محتويات
انتشار الإسلام بالسيف والقوة
انتشارُ الإسلامِ بالسيف والقوَّة من الشُّبهاتِ الَّتي أُثيرت نحو الإسلامِ، ويجدرُ الإشارةُ إلى أنَّه على مدى التَّاريخ كانت كلُّ دولة تُحاولُ توسيعَ نفوذها باستخدامِ قوَّتها العسكريَّة، بل وتحاولُ أنْ تفرضَ حكمها على المناطق الّتي سيطرت عليها، وهذا المبدأ لا ينطبقُ على الفتوحاتِ الإسلاميَّة الَّتي تمَّت بالسيفِ، بل فقد كانَ المسلمونَ يلجؤون للحربِ لردِّ العدوان عنهم، كما أنَّ سيفَ المسلمين يختلف عن غيرهم، فهو سيفٌ منضبطٌ بنظامٍ أخلاقيٍّ عالٍ، فقد رسمَ المسلمون منهجية حربيّة أخلاقيّة جديدة لم يعرفها التَّاريخ من قبل.[١]
ولم تكن المعارك الإسلاميّة إلا رداً على عدوانٍ قائمٍ على المسلمين، أو إزالة للحواجزِ الَّتي تحولُ دون وصول الدعوةِ إلى غير المسلمين، كما أنَّ الوقائعَ شاهدةٌ على أنَّ المسلمينَ لم يُكرهوا أحداً على الدخول في الدِّين، وحتى بعد فتح كثير من البلاد عاشَ غير المسلمين تحت الحكمِ الإسلاميِّ في عدلٍ وأمان لم يعيشوا مثله في بلادهم قبل دخولِ الإسلام إليها، بل وكان ما عايشوه من نظامٍ أخلاقي عالٍ عند المسلمين في الحكم؛ سبباً في دخول الإسلام إلى قلوبهم، واعتناقهم إياه عن قناعة تامَّةٍ، وثقة كبيرة في تشريعاته العادلة.[٢]
ويظهرُ هذا التشريعُ الأخلاقيُّ عند النظرِ بإمعانٍ في أحكام الحرب، وأحكام الأسرى في القرآن الكريم، فقد أمر الإسلام بأن تكون غايةُ الحربِ منع الاعتداء على المسلمين، فإذا ما ضعف العدو واستكان انتهت الحرب، وهذا حثٌّ على السلم، ليعيشَ الناس في سلام وأمان، ويتم تبادل الأفكار، وتبادل الدعوة بالحكمة، والإقناع والموعظة الحسنة، دون وجود حواجز تمنع حريّة الفكر عند أيّ أحدٍ.[٣]
عدم صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان
من المفاهيمِ الخاطئةِ الَّتي انتشرت الادعاء بأنَّ الإسلام لا يصلحُ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وفي الحقيقةِ فإنَّ المُتأمل للشرائع يعلم أنَّ أساس صلاحيتها صلاحيَّة مبادئها، وعند النظرِ في مبادئ الإسلام فإنَّها جميعها صالحة لكلِّ زمانٍ ومكان، ومن أبرزِ هذه المبادئ:[٤]
- مبدأ المساواة ومبدأ الشورى: فالشريعة الإسلاميّة تقرِّر مبدأ المساواة بين النَّاسِ، وعدم تفضيل فردٍ على الآخر لعرق، أو لون، يقول -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)،[٥] وفي الوقتِ الذي لم تعرف فيه بعض التشريعات هذا المبدأ، ولم تطبقه إلا في أواخر القرنِ الثامنِ عشر، كانَ الإسلام قد أقرَّه منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، كما وقرّرت مبدأ الشورى، وأنّ للشعوبِ حق في اختيارِ مصيرها.
- مبدأ الحرية ومبدأ العدالة: حيث قرَّرت الشريعة حرَّية الفكر، وحرية الاعتقاد، كما قرَّرت مبدأ العدالةِ المطلقة، وعدم جواز المفاضلة بين شخص وآخر؛ لجاهٍ أو سلطان.
- تحريم الضرر وإباحة رفعه: وذلك من خلال تشريعات تحرّم الضرر الذي يقع على الفرد والمجتمع، كتحريم شرب الخمر، وتحريم الاحتكار، واستغلال النفوذ أو الشهرة والسلطان، وأباحث رفع الضرر كإباحة رفع الضرر الواقع على أحد الزوجين بحلِّ الطلاق، وكلّها أحكام يمكن تطبيقها في حين أنَّ كثيراً من الحضارات عانت إلى وقت متأخرٍ من كثير من المشاكل كشرب الخمر.
