معنى حديث احفظ الله يحفظك

كتابة:
معنى حديث احفظ الله يحفظك

عبد الله بن عباس

هو الصحابي ابن الصحابي، والإمام الشّريف النسب، وابن عمّ رسول الله عليه الصلاة والسلام، اسمه عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، حَبرُ الأمّة وترجمان القرآن، كنيته أبو العبّاس، ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات أثناء حصار المسلمين في شِعَب أبي طالب، فهو من صغار الصحابة،[١] هاجر مع أبيه العبّاس -رضي الله عنهما- إلى المدينة المنورة قبل فتح مكة بقليل، فلمّا كانا بالجحفة لقيا النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في طريقه لفتح مكة، فانضما إلى جيشه وشاركا في الفتح، وشهد بعدها ابن عباس غزوتي حُنين والطائف،[٢] وكان من علماء الصحابة على حداثة سنّه، وكان يفسّر القرآن بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، فكان الصحابة يسمّونه الحَبْر والبَحْر كذلك،[٣] وربما كان سبب ذلك دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام- له بأن يعلّمه الله ويفقهه في الدين، وفيما يأتي يقف المقال مع حديث "احفظ الله يحفظك"[٤] الذي قد رواه ابن عباس.[٥]


معنى حديث: احفظ الله يحفظك

لقد روى ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أحاديث كثيرة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من بينها الحديث الذي أخرجه الإمام الترمذي، ويقول فيه ابن عبّاس رضي الله عنهما: "كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا قال: يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ".[٤]


والواقف مع هذا الحديث الناظر إليه بإنعام يرى أنّ الحديث يمكن تقسيمه عند تفسيره إلى عدّة فِقرات بحسب ما يحويه من توجيهات وإرشادات ونصائح موجّهة لابن عبّاس -رضي الله عنهما- وللأمّة كافّة من ورائه، فإنّ في الحديث تربية إيمانيّة يحثُّ النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- ابنَ عبّاسٍ عليها، فالمجتمع الحضاريّ القويّ المتماسك الذي خرج به الإسلام إلى العالم أجمع كان أساسه تربيةً من أعظم المعلّمين لجيل انقاد لإرادة الله -تعالى- وسار معها إلى آخر حد.[٦]


ففي حديث "احفظ الله يحفظك" يرى المرء وصيّة جامعة مانعة يقول فيها عليه الصلاة والسلام: "احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك"، والقصد هنا بأن يلتزم المرء بمراعاة حقوق الله -تعالى- والوقوف عند حدوده واجتناب مناهيه، فإذا كان من المؤمن التزامٌ بأوامر الله -تعالى- فإنّ الله سيحفظه كما حفظ هو حدود الله ولم ينتهكها، وما يقوّي هذا الوجه هو قول الله -تعالى- في سورة البقرة: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}،[٧] وقوله كذلك في نفس السورة: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}،[٨][٦]


ويمكن القول إنّ هذا الحفظ على نوعين: الأوّل هو الحفظ في النفس والمال؛ وذلك بأن يوكّل الله -تعالى- بعبده من يحفظه من الملائكة، وفي ذلك يقول تعالى في سورة الرعد: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ}،[٩] أي يحفظونه بأمر الله، وهذا الحفظ يمتدّ إلى ذريّته من ورائه، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الكهف عن الغلامين اللَّذَين في المدينة: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}،[١٠] والنوع الثاني من الحفظ هو الحفظ من الفتن والشهوات كما حُفظ يوسف بن يعقوب -عليه السلام- من الوقوع في الفتنة مع امرأة العزيز ونسوة المدينة،[٦] وقوله "احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك" يعني يدلّك على الخير ويهديك إليه، والله أعلم.[١١]


ثمّ يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ"؛ أي: فإذا أرد المخلوق أن يسأل فلا ينبغي له أن يسأل سوى الله تعالى، فلا يلتفت إلى البشر فأمرهم كلّه بيد الله تعالى، فهو المُعطي وهو المانع، فإذا أراد أن يمنحهم فبأمره، وإن أراد أن يمنع فبإذنه، وإن حصل لعبدٍ خيرٌ من عبدٍ آخر فعليه أن يعلم أنّ الخير قد ساقه الله إليه، وأنّ ذلك العبد هو مجرّد سببٍ من أسباب الرزق التي قد قدّرها الله تعالى، وكذلك إذا استعان العبد -أي طلب المعونة- فعليه أن يستعين بالله وحده؛ فهو القادر على كلّ شيء، وغيره عاجزٌ عن كلّ شيء.[١٢]


وقديمًا كتب الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز إلى بعضهم: "لا تستعن بغيره تعالى يكلك الله إليه"،[١٢] ثمّ يقول عليه الصلاة والسلام: "واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك"، وفي هذا الجزء من الحديث يكمنٌ أصلٌ عظيمٌ من أصول العقيدة الإسلاميّة، وهو أنّ النّفع والضّرر هو بيد الله تعالى، وليس لمخلوق أن يملك لمخلوق مثله ضرًّا ولا نفعًا ولو استعان بأمم البشر قاطبةً، فلذلك ينبغي للمؤمن أن يقرّ ويؤمن ويسلّم بهذه الحقيقة، وأن يكِلَ أمره كلّه لله تعالى.[١٣]


