محتويات
عبدالله بن مسعود
أحد صحابة رسول الله ومن أوائل من أسلم فكان سادس من التحق بذلك الرَّكب، وكان صاحب سواك رسول الله ونعله وقد شهد الهجرتين، ويُذكر أنَّه أوَّل من جهر بقراءة القرآن الكريم فيمكة المكرمة.[١]
وقد شهد العديد من المواقف الحاسمة في الإسلام مثل غزوة بدر وغيرها، وأمَّا سبب إسلامه فكان عندما مرَّ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي بكر وكان يرعى أغنامًا لبعض القوم فطلبوا منه لبنًا فرفض لأنَّه مؤتمنٌ عليها، فطلب النبي شاة لا لبن فيها فجاء له بواحدة فمسح على ضرعها وشرب من لبنها ودعا له رسول الله فأسلم وحسن إسلامه، وقد روى عن النبي 848 حديثًا متفقٌ عليها، ومن بين تلك الأحاديث: "إنَّها سَتَكُونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تَأْمُرُ مَن أدْرَكَ مِنَّا ذلكَ؟ قالَ: تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي علَيْكُم، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"،[٢] وسيقف هذا المقال مع معنى حديث: ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها.[٣]
معنى حديث: ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها
هل من حق الحاكم تحليل الحرام وتحريم الحلال؟
روى الكثير من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلامه فكانت أحاديثًا يستقي منها العلماء أحكامًا لا تنتهي، ومن بين الأحاديث التي رواها عبد الله بن مسعود قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم كما ورد في صحيح مسلم: "إنَّها سَتَكُونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تَأْمُرُ مَن أدْرَكَ مِنَّا ذلكَ؟ قالَ: تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي علَيْكُم، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"،[٢] والأثرة في هذا الحديث هي إيثار الحُكَّام وولاة الأمر لأنفسهم على رعيَّتهم والنَّاس كافَّةً فهم ينتهكون حرمات الله ويرتكبون المعاصي والمحرمات في سبيل تذليل الحياة الدُّنيا له، فيعمدون إلى سفك الدماء بغير ما أحلَّه الله وينتهكون أعراض المُسلمين لأجل أن يتمتعوا بالحياة الدُّنيا ما استطاعوا، ويكتنزون الأموال والكنوزوالذهب والفضة فيجعلون رعيَّتهم فقراء محتاجين وذلك كلّه في سبيل بقائهم في مناصبهم.[٤]
والأصل في الحُكَّام أن يُؤثروا رعيَّتهم على أنفسهم لكن غرَّتهم الحياة الدُّنيا ونسوا يوم القيامة فعمدوا إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال، "وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها" فإذا رأى المُسلمون تصرفات الحاكم واستئثاره بالأموال والحياة الدُّنيا أنكروا ذلك في نفوسهم واستهجنوه وعارضوه، وحين ذاك تبادر إلى نفوس الصَّحابة رضوان الله عليهم أن كيف يفعلوا إذا أدركوا ذلك الزَّمان ورأوا من الحُكَّام ذلك الفعل،[٤] فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي علَيْكُم، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"، فبحكمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علم أنَّ ذلك الإنكار في النفوس سيؤدي إلى أمورٍ واقعيةٍ لا تُحمد عقباها من منازعة الحُكَّام أمرهم.[٥]
وهنا أمر النبي من أدرك ذلك الزَّمان أن يُؤدي ما عليه على أكمل وجه ويلتزم الصبر، ويدعو الله -تعالى- أن يهدي الحُكَّام حتى يعودوا إلى رشدهم، وليس لهم أن يُنازعوهم أمرهم ولا يخرجوا عليهم، بل يُطيعوهم ويُدافعوا عنهم درءًا للمخاطر التي قد تحدث حال الخروج على الحاكم، ويُخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنَّ ذلك الصبر على الحاكم لن يُضيِّعه الله لهم بل سيكون جزاءهم أن يلقوا النبي -عليه الصلاة والسلام- على الحوض كما روي عن البراء بن عازب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سَمِعتُ البَراءَ يُحدِّثُ قَومًا فيهم كَعبُ بنُ عُجْرةَ، قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ للأنصارِ: إنَّكم ستَلقَوْنَ بعدي أثَرةً، قالوا: فما تَأمُرُنا؟ قال: اصبِروا، حتى تَلقَوْني على الحَوضِ"،[٦] وبذلك يكون قد انتهى شرح حديث ستكون من بعدي أثرة وأمور تنكرونها، والله في ذلك جميعه هو أعلى وأعلم.[٥]