- مبدأ التعاون والتضامن الاجتماعي: فقد حثَّ الإسلام الأفراد على التعاون فيما بينهم، وحثَّ على فعل الخير، وإعطاء المساكين الصدقات، وهذا مبدأ يلزم كل زمان ومكان.
ويجدرُ الإشارة إلى أنَّ من الأمور الَّتي تدل على صلاحيّة الإسلام لكل زمان ومكان علم أصول الفقه، فهو المنهجُ الَّذي يرسم للمجتهد الأسس التي يبني الأحكام عليها، وبهذا يكون الدين الإسلاميُّ مرناً، وقادراً على استيعابِ جميع المستجدات، والكتب الفقهية مليئة بالأحكامِ المستجدة.[٦]
الأحكام الشرعية ترجع إلى آراء الفقهاء
من الشبهات التي تُثار حولَ الإسلام اعتقاد البعضِ أنَّ أحكام الفقهِ الإسلامي راجعةٌ إلى آراء الفقهاء الشخصيَّة، بينما عند الاطلاع على تاريخِ الفقه الإسلاميِّ، فإننا نلحظ أن أحكام الفقه منذُ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت مستمدة من القرآن، والسنة الَّتي هي وحي من الله للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وفي زمن الصحابة كانت مستمدة من القرآن والسنة النبويِّة، ثم في عهد التابعين أضيفت للمصادر فتاوى واجتهادات الصحابة، وهي في أصلها مبنيّة على فهمهم للقرآن والسنة ومبادئ الإسلام.[٧]
فمصادر الفقه الإسلاميِّ هي القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع والقياس، وغيرها من الأدوات الأصولية التي ترجع في أصلها إلى أحكام الوحيِّ الربانيِّ، وهذه الوسائل كلها تجد الفقهاء ملتزمين بها في كتابهم، فعند ذكرِهم لحكم تارة يذكرون آية للاستدلال، ومرّة حديثاً نبويّاً، ومرة إجماعاً، أو يستخدمون القياس، وهذه الوسائل كلها أقرّها النبي -صلى الله عليه وسلم- من خلال الوحيِّ.[٨]
الإسلام دين القمع وسلب الحرية
وهذه من الشبهات التي تثار حول الإسلام، وقد أكدَّ الفقهاء على اهتمام التَّشريعِ الإسلاميِّ بالحرَّية، بل وجعله من أهمِّ المقاصدِ الإسلاميِّة، وذلك إلغاءً للغلو والظلمِ الواقعِ على الضعفاء، فجاءتِ التَّشريعاتُ بلإيقاف أسبابٍ كثيرةٍ للاسترقاق، وجعل عددٍ من كفاراتِ الذنوب تحرير العبيد، كما وأعطتِ النَّاس حريَّة الاعتقاد، وحريَّة الرأي، وحريّة القول، وحرية العمل في أيِّ شأن دون تدخل، وذلك في حال لم يمسَّ ذلك حقّاً، ولم يُحدث ضرراً.[٩]
خلاصة المقال: يتناول هذا المقال ذكر عدد من الشبهات التي قد تثار حول الإسلام، مع الردِّ عليها بشكل موجز، حيث إن هذه الشبهات قد تثار أحيانا بسبب جهل البعض بالتشريعات الإسلامية، أو الصورة المشوهة التي يحاول البعض إيصالها عن الإسلام، لذلك من المهم قراءة هذه الشبهات والرد عليها.
المراجع
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 292. بتصرّف.
- ↑ العفاني سيد بن حسين بن عبد الله (2006)، وا محمداه إن شانئك هو الأبتر (الطبعة 1)، مصر:دار العفاني، صفحة 558، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ الزحيلي وهبة بن مصطفى (1997)، التفسير المنير (الطبعة 2)، دمشق:دار الفكر المعاصر ، صفحة 85، جزء 26. بتصرّف.
- ↑ عودة عبد القادر (1985)، الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه (الطبعة 5)، صفحة 50-57. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجرات، آية:13
- ↑ الزحيلي محمد مصطفى (2006)، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (الطبعة 2)، دمشق:دار الخير للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 37، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 22. بتصرّف.
- ↑ جمعة عماد علي (2003)، المكتبة الإسلامية (الطبعة 2)، صفحة 170. بتصرّف.
- ↑ ابن عاشور محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر (2004)، مقاصد الشريعة الإسلامية، قطر:وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 130، جزء 2. بتصرّف.