مفهوم الإنسانية في الإسلام

كتابة:
مفهوم الإنسانية في الإسلام

مفهوم الإنسانية في الإسلام

الإنسانية في الإسلام قائمة على أنه دين عالمي وليس لقوم بعينهم، وأن ميزان التفاضل فيه قائم على العمل الإنسان الصالح والتقوى بعيدًا عن فخر ومجد الأنساب، وبأنه دين قائم على الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات،[١] ودعوته إلى تحرير النفوس من الذل وتعزيزه لمفهوم الكرامة والعزة.[٢]


ما هي القيم الإنسانية في الإسلام؟

القيم الإنسانية هي ما التي تدعو إلى احترام الكرامة والحرية الإنسانية وتدعو إلى صون دم الإنسان وماله وعرضه وعلقه ونسله، بوصفه عضوًا في المجتمع ومن هذه القيم:[٣]


  • العلم: العلم من القيم العليا التي يدعو إليها الإسلام بل وجعله طريق الإيمان والحافز على العمل فقامت عليه حياة الإنسان في الدنيا والآخرة فأول ما نزل من الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[٤] فالقراءة هي الباب الذي يوصل للعلم، وتحفيزًا للمسلم على العلم والتعلم فقد بين القرآن أن أساس التفاضل بين الناس هو العلم، قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}.[٥][٣]
  • الحرية: أقر الإسلام قيمة الحرية ووقف بوجه الإذلال والإكراه والضغط بجميع أشكالهم، فأراد للإنسان أن يكون السيد في الكون وعبدًا فقط لله وحده، وتشمل هذه الحرية حرية الاعتقاد وممارسة الطقوس الدينية دون إجبار أحد على اعتناق دين لا يريده، فقال الله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}،[٦]وقال أيضًا: {لَآ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ}،[٧]وقد يعبر القرآن عن الحرية بلفظ الكرامة فيقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[٨][٩]
  • العدل: تكمن قيمة العدل في الإسلام بأن جعله مقومًا للحياة الاجتماعية الفردية والأسرية والسياسية، بل جعله هدف للرسالات السماوية كافة، فقال الله عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} فالقسط هو العدل، والمقصود بالعدل هو إعطاء كل من له حق حقه فردًا كان أم جماعة دون بخس وظلم، وفي هدي النبي ما يبين أهمية العدل حتى في معاملة الإنسان لنفسه فقال عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمرو عندما جار على نفسه فأكثر من الصيام والقيام: "فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا".[١٠][١١]
  • الوفاء: الوفاء من القيم الإنسانية التي يدعو إليها الإسلام لأنه يعزز الثقة بين أفراد المجتمع ويقوي أواصر التعاون بينهم، وقد قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}،[١٢] ومن أنواع الوفاء الوفاء بالعهد والوفاء بالوعد والوفاء بالميثاق أو العقد،[١٣] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهمية الوفاء: "اضْمَنُوا لي ستًّا منْ أنفسِكُمْ أضمَنُ لكمُ الجنةَ"[١٤] وذكر من بين الست: "أوْفُوا إذا وعدْتُم"[١٤][١٥]
  • الرحمة والرفق: وتشمل رحمة الضعيف والعاجز، والرفق بالحيوان، واحترام الكبير، وبر الوالدين، واحترام الجار والسؤال عنه، وهذه كلها تحقق أسمى معاني الإنسانية، والإسلام يدعو إليها كواجبٍ وعبادة يتقرب العبد بها من ربه، ويكون فاعلًا وطيبًا في مجتمعه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلا شانَه"[١٦][١٧]



كيف تتجلى الإنسانية في المجتمع الإسلامي؟

  • الزكاة: اهتم الإسلام بالطبقات الضعيفة في المجتمعات فشرع لهم أحكامًا تحفظ حقوقهم، ومن ذلك أنه أوجب حقوقًا مالية للفقراء من أموال الأغنياء ومن أعظم هذه الحقوق الزكاة والتي تعبر ثالث ركن من أركان الإسلام، والعظيم في هذا الركن أنه من الأمة وإليها فهي من الفقير إلى الغني.[١٨]


  • صلة الرحم: صلة الرحم من أعظم ما يتقرب فيه العبد إلى ربه إضافة إلى فائدته الكبيرة على المجتمع، فالمجتمع الإسلامي المؤدي لهذه الوظيفة تسود فيه المحبة والود والتناصح والإحسان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينًا أهمية صلة الرحم: "كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليصلْ رحمَه"[١٩][٢٠]
  • الأخوة الدينية: بين أفراد المجتمع.[٢١]
  • التهادي: وذلك في المناسبات الإجتماعية والدينية.[٢١]
  • إفشاء السلام: وزيارة المريض وتشميت العاطس.[٢١]
  • كفالة اليتيم: والتي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم.[٢٢]