معاني المفردات في حديث: ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها
ما فائدة معرفة معاني المفردات؟ إنّ معرفة معاني المفردات يصب بشكلٍ حقيقي في معرفة معنى الحديث، ولا بدَّ لعلماء الحديث أن يعودوا إلى تفصيل الكلمات في معاجم اللغة العربية؛ حتى يستطيعوا تفسير الحديث على وجهه الصحيح، وستقف هذه الفقرة مع معاني المفردات في حديث: ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، وفيما يأتي سيكون ذلك:
- أثرة: الأثرة هي اسم ومعناها حسب علماء النَّفس الإفراط في الأنانية وحب الذات وتفضيلها على الآخرين، ومحاولة الاستنفاع من كل الأمور بشكل شخصي وبالمعنى العام هي تفضيل النفس على الآخرين.[٧]
- تنكرونها: وهي الفعل من المصدر الإنكار، واللإنكار هو عدم الإقرار والنفي سواء كان بشكل قطعي أو عن طريق الظن.[٨]
العبر المستفادة من حديث: ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها
إنَّ المُتبصّر في هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجد أنَّ كلامه هو وحيٌ من عند الله إذ إنَّه لا ينطق عن الهوى كما تُحب نفسهه وتشتهي حاشا وكلا، بل هو لا يقول إلا الحق والصدق وأحاديثه -عليه الصلاة والسلام- منبع العبر والحِكم، ولا بدَّ من وقفةٍ تأمليةٍ معها حسب ما توصل إليه علماء التفسير والتأويل، وفيما يأتي سيكون ذلك:
- الخروج على الحاكم من الأمور التي حذَّر منها رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لما في ذلك من خلقٍ للفتنة وضياع الأمن والأمان وهدر الثروات والأموال وسفك دماء المسلمين واقتتالهم بين بعضهم وشق صفوفهم وانتشار الخبائث بين النَّاس، بل لا بدَّ من الالتزام بالطاعة لولاة الأمور لو رأى منهم المرء ما يكره.[٩]
- إتقان العمل أمرٌ جللٌ حضَّ عليه دين الإسلام في غيرما موضعٍ؛ لأنَّ فيه صلاح المجتمع بأكمله، ولو كان الولاة فاسدين لما صحَّ أن يفسد المرء في مكان عمله؛ لأنَّ كلُّ امرئٍ بما كسب رهين.[١٠]
- التحذير من شقِّ عصا الجماعة أمرٌ لا بدَّ منه حتى يكون المرء على قدرٍ عالٍ من المسؤولية تجاه المكان والمجتمع الذي يعيش فيه والأشخاص الذين من حوله، وفي ذلك كله مراعاةٌ للمصلحة العامة التي من شأنها أن تبقي البلد آمنًا مستقرًّا.[١١]
المراجع
- ↑ "عبد الله بن مسعود"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-15. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:1843، حديث صحيح.
- ↑ "عبد الله بن مسعود"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-15. بتصرّف.
- ^ أ ب "كتاب شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-15. بتصرّف.
- ^ أ ب "شرح حديث: إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-15. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:18582، حديث صحيح.
- ↑ "تعريف و معنى أثرة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-15. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الإنكار في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-15. بتصرّف.
- ↑ "228 من حديث: (إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها..)"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-15. بتصرّف.
- ↑ "إتقان العمل "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-15. بتصرّف.
- ↑ "كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ ( قراءة في الخطاب المنزل )"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-15. بتصرّف.