محتويات
مفهوم التاريخ في الفلسفة
إنّ وضع تعريف موحّد ومُتّفق عليه لمفهوم التاريخ أمرٌ فيه من الصعوبة الكثير، لأنّ الأحداث التاريخيّة التي وصلتنا عن التاريخ الإنسانيّ غير شاملة وغير موثّقة، وكل مؤرخ من المؤرّخين ينظر إلى هذه الأحداث من زاوية تختلف عن غيره، لذا فتعريفات الفلاسفة لهذا المفهوم اختلفت من مدرسة فلسفيّة إلى أُخرى، وفي هذا المقال سنعرض أهم التعريفات لآراء بعض الفلاسفة في تحديد هذا المفهوم.
التاريخ عند ماكس فيبر
يعتبر ماكس أنَّ الوقائع التاريخيّة التي تُشكِّل موضوع بحث وعمل المؤرخ تتميّز بالكثافة؛ بسبب الصعوبة في الإحاطة بها وكونها تُمثلُ وقائع الماضي المتفردة التي لا تسمح بالتوصل إلى قوانين ثابتة كما هو في العلوم الأخرى، كما ويؤكد أهميِّة البعد الإيديولوجيّ باعتباره عاملاً داخلياً وذاتياً في توجيه عمليّة تفسير التاريخ التي يقدمها المؤرخ، من خلال انتقائه واختياره للعوامل والأسباب التي تُفسّر هذه الأحداث وخُلاصة القول عند ماكس هو إنّ المعرفة التاريخيّة لن تكون تامة لامتزاجها بذاتيّة المؤرِخ ونظرته الخاصة.
التاريخ عند ابن خلدون
ليس التاريخ عند ابن خلدون مجرد إخبار عن أيام السلف والدُول، إنّما النظر والتحقيق والتعليل السليم لأحداث التاريخ؛ لذا يُحدد ابن خلدون مجموعة من القواعد المنهجيّة التي على المؤرخ الالتزام بها حتى لا يضيع في بيداء الوهم، وحتى يعتمد النقل والإخبار بأصولٍ وعلى قواعد السياسة والأحوال الاجتماعيّة والعمرانيّة في تلك الفترة المدروسة.
التاريخ عند ريمون آرون
يُركز آرون على عقبة ومشكلة المسافة الزمنيّة التي تفصل الماضي المُراد دراسته عن الحاضر الذي يعيش فيه المؤرخ، فالحاضر نُدركه تلقائياً أمّا الماضي فيتعذرُ فهم دلالات أحداثه ومضمونها، وذلك يؤدي إلى أنّ المعرفة التاريخيّة تبقى صعبة في شموليّتها، فهي نسبيّة محدودة إضافةً أن جدليّة الماضي والحاضر قد تؤثر في المؤرخ في أخذه من الواقع الاجتماعيّ له لفهم بعض دلالات الماضي، كم ويعتبر آرون المعرفة بالتاريخ غير قائمة على قصّ وسرد والنقل عن الوثائق التاريخيّة المخطوطة، إنّما قائمة في ما يريد المؤرخ أن يكتشفه.
التاريخ عند بول ريكور
يؤكد بول الخصوصيّة التي تُميز المعرفة التاريخيّة بكونها معرفة لا ترتكز على معطياتٍ جاهزة كباقي العلوم، إنّما هي معرفة يتم بناؤها بالاعتماد على منهج خاص يتّبعه المؤرخ، بحيث يستنطق الماضي ويحوّله إلى وثائق دلاليّة تقوم على منهجٍ دقيق وواضح يُمارس المؤرخ من خلاله الملاحظة والنقد.
التاريخ عند فريديريك هيجل
من خلال التصور الفلسفيّ الجدلي يرى هيجل أنّ التاريخ الإنسانيّ يسير وفقاً للقانون الذي يعكس إرادة الروح الداخليّة والكليّة التي تتخذ من عظماء وأبطال الأمم المختلفة أدوات لتحقيق المُطلق، فكل أمّة سيطرت في فترة زمنيّة معينة على الأمم الأخرى ستكون أداة لاشعوريّة تُعبر عن إرادة الروح الكليّة عند الفرد، وستتغير هذه الأداة بتغير الأمّة التي تتسلم زمام القيادة فيما بعد.
التاريخ عند ميرلو بونتي
يرفض ميرلو القول إنَّ التاريخ يحكمه منطقٌ معين يُسيِّره في اتجاه محدد أو السعي لغاية مرسومة، حيثُ إنّ تقبُّل فكرة التقدم الحتميّ في حركة التاريخ البشريّ يُضفي عليه صِبغة البرنامج المُحدد سلفاً، فيوقعنا في نزعة لاهوتية ثيولوجيّة بعيدة عن العقلانيّة؛ لذا يجب عدم التغافل عن العرضيّة المُتَجليّة في تعدد الإمكانيات التي تنفتح عليها الحركة التاريخيّة.