مفهوم الاستفتاء الشعبي
الاستفتاء الشعبي هو تقليد ديمقراطي يرتكز بشكل مباشر على الشعب، لأخذ رأيه بالتأييد والموافقة أو الرفض بأي موضوع عام، سواء كان الموضوع قانونيًا أو دستوريًا أو سياسًا، أو قرارًا صادرًا من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ويعد الاستفتاء مظهرًا ديمقراطيًا يتجلى به رأي الشعب ورغبته.[١]
لا يُقصد بالشعب جميع المواطنين، بل الشعب بمعناه السياسي الذي يشمل جميع المواطنين الذين يملكون حقوقًا سياسية ممن تندرج أسماؤهم في جداول الانتخابات النيابية وتتوافر فيهم شروط الناخب، الذي تقوم بتطبيقه معظم البلاد بدلًا من الاقتراع المقيد؛ وذلك لأنّ الاستفتاء الشعبي أداةٌ تمثل الديمقراطية بكل وضوح، ليكون للناخب البسيط دورٌ في تمثيل التعديلات الدستورية والاقتصادية والاجتماعية.[١]
ترتبط هذه التعديلات بشكل مباشر مع معاشه اليوميّ، وبناء على ذلك فإنّ الاستفتاء الشعبي لا بد أن يحتوي على عنصرين أساسين لتحقيقه، وهما: أن يُطبق الاستفتاء الشعبيّ لأجل عرض موضوع عام على الشعب، وأن يصدر قرارًا من الشعب يُقِر به بالموافقة أو الرفض.[١]
نشأة الاستفتاء الشعبي
بالرغم من اختلاف المسمى لكن الشريعة الإسلامية طبقت نظام الاستفتاء الشعبي بما يُعِرف بمبدأ الشورى والبيعة، فالبيعة الصغرى والكبرى من أهم الصور التي جسدت الاستفتاء الشعبي، فلم تكن العشوائية قائمة ليُثبَتَ الخليفة في منصبه، بل من خلال قبول أهل الحل والعقد بالبيعة الصغرى أولًا ثم بقبول العامة بالبيعة المبرى ثانيًا.[١]
كان الخليفة يلجأ إلى أهل العلم والمعرفة بكل قضية لم يُذكر أمرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن الجدير بالذكر أنّ تاريخ العرب القديم سبق الشريعة الإسلامية
بالأخذ بنظام الاستفتاء الشعبي،[١] وذلك بقول الله تعالى على لسان بلقيس ملكة سبأ: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ}.[٢]
ظهر أول استفتاء شعبي في العصر الحديث في سويسرا خلال القرن الخامس عشر، حينما أقرت مجالس 12 كانتونا آلية الاستفتاء الشعبي بما سًمي حينها بالاستشارة الشعبية، وتُعد أيضًا أول مدينة عرّفت الاستفتاء التشريعي في دستورها الذي يقرُ بعرض قوانين الدولة على الشعب؛ ليقرها أو يرفضها، كما أنّ أصل كلمة الاستفتاء من اللغة اللاتينية التي عُرِفت في الحياة الدبلوماسية في سويسرا.[٣]
تطور الاستفتاء الشعبي
بالرغم من أنّ الإحصائيات قد أفادت بأنّ سوسيرا تتصدر دول العالم بتطبيق الاستفتاء الشعبي، إلا أنّه لا ينحصر بها فحسب، ففي فرنسا نمت بذرة الاستفتاء الدستوري حينما أخذت برأي الشعب لتعيين الرئيس، ومثالًا على ذلك؛ دستور السنة الثامنة الصادر عام 1799 الذي استخدم نظام الاختراع بالثقة.[٣]
شهدت بعدها العديد من الدول الأوربية تطبيق نظام الاستفتاء الشعبي ببداية القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية لسببين اثنين، هما كما يأتي:[٣]
- سيادة التيار الديمقراطيّ عند انتهاء الحرب، وذلك نتيجة لانتصار الدول التي تحث على تطبيق الديمقراطية في البلاد.
- الرغبة الشديدة بإصلاح كل العيوب الواردة في النظام النيابي، وذلك بفسح المجال للإرادة الشعبية باتخاذ القرارات، وجعل الشعب جزءًا مهما في تحديد المصير.
بحلول 1904 أقرت الولايات الأمريكية مساطر خاصة لتحقيق الاستشارة الشعبية، إذ تضمن ستة أنواع من الاستشارات الشعبية ومن ضمنها الاستفتاء العام، وأجزم القرن العشرون على أنّ الاستفتاء الشعبي أصبح آلية مركزية تُطبق في البلاد لنشر الديمقراطية وإلغاء التحيز والتعقيد، ولخلق مسار جديد في الدستور أصله الشعب وموقفه.[٤]