عليها، أي دينه وشرعه.[٩]
- الله: هو علمٌ على الذات العليا، والواجبة الوجود، والذات التي تجمع جميع صفات الألوهية، ويعدُّ هذا الاسم أول أسماء الله عزَّ وجلَّ، ولا بدَّ من الإشارة في هذا المقام من عدم جواز تسمية غير الله بهذا الاسم.[١٠]
- أحسن: هو اسم تفضيلٍ من الحسن، وجاء في الآية السابقة المذكورة بمعنى الأفضل.[١١]
- عابدون: إنَّ كلمة عابدون هي جمع كلمة عابد والعابد هو من عبد الله -عزَّ وجلّ- وحده وأطاعه وانقاد له وخضع وذلَّ له، وقام بأداء ما عليه من فرائض.[١٢]
إعراب آية: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة
إنَّ علم النحو والإعراب يعمل على حفظ القرآن الكريم من التحريف وصيانته عن الخطأ واللحن، كما أنَّ له كبير الأثر في توضيح المعنى المراد من الآية، إذ إنَّ اختلاف الحركة الإعرابية يعمل على تغيير معنى الكلمة،[١٣] بالإضافة إلى أنَّه السبيل إلى تذَّوق جمال القرآن الكريم وحلاوته، وعلى ذلك يُمكن القول أنَّ علم النحو والإعراب من العلوم المهمة في تفسير القرآن الكريم وفهمه وأنَّ من شروط المفسِّر أن يكون عالمًا به متمكنًا منه، ولا بدَّ أيضًا أن يقوم الكاتب عند بيان معنى الآيات بالتطرق إلى إعرابها،[١٤] ومن هذا الباب سيتم بيان إعراب قول الله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}، وفيما يأتي ذلك:[١٥]
- صبغة: مفعول مطلق لفعلٍ محذوف، منصوب وعلامه نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
- الله: لفظ الجلالة، مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
- ومن: الواو هنا للاعتراض أمَّا كلمة من فهي اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
- أحسن: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- من الله: من حرف جر، الله لفظ الجلالة، اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلِّقان باسم التفضيل أحسن.
- صبغة: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- ونحن: الواو واو العطف، أمَّا نحن مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- له: جار ومجرور متعلقان بكلمة عابدون.
- عابدون: خبر مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنَّه جمع مذكر سالم.
الثمرات المستفادة من آية: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة
إنَّ المسلم مأمورٌ بقراءة القرآن الكريم وتدبره، حيث قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}،[١٦] والله -عزَّ وجلَّ- لا يأمر المسلم إلا بما فيه خيرٌ عظيم له، ويظهر أهمية التدبر في القدرة على استنباط معانٍ جديدة من النص القرآني مما يؤدي إلى استخراج حلولٍ للأمور المستجدة في كلِّ العصور والأزمنة، مما يؤكد على أنَّ الدين الإسلامي دينٌ صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكان، ولهذا السبب وحيث إنَّ القرآن الكريم سببٌ في رفعة الأقوام وهذا لا يكون إلا بفهمه وتطبيقه وحسن تدبِّره،[١٧] سيتم تخصيص هذه الفقرة لتدبر قول الله تعالى في سورة البقرة: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}، واستنباط بعض الثمرات المستفادة منها، وفيما يأتي بيان وتوضيح ذلك:[٤]
- إنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح المقبول عند الله -عزَّ وجلّ- وما عداه فهو باطل.
- إنّ على المسلم أن يتمسَّك بدين الله -عزَّ وجلَّ- وشرعه وملته، وأن يعتزَّ بهما خير اعتزاز.
- إنّ الختان من الفطرة، التي فطر الله عليها خلقه، وعلى ذلك لا بدَّ للمسلم ألَّا يترك الختان.
- إنَّ ما يقوم به النصارى من تعميد أبنائهم وتغميسهم في الماء الأصفر لسبعة أيام يعدُّ أمرًا باطلًا، وليس من الدين في شيء.
- إنَّ ملة الإسلام هي الملة الموافقة لملة نبيِّ الله إبراهيم عليه السلام، وغيره من الأنبياء، وأنَّ المسلمون هم أتباع إبراهيم الحقيقيون، وليس اليهود والنصارى.
- إنَّ ضرر الكِبر والحسد ضررٌ كبير، حيث إنَّ الاستكبار والحسد قد يوديان بالمرء إلى التهلكة والكفر.
- إنَّ عدم الإيمان بجميع الأنبياء، وإن كان نبيًا واحدًا يودي بصاحبه إلى التهلكة والكفر.
- إنّ على المرء أن يُظهر أثر الإسلام والتديِّن وذلك من خلال أفعاله وأقواله ولباسه.
- إن على المسلم ألا يقوم بتقليد غير المسلمين، حيث أنَّ كثيرًا من أعمالهم تعدُّ مخالفةً لدينه، بالإضافة إلى أنَّ الإسلام أعطى للمسلمين البديل الأفضل الذي ينفعهم.
المراجع
- ↑ "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:804، حديث صحيح .
- ^ أ ب سورة البقرة، آية:138
- ^ أ ب "تفسير قوله تعالى (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة..)"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تفسير: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة الشعراء، آية:192-195
- ↑ "كيف نفهم القرآن الكريم؟"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى صبغة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الله في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أحسن في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى عابدون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "أثر اختلاف الإعراب في تفسير القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "أهمية علم النحو في فهم القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ ".إعراب الآية (138):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:82
- ↑ "أهمية التدبر في القرآن العظيم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.