مواقف من إنسانية النبي محمد

كيف تعامل الرسول إنسانيًا مع غير المسلمين؟


مع غير المسلمين

موقف النبي مع الغلام اليهودي

يبين موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع خادمه الغلام اليهودي حين مرض فزاره النبي ولقنه الشهادة لشفقته عليه ورغبته الشديدة بإخراجه من الظلمات إلى النور وبإنقاذه من النار،[٢٣] فقد روي عن أنس بن مالك: "كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ"[٢٤][٢٥]


عفو النبي يوم فتح مكة

يوم فتح المسلمون مكة دون قتال، وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا سابقًا، حيث وقف أمام مشركي قريش وسألهم عما يظنون أنه سيفعل بهم وبعد ذلك عفا عنهم جميعًا على ظلمهم ووقوفهم ضده وتعذيب الصحابة وقتلهم، حيث كان العفو عند المقدرة من أعظم التجليات الإنسانية في مغالبة الانتقام وهوى النفس، وذلك من إنسانية سيّد الخلق عليه الصلاة والسلام.[٢٦]


مع المسلمين

نبذ النبي للتعصبية القبلية

من المواقف الإنسانية لسيّد الخلق، نبذه للتعصبية القبلية عند العرب، فلم يستغلها في دعوته عليه الصلاة والسلام،[٢٧] حيث استطاع مؤاخاة الانصار والمهاجرين، والأوس والخزرج تحت رباط العقيدة، وتثبيت التقوى في قلوبهم وحثّهم عليها، والابتعاد عن الثارات والانتصار للنفس التي كانت بينهم، وتحبيب الإيثار إليهم.[٢٨]


فهم النبي للنفس الإنسانية

كان عليه الصلاة والسلام يفهم النفس الإنسانية ويعذر حاجاتها، ويتعامل مع الناس على ما يحبونه، حيث قال: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فيها دارًا، أوْ قَصْرًا، فَقُلتُ: لِمَن هذا؟ فقالوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فأرَدْتُ أنْ أدْخُلَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ، فبكى عمر"،[٢٩][٣٠] وكذلك في موقفه مع المؤلفة قلوبهم، لما عرف منهم في بداية إسلامهم ضعف إيمانهم، فأمر لهم ببعض الغنيمة كي تثبت نفوسهم، وفي ذلك فهم دقيق للنفس الإنسانية ومراعاتها عند سيّد الخلق عليه الصلاة والسلام.[٣١]

المراجع

  1. أحمد عطار، كتاب أصلح الأديان للإنسانية عقيدة وشريعة، صفحة 107. بتصرّف.
  2. منقذ السقار، كتاب دلائل النبوة، صفحة 109. بتصرّف.
  3. ^ أ ب يوسف القرضاوي، القيم الإنسانية في الإسلام، صفحة 13-14. بتصرّف.
  4. سورة العلق، آية:1
  5. سورة الزمر، آية:2
  6. سورة يونس، آية:99
  7. سورة البقرة، آية:256
  8. سورة الإسراء، آية:70
  9. يوسف القرضاوي، القيم الإنسانية في الإسلام، صفحة 19-21.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6134، صحيح.
  11. يوسف القرضاوي، القيم الإنسانية في الإسلام، صفحة 31-32. بتصرّف.
  12. سورة البقرة، آية:40
  13. مجموعة من المؤلفين، كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 3639-3640. بتصرّف.
  14. ^ أ ب رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم:1090، صحيح.
  15. مجموعة من المؤلفين، كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 3646. بتصرّف.
  16. رواه بن باز ، في مجموع فتاوى ابن باز، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:83/5، صحيح .
  17. جامعة المدينة [جامعة المدينة العالمية]، كتاب السياسة الشرعية، صفحة 622. بتصرّف.
  18. يوسف القرضاوي، القيم الإنسانية في الإسلام، صفحة 34. بتصرّف.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6138، صحيح.
  20. حسين المهدي، كتاب صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، صفحة 133-132. بتصرّف.
  21. ^ أ ب ت يوسف القرضاوي، القيم الإنسانية في الإسلام، صفحة 36-40. بتصرّف.
  22. محمود غريب، كتاب المال في القرآن الكريم، صفحة 68. بتصرّف.
  23. خالد السبيعي، كتاب رسالة عاجلة للدعاة، صفحة 10. بتصرّف.
  24. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1356، صحيح.
  25. ياسر الحمداني، كتاب موسوعة الرقائق والأدب، صفحة 8272. بتصرّف.
  26. مجموعة من المؤلفين، كتاب موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، صفحة 491. بتصرّف.
  27. [أحمد بن عبد الغفور عطار]، كتاب أصلح الأديان للإنسانية عقيدة وشريعة، صفحة 106. بتصرّف.
  28. راغب السرجاني ، كتاب السيرة النبوية، صفحة 4. بتصرّف.
  29. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2394 ، صحيح.
  30. [أبو بكر الشافعي]، الفوائد الشهير بالغيلانيات، صفحة 427.
  31. [ابن عثيمين]، كتاب جلسات رمضانية للعثيمين، صفحة 8. بتصرّف.
4840 مشاهدة
للأعلى للسفل
×