ويقول أخيرًا عليه الصلاة والسلام: "رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ"، وهذا تذييل يُجمل ما تقدّم في الحديث، وهو أنّ المقادير كلّها قد كُتبَت في علم الغيب منذ أمدٍ بعيد، ويؤيّد ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم الذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ"،[١٤] وقد خلق الله -تعالى- أوّل ما خلق القلم كما في حديث عبادة بن الصامت الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: "أولُ ما خلق اللهُ القلَمَ، فقال: اكتُبْ، قال: وما أكتُبُ يا ربِّ، قال: اكتُبْ القدَرَ، قال: فجرى القَلَمُ في تلْكَ الساعَةِ بِما كانَ وبما هو كائِنٌ إلى الأبَدِ"،[١٥] فالأقدار قد كُتِبَت منذ أمدٍ بعيد، ولذلك فالضرر والنفع هو بيد الله -تعالى- لا بيد المخلوق، وكلّ ما سيجري مع الإنسان هو من تقدير الله -تعالى- له، فليتّقِ الله ولا يتّكل على غيره، والله أعلم.[١٣]


معاني المفردات في حديث: احفظ الله يحفظك

بعد الوقوف بشيءٍ من التفصيل مع شرح الحديث النبوي الذي يرويه عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنهما- الذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "احفظ الله يحفظك"، ففي ذلك -ربّما- يكون زيادة في وضوح معنى الحديث من جهة مفرداته التي قد يكون في إحداها لبس على قارئ الحديث، وذلك فيما يأتي:

  • غلام: الغلام في اللغة هو الرجل من حين ولادته إلى أن يشب.[١٦]
  • احفظ: الحفظ في اللغة الحراسه، يقولون: حفظه يعني حرسه.[١٧]
  • تجاهك: التجاه في اللغة أصله وجاه، فيقولون كانوا تجاه العدو بمعنى أنّهم كانوا على الجهة التي تلي وجوههم.[١٨]
  • استعنت: الاستعانة من المعونة، وهي الإغاثة.[١٩]
  • يضروك: الضرر في اللغة هو كل ما كان ضد النفع كالفقر وسوء الحال والشدة التي تكون في البدن.[٢٠]
  • الصحف: الصحف جمع مفرده الصّحيفة، وهي ما يُكتبُ فيه الكلام، وقد أوّل العلماء قوله تعالى في سورة الأعلى: {إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ}[٢١] أنّها تعني الكتب السماويّة التي أُنزِلَت عليهما، والله أعلم.[٢٢]


العبر المستفادة من حديث: احفظ الله يحفظك

بعد الوقوف مع تفسير الحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "احفظ الله يحفظك"، وبعد الوقوف مع شرحٍ لمعاني بعض المفردات الواردة فيه فإنّ هذه الفقرة تقف ختامًا مع بعض العبر المستفادة من الحديث السابق، وذلك فيما يأتي:[١٣]

  • بيان أنّ مقاليد الأمور كلّها بيد الله سبحانه وتعالى، فإن شاء الله ساق النفع للإنسان لحكمة لا يعلمها إلّا هو، وإن شاء ساق ما ظاهره الضّرر لحكمة لا يعلمها إلّا هو.
  • بيان أنّ الناس إن هم إلّا أسبابٌ من أسباب الرزق أو الضّرر، وليس في أيديهم غير أن ينفّذوا قدر الله -تعالى- الذي قد كتبه منذ غابر الأزمان قبل خلق الأكوان والملكوت.
  • بيان أنّ الاستعانة والاستغاثة والمسألة لا تكون لسوى الله تعالى، فلا يملك الإنسان لنفسه ولغيره أكثر ممّا قد كتب الله له أو عليه في اللوح المحفوظ، وبذلك يوقن الإنسان أنّ الله -تعالى- وحده هو النافع والضار.
  • بيان أنّ حفظ الإنسان وعمته من الشرّ والضّرر ومن أذيّة الناس كلّه بيد الله، ولا سبيل لهذا الحفظ سوى بأن يتقرّب الإنسان من ربّه بالطّاعات بأن يؤدّي ما افتُرض عليه وأن يبتعد عن المحارم والمنكرات والمعاصي، فبذلك يعتصم المرء بحبلٍ متين من ربّه، ويكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا والآخرة، والله أعلم.

المراجع

  1. "سير أعلام النبلاء - ومن صغار الصحابة - عبد الله بن عباس البحر"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  2. "عبد الله بن عباس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  3. " عبد الله بن عباس .. حَبر الأمة وترجمان القرآن "، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  4. ^ أ ب رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2516، حديث صحيح.
  5. "حَبْرُ الأُمَّةِ عبدُ الله بن عباس رضي الله عنه"، www.dar-alifta.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت "حديث: احفظ الله يحفظك"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية:40
  8. سورة البقرة، آية:152
  9. سورة الرعد، آية:11
  10. سورة الكهف، آية:82
  11. " وقفة مع حديث: احفظ الله يحفظك"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  12. ^ أ ب "احفظ الله يحفظك"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت "شرح حديث: (يا غلام إني أعلمك كلمات)"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:2653، حديث صحيح.
  15. رواه الألباني، في تخريج كتاب السنة، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم:104، حديث صحيح.
  16. "تعريف و معنى غلام في قاموس القاموس المحيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  17. "تعريف و معنى الحفظ في قاموس مختار الصحاح"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  18. "تعريف و معنى تجاه في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  19. "تعريف و معنى استعان في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  20. "تعريف و معنى ضرر في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
  21. سورة الأعلى، آية:18-19
  22. "تعريف و معنى صحف في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
5221 مشاهدة
للأعلى للسفل
×